«ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه، فكيف ورجالنا على هذا الاستبداد يأملون إصلاح الأمة، وتربية أبنائها على حب الاستقلال والدستور، أما والله لو أرانا رجالنا عناية واحتراما لكنا لهم كما يحبون، فما نحن إلا مرآة تنعكس علينا صورهم، ولنا قلوب تشعر كما يشعرون، فإن أردوا إصلاحنا فليصلحوا من أنفسهم وإلا فلينظروا ماذا هم فاعلون».. بهذه الكلمات تتوجه «ملك حفنى ناصف» إلى الرجل فتطلب منه أن يتجنب الطمع، وظلم المرأة، والازدراء بها، لأن طمع الرجل حفرة لا نهاية لها، وظلمه للمرأة استبداد لا يطاق، وازدراؤه لها حقارة. وتقول باحثة البادية، وهو اللقب الذى عرفت به: «إن الدين لم يسمح بتعدد الزوجات وبالطلاق هكذا من غير شرط كما يفعل الآن رجالنا، وإنما جعل لهما شروطا وقيودا لو اتبعت لما وجدنا النساء البائسات، واعتاد مؤرخو فترة النهضة المصرية التى تلت إرسال البعثات التعليمية إلى الخارج، والتى عرفت بالفترة الليبرالية أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الحديث عن أسماء بعينها من أول عباس العقاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، وعبد القادر المازني، ومحمد حسين هيكل، وأحمد لطفى السيد، متجاهلين عن عمد ذكر النماذج النسائية ممن شاركن فى التأسيس لنهضة فكرية وأدبية فى مصر، أمثال سيزا النبراوي، درية شفيق، إستر فانوس، أمينة السعيد، حكمت أبو زيد، سهير القلماوي، صفية زغلول، عائشة راتب، عائشة عبد الرحمن، فوزية عبد الستار، مفيدة عبد الرحمن، نبوية موسى»، وبطلتنا اليوم «ملك حفنى ناصف». ولدت ملك فى حى الجمالية 25 ديسمبر 1886، والدها الشاعر القاضى «حفنى ناصف»، واحد من أركان النهضة الأدبية فى مصر، وممن أرسوا دعائمها على هدى من تراث الإسلام وثقافة العرب، عمل بالقضاء ونبغ فيه، وأسهم فى إنشاء الجامعة الأهلية التى أصبحت بعد ذلك جامعة القاهرة، حصلت ملك على الشهادة الابتدائية سنة 1900م، لتكون أول سنة تقدمت فيها الفتيات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة، وكانت ملك أول فتاة مصرية نالت هذه الشهادة، ثم انتقلت إلى القسم العالى بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها، فما كان من وزارة التعليم إلا أن عينتها معلمة ممتازة، وحصلت على شهادتها العالية ثم اشتغلت بالتعليم فى مدارس البنات الأميرية. اتجهت «باحثة البادية» مبكرا إلى الإصلاح الاجتماعي، وخصّت المرأة بمجهوداتها الفكرية والعملية، فكانت تدور على منازل صديقاتها ومعارفها لتقنعهن بإرسال بناتهن إلى المدرسة السنية التى تعمل بها، فدخلها كثيرات ممن كان آباؤهن يفضلون قعودهن فى البيت.