الحكومة تجاهلتنا.. ومرشحو البرلمان اشتروا أصواتنا ب 50 جنيهًا اختاروا أن يعيشوا مع الأموات بعيدًا عن بنى البشر، والأصح أنه لم يكن اختيارهم، حيث قادهم حظهم العسر إلى هناك، حيث مرافقة رائحة الموتى وقصص عذاب القبر ونعيمه، فهم لا يرافقون قريبًا مات لهم حزنًا عليه وإنما اضطروا للإقامة فى المقابر التى باتت مساكنهم وهم أحياء، فأصبحوا منفيين فى بلادهم بعد أن رفضت الحكومة ضمهم لباقى المواطنين وتخصيص وحدات سكنية لهم فى ظل منتصف العقد الثانى من القرن العشرين، وكأنهم لا يحملون جنسيتنا، فتعودت أنوفهم على رائحة تحلل الجثث الكريهة حتى أخذت ملامحهم من أشكال الموتى وبات مظهرهم وكأنهم العائدون من تحت التراب، هذا هو حال آلاف المواطنين من سكان مقابر الجمالية، بمنطقتى باب النصر والمجاورين، والإمام الشافعي، ومدينة نصر، بمحافظة القاهرة. مقابر باب النصر ب"الجمالية" بدأنا حوارنا مع عدد من الأهالي، من حيث وضعهم المعيشى حيث قابلونا بقولهم " إحنا أموات عيشين فوق أموات أجدادنا ماتوا هنا وإحنا بنموت هنا كمان هنخلى أحفادنا يموتوا هنا", وتابعوا مطالبين بالفرار من هذه الحياة "عاوزين نتزاح ونهج من هنا" فبهذه الكلمات توحدت مطالب"سكان المقابر" فى مصر المحروسة. فالخوف والذعر بات مشهدنا الأول فى عيون هؤلاء الأهالى، حين أخبرونا عن حالات قتل, واغتصاب, وتعاطى مخدرات, وسرقة أعضاء الموتى بل وجثثهم تحدث داخل المقابر، إلى جانب وقوع حوادث قتل عدة بالمقابر ليلًا، وباتت هذه الأحاديث تنزل على مسامعنا كوابل من الحجارة , لم نكن نتوقع حدوثها بمقابر "مصر المحروسة". حيث التقينا ب "الحاجة سيدة" والتى اتخذت من دفن الموتى مهنة لها بعد أن تحولت هرموناتها الأنثوية إلى ذكورية بفعل الفقر والحاجة حتى مات قلبها وباتت تتحمل ما لا يتحمله الرجال حيث تحمل الموتى من "الخشبة" إلى مثواهم الأخير تحت التراب. الرئيس كان جرنا وقالت الحاجة سيدة،: "إحنا فى مقابر باب النصر فى الجمالية والرئيس كان جارنا زمان كان بينا وبينه شارع لكن يظهر مكنش بيشوفنا ولا مرة معندناش ميه ولا صرف صحى ولا كهربا وزهقنا من الشكاوى ومحدش بيسأل فينا الرئيس بيقول بيعمل للفقرا ومشفناش أى حاجة. وبسؤالها عن كيفية الحصول على المياه وأين يقومون بصرف مياه المجاري، قالت:" إحنا فى قرافة يا أستاذ بنمشى كتير علشان نجيب شوية الميه وبنستحمى فى طشت ونرمى المية فى الشارع". زقزقة العصافير وواجهنا أبوالفتوح محمد, أحد الأهالى، قائلًا: "نعيش كل أوقاتنا فى رعب حتى إن جاءت لقمة عيش بالليل لا أذهب خوفا على أبنائى, فلا أحد يستطيع المجىء ليلا حتى الشرطة تخشى دخول المقابر ليلا, إحنا بنصحى على ندب ونواح وبنام عليها وبقى حلمى أصحى على صوت "عصافير تزقزق" واستطرد قائلًا: "هو إحنا أمتى هنخرج من المدافن؟! "لتصبح هذه أقصى أمانيه". وتابع أبو الفتوح: " لما حصلت كارثة غرق إسكندرية الحكومة اتقلبت نتمنى تحصل كارثة فى مقابر باب النصر عشان الحكومة تبص علينا وترحمنا من إللى إحنا فيه أنا الحوش إللى قاعد فيه أنا وأولادى فيه ثقوب بننظر على غرفة الموتى وبتخرج منها ريحة كريهة لا يتحملها البشر قدمنا للحصول على مساكن فى الحكومة بعد زلزلال 92 ومخدناش حاجة وقدمنا سنة 2005 والمحافظة قالت أنتوا ملكوش حق فى شقق الإسكان" . ووجه رسالة إلى الرئيس، قائلًا: " يا رئيس الجمهورية مدافنا فى باب النصر فى الجمالية الفرق بيننا وبين أهلك شارع وأنت كنت جارنا فين حق الجيرة ولا إحنا مش من الرعية عايشين مهددين بالطرد فى أى لحظة من أصحاب الأحواش وعايشين فى حالة ضنك مفيش مية ولا مجارى ولا كهربا يعنى "ميتين عايشين مع ميتين بالحياة". واصطحبتنا "ص.