العالم يعلق آماله على رموز الدين وعلمائه ورجاله، ويجعل على عاتق المؤسسات الدينية العالمية مثل الأزهر والفاتيكان عبئًا كبيرًا في إسعاد البشرية ومحاربة الفقر والجهل والمرض. كلمات موجزة وعبارات بسيطة أدت إلى ضجة إعلامية عالمية وحديث داخل جميع الأوساط السياسية والحكومية في شتى مؤسسات وهيئات قارات العالم كله عقب لقاء قمة تاريخية هي الأولى من نوعها.. جمعت بين فضيلة إمامنا الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر"حفظه الله" والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان بالمقر البابوي. جولات وزيارات الإمام الأكبر الأخيرة ليست غريبة عن شيخ حمل على عاتقه "رسالة الأزهر الشريف" في وقت عصيب مليء بالغمام من كل الجوانب واستطاع الصمود والعبور بأكبر مؤسسة عالمية دينية والنجاة من تلك العقبات دون أي خسائر، وهذا ليس بغريب عن شيخ نشأ وتربى في بيت الزهد والعلم بل أن مواقفه الوطنية والسياسية مشرفة في عمر هذا الوطن، وستظل شاهدة على شجاعته وحكمته. من يبحث في سيرة الإمام ويقترب منه ويعمل معه يدرك جيدًا أنه أمام شخصية تدرس للأجيال في بناء القيم الأخلاقية والإنسانية فكم هاجمته وسائل إعلامية محلية ودولية وحاولت بكل ما تملك أن تضعف من شخصيته، ولكن كان فضيلته لا يشغل نفسه بقدر ما يشغل عقله من أجل ترسيخ "رسالة الأزهر الشريف" في نشر قيم السلام ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض. فمنذ ساعات قليلة كان إمامنا الفاضل يتحدى جماعات التطرف والإرهاب في أفريقيا "بوكو حرام" من نيجيريا وها هو اليوم يرسم خريطة حوار جديدة بين أكبر مؤسسات العالم الدينية "مشيخة الأزهر الشريف" بمصر و"الكنيسة الكاثوليكية" بالفاتيكان قاطعًا على نفسه العهد الذي وعد به في زيارته الأخيرة في ألمانيا بلقاء البابا فرانسيس والآن تحققت الزيارة التي كنا ننتظرها. خطوات وجولات شيخ الأزهر تؤتى ثمارها وينعها في وقت يحتاجه العالم أجمع وتتطلع له جميع الشعوب الغربية قبل العربية خصوصًا في شأن تحقيق السلام في العلاقات الدولية من جهة وأيضًا في الأمور الأخلاقية وتكوين الإنسان وتربيته من جهة أخرى. المتأمل لتلك الزيارة يعلم جيدا أنها أول زيارة لشيخ من شيوخ الأزهر إلى مقر الفاتيكان على الإطلاق والتي "تعدّ بهذا المفهوم سابقة تاريخية، ومهمة جدًا" رغم أن الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق ألتقى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارة الأخير إلى القاهرة في العام 2000 لكن أيًا من شيوخ الأزهر لم يقم بزيارة رسمية إلى الفاتيكان للقاء البابا. وهذا دليل قوى على أن هذه الزيارة التاريخية تُمثل أهمية كبرى على أكثر من مستوى فهي تجسد مقاربة جديدة للحوار بين المسلمين والمسيحيين خاصة وأن شيخ الأزهر الشريف له رمزية في العالم الإسلامي أجمع تعادل رمزية البابا في العالم المسيحي، وهو يتمتع بمرجعية لها ثقل كبير جدًا والقدرة على توجيه الخطاب العالمي الإسلامي. أقول: "والله على ما أقول شهيد" إن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يومًا بعد يوم، ولحظة تلو الأخرى يثبت للعالم أجمع أن إسلامنا الحنيف دين مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوي لا ينفصم؛ فالمسلمون يؤمنون بأن كلًا من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدًى ونور للناس، وأن اللاحق منها مُصدِّق للسابق، وأن الإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأيِّ دين آخر، وأن الأزهر الشريف ما زال بخير، وأنه يقوم بواجب وقته، منذ 1000 عام من الزمان، وإلى هذه اللحظة ما زال يطور، ولكن بقواعد علمية وطريقة تعمق أثره ومكانته.. حفظ الله إمامنا الأكبر ومستشاريه.. وللحديث بقية.