"أموات فوق الأرض".. هذا ما يمكننا أن نقوله عن سكان المقابر والعشوائيات في مصر، فمن يصدق أن مصر أم الدنيا وبلد السبعة آلاف سنة حضارة، يسكن مقابرها أكثر من 1.5 مليون مواطن يعيشون فى قبور البساتين والتونسي والإمام الشافعي والإمام الليثي وباب الوزير وجبانات عين شمس ومدينة نصر وحتى مقابر مصر الجديدة، هل هرب هؤلاء من ظلم الأحياء ليختاروا رفقة الأموات؟ هل هربوا من الفساد والظلم لينعموا براحة البال مع إخوانهم الأموات؟ هل يعانون الموت الاجتماعي أم ما زالت قلوبهم تعرف النبض والأمل في حياة كريمة؟ هذه الأسئلة وغيرها حاولنا أن نجد إجابة لها، فذهبنا إلى هؤلاء الأحياء لنقترب من الصورة أكثر.. والآن إليكم تفاصيل هذه المأساة كما هى فى مقابر السيدة عائشة. والآن تعالوا ندخل معًا إلى هذا العالم.. فى البداية يرتجف جسدك أثناء مرورك من أمام المقابر، فماذا لو كنت تعيش بداخلها؟ تحدثت "البوابة نيوز" مع الحاجة أم محمد التى تسكن مقابر السيدة عائشة، ولدت وعاشت فى المقابر، عمرها 51 سنة كلها شقاء وحياة غير آدمية لا تحتمل على الإطلاق، وكل هذا بسبب إهمال المسئولين الذين لا يهتمون بالطبقات الفقيرة أو بالمعنى الأصح "المعدومة"، حياة صعبة وشاقة لا يتحملها أحد.. وأى شرع أو دين أو إنسانية يمكن أن يقبلوا بالعيشة مع الأموات بهذا الشكل.. لكن ربما تكون العيشة مع الأموات أرحم من العيشة مع البشر. تعيش "أم محمد" فى غرفة واحدة فى أحد الأحواش هى وزوجها وأبناؤها الخمسة وأختها المطلقة وأبناؤها الثلاثة وأخوها وزوجته وأبناؤه أيضًا كلهم يعيشون بجوار أبيهم الراقد تحت التراب ويمارسون حياتهم الطبيعية كل يوم بكل رضا عن حالهم تحت مسمى هنعمل إيه؟ وقالت الحاجة أم محمد: اشتكينا كتير بس مفيش فايدة محدش بيسمعنا والمسئولين مبيسمعوش للغلابة وعاملين "ودن من طين وودن من عجين، إحنا عندنا الميه والنور بس مفيش مجارى". وأكدت أم محمد، مرة ناس زارونا وقالوا لنا هنديلكوا شقق ومساكن تعيشوا فيها وأخذوا أسامينا وقالوا هنجيلكم ونقولكم وبعد كده اختفوا ولا حياة لمن تنادى ومحدش سأل فينا، والمسئول عن الدائرة بتاعتنا مبيظهرش غير ساعة الانتخابات بس ويوعدونا بأنهم هيدخلوا المجارى وأعمدة النور وطبعا بعدما يجمعوا أصواتنا وينجحوا يروحوا بعيد عنا، وفى مرة أجرنا شقة علشان نعيش فيها بس مقدرناش على الإيجار بره وفى النهاية رجعنا هنا تانى وكأن الأموات أرحم، وخصوصا إن جوزى بيشتغل عامل وأنا عيالى بيتعلموا فى ابتدائى وإعدادى وثانوى يعنى مش هنقدر على كل المصاريف دى علشان كده رجعنا للحوش بتاعنا تانى وأهو قعدنا فى أرضنا ومنها وإليها نعود. وقالت الحاجة أم محمد، عن الحالة بعد الثورتين لم تختلف الحياة إحنا زى ما إحنا مفيش حاجة اتغيرت والحال بقى أسوأ من الأول والأسعار ارتفعت ومبقاش فيه شغل وحالنا واقف وفى النهاية إحنا عايشين زى الميتين فى مكان واحد.