أ", تبلغ من العمر37 سنة ولديها ابنه فى ال17 من عمرها، حيث قالت: "أنا اتولدت فى المقابر وأعيش مع والدتى المسنة, بعد ما خلعت جوزى من 15 سنة لأنه وأمه كانوا بيعملونى زى الخدامة وبيضربونى. أحواش المسيحيين "ممنوع السكن" وواجهنا صلاح عثمان ,سائق تاكسى, من مواليد مقابر باب النصر 58 سنة, والذى بدأ حديثه غاضبا:"من 50 سنة والحكومة بتقول وعود بمساكن لأهالى القبور وحتى الآن لا نرى شيئًا, من زمن حكم السادات, وأحواش المسيحيين يضعوا عليها لافتات لرفض السكن بها فكيف بنا الحال نحن كمسلمين؟؟!, تخيلوا حياتنا لا نجد ما نصف به بشاعة المعيشة وحال أبنائنا وإحراجهم عن التحدث أنهم يعيشون بالمقابر أم الغلاء وقضاء احتياجاتنا الأساسية المحرومين منها". وتابع عثمان: "نواب مجلس الشعب يأتوا للكرسى فقط, ويقوموا بتوزيع 50 جنيها على كل فرد قبل الانتخابات عشان ينتخبه وبعدها نذهب لمسألتهم مش بيرضوا يقبلونا يبقى ننتخب ليه ومفيش حد بيسأل فينا لا حكومة ولا أعضاء مجلس الشعب ". مقابر المجاورين بمنشية ناصر أكملنا جولتنا لنصل إلى مقابر المجاورين بمنشية ناصر، حيث اصطحبنا محمد بسيونى يعمل بمهنة دفن الموتى وتنظيف المقابر, -42 عاما- فى جولة محدثنا: " قامت حملات كثيرة بزيارة مقابر المجاورين ومنها حملة "مين بيحب مصر" والتى تهتم بسكان المقابر وقام التليفزيون اليابانى بتصوير أوضاعنا ولكن لا يجدى أى عمل بشئ لصالحنا, مطلبنا الوحيد مساكن نعيش فيها خارج المقابر,لأن المقابر لها حرمتها لا يجب أن ندوس بالحذاء على هذه الأرض, ومقابر المجاورين بشكل خاص تتعرض لتجاوزات كثيرة أهمها سرقة أعضاء الموتى فهناك تجار لهذا العمل ومن عدة شهور حاولت إفشال عملية سرقة عند مقابر نفق المماليك ولكنهم أطلقوا على النار من أسلحتهم, ومن 15 يوما قام طبيب أسنان بتوسيط أحد العاملين هنا لإخراج جزء من أعضاء أحد الموتى ليبيعها فى الجامعة ولكنى هاجمته وخطفت اللاب توب الخاص به فقاموا بضربى بأسلحة بيضاء فى رأسى". وتابع بسيوني: "السكان هنا يخافون من التعرض لهؤلاء ولم يقفوا معى, ومن مشاكلنا عدم وجود صرف صحى فمياه الاستحمام والغسيل يتم القائها بين المقابر ونفايا المنازل والحمامات نقوم بالتخلص منها بعيد عن أسوار المقابر ومياه الشرب بنسحبها بخرطوم من صنبور فى الخارج وليس لدينا أجهزة كهربائية ولا ثلاجات لعدم وجود الكهرباء الكافية فأكلنا كله جاهز, الحوش الذى أسكن فيه صغير جدا يكفى 7 أفراد بصعوبة شديدة, ولم يفعلها أحد نواب الجمالية السابقين وجاء ليشاهد حال سكان المقابر قط والنواب الجدد جميعهم رجال أعمال يطمعون فى السلطة والكرسى والأموال فقط "سلطة مع الفلوس عشان يتظبطوا لا أكتر ولا أقل" نواب الكراسي وعن نواب مجلس الشعب السابقين والجدد تحدث سكان المقابر بلا حرج، واصفين إياهم ب"نواب الكرسى والأموال وبعد الانتخابات سلام عليكم, ويسعون من أجل الجمع بين السلطة والمال علشان يتظبطوا وبيوزعوا علينا فلوس وسكر وأكل فترة الانتخابات وبعد كده مش بنشوفهم تاني". وفى غرفة متهالكة توشك على الانهيار قابلتنا سيدة تدعى "عفاف" قائلًة،:"أنا عايشة هنا من 30 سنة بعد ما تركنى زوجى وتوفى وتكفلت براعية 8 أيتام وعايشين فوق الجثث وحولها عملين صرف "ترانشات" وبياخدوا 200 جنيه كل مرة علشان ينضفوه". "مين بيحب مصر" ومن جانبه أكد الحسين حسان، مؤسس حملة "مين بيحب مصر" أن الحملة مهتمة بتطوير العشوائيات وسكان المقابر، مشيرًا إلى أنهم طالبوا بوزارة للعشوائيات فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى وتمت الاستجابة لهم فى حكومة المهندس إبراهيم محلب ولكن قوام الوزارة 70 شخصا وميزانيتها 500 مليون جنيه وهى ضعيفة لتوفير الخدمات للمواطنين الفقراء. وتابع حسان فى تصريحات له: "عرضنا مقترحات لحل مشكلة سكان المقابر وإدراج أزمتهم فى الخطة العاجلة للحكومة، ولكن تم تجاهل الموضوع إلى الآن من قبل مسئولى الحكومة".