حينما كلف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة خلفًا للدكتور حازم الببلاوى - كانت مصر على صفيح ساخن، وقد خلف الأخير عدة حرائق كان أبرزها ثلاثة حرائق مشتعلة يكاد لهيبها يطال كل مصرى - إضراب النقل العام، وإضراب المحلة الكبرى، وإضراب الشهر العقارى، وقد كنت طرفًا فى إنهاء إضراب الشهر العقارى الذى استمر ثلاثة أسابيع متصلة خسرت فيها الخزانة العامة ما يقترب من 70 مليون جنيه يوميًا، ولأن هناك علاقة طيبة تجمعنى مع قيادات الشهر العقارى من ناحية وعلاقة صداقه قديمة مع المهندس محلب من ناحية أخرى، ما دفعنى لعرض فكرة التوسط لإنهاء الإضراب، وقد لاقت دعوتى قبولًا من الجميع ، وكان تشجيع الرجل محفزًا إيجابيًا، وكان يتصل من وقت لآخر ليطمئن على سير عملية التفاوض - رغم انشغاله بتشكيل الحكومة - حتى انتهى يوم تفاوض طويل بمكالمة مسموعة لقيادات الإضراب من المهندس إبراهيم محلب - قال فيها كلامًا بسيطًا لا تقعير ولا تجميل فيه، وعلى أثر المكالمة الودودة قرر المضربون إنهاء الإضراب تقديرًا للمهندس محلب وحبًا فى بلد يحتاج لجهد الجميع. وعلى نفس المنوال جرت مفاوضات أخرى برعاية الرجل ومتابعته مع قيادات النقل العام ما انتهى إلى إيقاف الإضراب بالكامل فى جميع الجراجات، وفى نفس التوقيت كانت المفاوضات جارية مع عمال المحلة الكبرى، وقد ذهب بنفسه إلى العمال، وقد أحسب أنه اقتحمهم وأنزل حالته وهالته الإنسانية على جموع العمال فى المحلة الكبرى، ولا ينسى حديثه الودود مع العمال مما كان له أبلغ الأثر فى إنهاء الإضراب فى غضون أيام عقب تكليفه بتشكيل الحكومة. هذه حرائق ثلاثة أطفأها الرجل بالإنسانية وطيب الخلق، ومعلوم للجميع أن الدولة لم تعط العمال ما كانوا يضربون بسببه، وقد سمعت أحد العمال وهو يقول إن تواضع المهندس محلب يجعله مستعدًا للتنازل عن مرتبه بالكامل لأنه رجل طيب القلب حسب كلام رجل بسيط، لم يعطه محلب شيئًا من مطالبه المشروعة، انتهت الإضرابات الكبرى دون خسائر، مما يؤكد على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»، هكذا تصرفت حكومة محلب مع الحرائق وما أكثرها فى ذلك الوقت. كانت سياسات المهندس محلب الذى كان البعض يتحدث عن كونه مهندسًا معماريًا تنفيذيًا، لا يفقه فى السياسة، تعتمد على إشاعة حالة من الحب وإزالة الخلافات والتعامل السريع مع بؤر التوتر فى أى مكان، وقد تبين من محصلة ما جرى فى هذه الفترة أنه مهندس سياسة على أعلى مستوى من الأداء السياسى الحرفى، وقد أحسب أن ما يقال به فى الأدبيات السياسية من وجوب تقليل عدد الخصوم بالقدر الذى يمنع الصراعات، هو أفضل الطرق للحكم الرشيد، وأتصور أن مرسى سعى بغباء سياسى منقطع النظير إلى زيادة عدد خصومه بالقدر الذى أتاح التخلص منه بسهولة ذلك لأن السياسى يضاعف عدد مؤيديه ويقلل من خصومه. ولعله من الأهمية التأكيد على أن حكومة المهندس شريف إسماعيل أنتجت سياسات أشعلت الحرائق وربما سكبت كميات مذهلة من الوقود على هذه الحرائق، ومن الواضح أن خلفيات الرجل ساعدت على ذلك باعتباره خريج وزارة البترول، وقد فعل الرجل ما بوسعه ظنًا منه أنه يطفئ الحرائق الأخيرة فى شارع الحرية، عبدالخالق ثروت سابقًا مع نقابة الصحفيين، وبدلًا من أن يسكب الماء ليطفئ حرائق غبية - فإذا به يسكب الوقود الوارد من خلفياته البترولية، وأتخيل الرجل فى مشهد الشيخ حسنى فى فيلم الكيت كات، حينما أصر الشيخ حسنى على قيادة الدراجة البخارية، رغم أنه كفيف البصر، وقد شاهدنا ما خلّفه الشيخ حسنى من حوادث أقلها بعثرة عربة الخضروات لسيدة مسكينة ومرمطة كل أهل الكيت كات، وهذا ما يفعله الشيخ شريف إسماعيل فى أزمة نقابة الصحفيين بشكل خاص، وفى مصر كلها بشكل عام، وربما يفعل كما سبّاك يجرى عملية جراحة فى قلب مريض، رجل خلفياته البترولية تضعه فى مصاف مشعلى الحرائق كما نيرون وهتلر. ليس هناك مستفيد من شق الصف الوطنى غير أعداء الوطن فى الداخل من بقايا الإخوان الذين يبعثون برسائل خبيثة عبر ميليشيات الإخوان الإلكترونية يقولون فيها للرئيس لا تقدم اعتذارًا وعلى الجانب الآخر يساهمون فى رفع سقف المطالب من خلال المزايدين من أنصارهم داخل الجماعة الصحفية. وقد ساهمت الحكومة بمجانية عجيبة فى تخفيض عدد مؤيدى الرئيس السيسى وتعمل بشكل دؤوب على تجريف ما تبقى من العلاقة الإيجابية بينه وبين الناس - علاقة الحب والعشم بين رجل حظى بشعبية جارفة وصعود سريع إلى قلوب الشعب المصرى، وكما هذه السرعة فى الصعود يجرى الآن اتخاذ سياسات من شأنها وضع هذه الشعبية على حافة الهاوية. الأزمة تنتهى بغير اعتذار الرئيس، كما يحرض المزايدون وربما بغير إقالة وزير الداخلية إذا حسنت النوايا. أزمة هذه الحكومة، أنها تفتقد لأى حس سياسى أو حتى غير سياسى. وقد وضعت الحكومة الجميع فى مأزق كبير، وأحدثت شرخًا داخل الجماعة الصحفية، فضلًا عن انقسامات أخرى داخل البيوت شبيهة بحالة الانقسام التى أنتجها محمد مرسى وجماعة الإخوان مما عجل برحيله. ويبقى الأمل فى فطنة الرئيس لضرورة تغيير الحكومة وليس إقالة وزير الداخلية.