فقد الإعلام المصرى أمس قامة كبيرة من القامات التي أثرت الحياة الإعلامية ثراء كبيرا من خلال أعماله المتميزة وخبراته الكبيرة، حيث رحل الإعلامي القدير أمين بسيونى، والذي تولى رئاسة الإذاعة المصرية في الفترة من مارس 1988 وحتى نوفمبر 1991، قبل أن يصبح رئيسا لمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون في نوفمبر 1991 وحتى ديسمبر 1996، وأثرى خلالها الإعلام المصرى بالعديد من الأعمال المتميزة إضافة إلى رؤيته الإعلامية الثاقبة. بدأ أمين بسيونى حياته العملية فور تخرجه من كلية الأداب قسم انجليزى عام 1955، والتحق بالعمل في الإذاعة المصرية كمذيع في إذاعة "صوت العرب"، وقدم العديد من البرامج السياسية والاجتماعية والمنوعات، إضافة إلى بعض البرامج الثقافية والتنويرية، كما كان له الفضل في إطلاق أول قناة مصرية رسمية فضائية وهى "الفضائية المصرية"، والتي وضع نواتها الأولى وأعلن يومها أن العصر القادم هو عصر السماوات المفتوحة، كما شارك في وضع حجر الأساس لمدينة الإنتاج الإعلامي والمنطقة الإعلامية الحرة، ثم تولى رئاسة شركة الأقمار الصناعية "نايل سات"، وشهدت في عصره انتشارا ونجاحا كبيرا في الوطن العربى والشرق الأوسط. لم يكن بسيونى قيادة إعلامية تقليدية كغيره، بل كان يفضل دائما الإنفتاح الإعلامي ويواكب التطور التكنولوجى في الإعلام، وهو ما جعله يصطدم كثيرا بالعقول البالية التي ظلت لسنوات طويلة قابعة على قمة الهرم الإعلامي في مصر، وخاض حروبا شرسة بحكم مواقعه في الإعلام الرسمى من أجل التطويثر ومواكبة إعلام الحديث في العالم بأكمله. كانت له آراء خاصة جدا ومخالفة للمفاهيم المتداولة في الإعلام المصرى منذ الستينات، ومن أهم آرائه هو أن القنوات أصبحت تسعى لكسب ود المتلقى "المشاهد" وتملقه وإغرائه بكل السبل من أجل جذب المشاهدة، وهو ما يعتبره بسيونى مفسدة للمجتمع، حيث يختلف الإعلامي القدير في نظرته للإعلام عن هذا المفهوم، وكان يرى أن الدور الحقيقى للإعلام ليس ارضاء المشاهد عن طريق الإثارة وطرح القضايا المثيرة للجدل، ولكن هدفه الأول الإصلاح والتنوير والمشاركة في بناء مواطن سوى. كما كان يعتبر بسيونى أن الحكومات في العالم بأكمله لا تمتلك قدرة السيطرة على الإعلام، معتبرا أن الإعلام بجميع وسائله تخطى كل الحدود خاصة بعد دخول وسائل تكنولوجية حديثة. ومن أبرز تصريحاته التي أثارت جدلا واسعا أن الحكومات لا يمكنها فرض أي سيطرة على وسائل الإعلام، ومن يدعى ذلك يحاول كسب أرضية سياسية فقط، خاصة أنه كان يعتبر وجود أي رقابة على الإعلام ليس لها داع مطلقا، لأن من يعمل في الإعلام يجب أن تتوفر لدية رقابة ذاتية وداخلية، نابعة من مفهومه للمهنة ودورها، وكان بسيونى دائم الانتقاد لما يقدمه بعض الإعلاميين من اثارة وفتح ملفات مثيرة للجدل من أجل رفع نسب المشاهدة، ووصف القنوات التي تفعل ذلك بالدكاكين، وإعلاميوها حولوا المنابر الإعلامية ورسالتها إلى التسول.