أيام قليلة ويحتفل الرجل صاحب الشعر والذقن البيضاء، بعيد ميلاده ال75، ورغم كبر سنه، فإنه لم يمنع نفسه، من ممارسة حقه في المشاركة السياسية، فكما هو زعيم حركة النهضة التونسية، وتاريخه المليء بالأحداث والمواقف، فهذا وحده يمنع أي متابع لشأن الحركة من أن يخطر على باله بفصلها العمل الديني عن السياسي. ومن المفاجآت الغريبة التي أطلت علينا، هي دعوة الغنوشي إلى تحويل عمل جماعة الإخوان في تونس إلى حزب سياسي، والفصل العمل الدعوي عن السياسي، بقوله: "نحن بصدد التحول إلى حزب يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدنى ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب بما في ذلك النهضة". ولعل ما وصلت إليه جماعة الإخوان في مصر في الوقت الحالي، هي السبب الرئيسي الذي دعا الرجل إلى تفكيره إلى مثل هذه القرارات، ولعل أيضًا ما حدث معه قبل الثورة الشعبية التونسية في الرابع عشر من يناير 2011 والتي أسقطت نظام زين العابدين بن على، وعودته إلى تونس بعد 20 عامًا من المنفى، لتكون هذه الثورة سببًا في حصول حركة النهضة على الترخيص لتصبح حزبا قانونيا. ولد الغنوشي عام 1941 بقرية الحامة التابعة لولاية قابس بالجنوب التونسي، وتلقى تعليمه الابتدائي بالقرية، ثم انتقل إلى مدينة قابس، ثم إلى تونس العاصمة حيث أتم تعليمه في جامع الزيتونة، وبعدها انتقل بعد ذلك إلى مصر لمواصلة دراسته، خصوصًا وأنه كان من المعجبين بتجربة القومية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكنه لم يستقر بها طويلًا، وانتقل إلى دمشق في سوريا حيث درس بالجامعة، وحصل على الإجازة في الفلسفة، وهناك بدأت تتبلور المعالم الأولى لفكره الإسلامي. بعدها طار إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون، وبموازاة ذلك بدأ نشاطه وسط الطلبة العرب والمسلمين، كما تعرف على جماعة الدعوة والتبليغ، ونشط معها في أوساط العمال المغاربة، وفي نهاية الستينيات عاد إلى تونس وبدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي المعروفة بالنهضة. وفي سبعينيات القرن الماضي، عارض الغنوشي التوجه العلماني لنظام بورقيبة فأطلق خطبًا دعا فيها إلى تطبيق النموذج الإسلامي، ثم أسس مع بعض رفاقه مطلع 1981 حركة الاتجاه الإسلامي التي تحولت لاحقا إلى حركة النهضة. بدأ الغنوشي يثير قلق السلطة واتهم بتأجيج اضطرابات، فحكم عليه بالسجن أول مرة 11 عاما نهاية 1981، ثم بالأشغال الشاقة المؤبدة مطلع 1987. ومن المفارقات أن زين الدين بن على عندما تولى السلطة عام 1987 أنقذه، وعفا عنه عام 1988 في أجواء من الانفراج السياسي تلت التغيير الذي حصل في رأس النظام، وأصبح للحركة صحيفة الفجر التي كان يديرها حمادي الجبالي، الأمين العام الحالي لحزب حركة النهضة، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بتونس مع قيادات أخرى بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر" ضد رئيس الدولة، وحوكم الغنوشي بسبب نشاطه الدعوي والسياسي عدة مرات، وكان أهمها: عام 1981 وقد حكم عليه بالسجن 11 عاما، وعام 1987 وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة، ومحاكمته غيابيا عام 1991 مرة أخرى بالسجن مدى الحياة، ومحاكمته غيابيا عام 1998 بنفس الحكم السابق. وعن مواقفه المتطرفة، فلديه الكثير من المواقف المناهضة لثورة 30 يونيو 2013 لعل أبرزها وصفه لفض اعتصام رابعة بأنه يمثل ذكرى أليمة ونقطة سوداء في تاريخ مصر، ووصفه للمعزول محمد مرسي ب"الرئيس المنتخب الوحيد في العالم"، كما أنه حاول كثيرًا عقد مصالحات بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان، ولكنه فشل أكثر من مرة.