رغم أن الله - سبحانه وتعالي - حرم رذيلة السرقة في كافة الأديان، وفرض عقوبات علي مرتكبيها، منها مثلا قطع اليد، أو اليدين، ورغم أن الأحاديث الشريفة لسيدنا محمد نهت عنها، ورغم أن القوانين في كل أنحاء الدنيا، وعلي مدي التاريخ عموما، تكدست بنصوص تعاقب علي من ارتكب فعل السرقة، ناهيك عن العار الذي يلحق بالسارق في نظر المجتمع كله، إلا أن كل ذلك لا يوقف سيل السرقات العاتي، وإذا كانت السرقات كثيرة في ميادين التجارة والصناعة والزراعة، ولكن نقرأ يومياً عن هذه الجرائم، إلا أن الأمر يتجاوز التجارة والصناعة والطب والزراعة وماغيره إلي سرقة الجهود الأدبية والفكرية والإبداعية والثقافية، ولم تقتصر هذه الرذيلة علي كتاب من الدرجة الثالثة أو الرابعة، أو كتاب الظل، بل تجاوزتهم لتشمل الأكاديميين، الذين نأمنهم علي ترشيد وتهذيب وتعليم أبنائنا، والصدفة المحضة هي التي قادتني لاكتشاف هذه الواقعة، ففي أمسية هادئة كنت أشاهد اعلانا تليفزيونيا عن مجلة »الاذاعة والتليفزيون« وجاء في الاعلان أن المجلة سيصحبها كتاب عن الأديبة المغفور لها »ملك حفني ناصف« الملقبة بباحثة البادية، والتي لها انتاج متميز في مطلع القرن العشرين، بل انتاج رائد وغزير أيضا، رغم أنها لم تعش سوي اثنين وثلاثين عاما، وعاشت حياة إلي حد ما مغلقة، ولكنها تجاوزت أسوار هذه الحياة، ولم يكبلها الزواج المبكر، وكتبت واشتهرت وخطبت، وردت علي أعلام عصرها، وشاركت في مؤتمرات مرموقة، وأسست لكيانات نسائية مناضلة ومناهضة لأوضاع رجعية، وذهبت فرحا وأحضرت المجلة، ومعها الكتاب، وعنوانه: »ملك حفني ناصف.. باحثة البادية« للدكتورة إيمان عامر، واشترك في اصدار الكتاب: »المجلس القومي للشباب، في إطار القراءة للجميع، وصدر مع مجلة الاذاعة والتليفزيون وقدم له الدكتور محمد صفي الدين خربوش، رئيس المجلس القومي للشباب. وعندمابدأت القراءة في الكتاب اكتشفت أن سطوا ما في بعض مادته، فاستعدت الكتاب الذي أصدرته وزارة الثقافة المصرية، عام 2691 تحت عنوان: (آثار باحثة البادية.. ملك حفني ناصف).. وجمعه وبوبه مجدالدين حفني ناصف، شقيقها، وتقديم ودراسة الدكتورة سهير القلماوي، وأخذت أضاهي بين ما جاء به الكتاب الجديد، وبين دراستي سهير القلماوي ومجدالدين حفني ناصف، ويا هول ما اكتشفت، هناك نقل كامل، أي نقل مسطرة كما يقولون، ولم تحترم الأستاذة الجامعية حرمة الراحلين، فراحت تنقل، وتختصر، وتشوه، دون هوادة، ولم تبذل - حتي - جهدا في إعادة انتاج ما تنقل منه، بل أخذته كما هو، دون - أيضا - أن تنوه عن أي مرجع أو كتاب، ولم أجد أي هامش يدلني علي مصادر السيدة الدكتورة، ففي مستهل الكتاب تبدأ الباحثة بفقرة »الميلاد« التي تقول: (في بيت متواضع من بيوت الطبقة الوسطي من الموظفين البسطاء، وفي يوم 52 ديسمبر سنة 6881 كانت زوجة شابة تعاني آلام الوضع).. ويستمر الباحث في النقل، ثتم تتلوها بفقرة تحت عنوان: (حلم التعليم)، فتقول: (وفي البيت الموفق السعيد عاش الأب مع زوجة وأبنائه بنات وبنين في وئام وسعادة) - هذه الفقرات المطولة، والتي تمتد لصفحات وصفحات، مأخوذة عن دراسة الدكتورة سهير القلماوي، ثم فجأة نجد الدكتورة توصل هذه الفقرات بفقرات أخري من تقديم مجدالدين حفني ناصف، أي أن الأستاذة المحترمة أخذت البحثين وضربتهما في خلاطها، وأنتجت لنا مزيجا مشوها ومزيفا، تعتقد أنها بذلك ضللتنا، ولن نستطيع أن نكتشف أصلاً من الخليط السام، وللأمانة فإن الدكتورة إيمان! والتي يوحي اسمها بروحانيات لطيفة، تصرفت في بعض النقل، فغيرت بعض الجمل، واضطرت أن تجري بعض عبارات للوصل، ففي صفحة 32 تقول: (وفي هذه السنوات سنوات النشاط والعمل، لم تكتف ملك بالرسائل والخطب والمؤتمرات، وأنما كونت حزبا نسائيا للرقي بشئون المرأة اسمه »الاتحاد النسائي التهذيبي«.. وعندما نعود للأصل سنجد العبارة الاستهلالية هكذا: (وفي هذه السنوات، سنوات الثأر المقدسة، لم تكتف ملك بالرسائل والخطب.. الخ).. ونحن هنا لا نشير إلا إلي بدايات الصفحات، لكن النقل يمتد لصفحات تشمل صفحات الكتاب كله، ولا يوجد مجهود للباحثة سوي النقل، أما في فصل تحت عنوان: (مشاركة ملك في المؤتمرات) تتصرف الدكتورة في الاجتزاء بطريقة غير لائقة.. فعندما تقرأ في الكتاب الأصل، فصلا تحت عنوان: (أول من مثلت النساء في مؤتمر) وتقرأ في مستهل هذا الفصل، ما كتبه مجدالدين حفني ناصف موثقا وقائلا: (في سنة 1191 عقد بدار سينما روكسي الشتوية بمصر الجديدة، المؤتمر المصري الأول برئاسة صاحب الدولة رياض باشا، وحضور الممثلين الحقيقين لجميع أنحاء القطر المصري، لبحث شتي الاصلاحات التي يجدر بالأمة والحكومة انتهاجها، وكان هذا - في واقع الأمر - أول برلمان مصري يمثل الأمة تمثيلا حقيقيا). سنجد أن الباحثة حذفت التمهيد الضروري الذي أتت به ناصف، وتكتفي هي باستهلال فصلها ب:(وكان هذا المؤتمر في واقع الأمر.. الخ) ولا يعرف القاريء أي مؤتمر هذا الذي تتحدث عنه، وهنا أنوه بفطنة الدكتورة التي ساعدتها علي التمويه، ولكن جاء هذا علي حساب السياق المنطقي في الأصل، وللأمانة فالدكتورة أرادت أن تترك فكرة الالتزام الكامل بفضيلة النقل الكامل المتتابع، فحاولت أن تفبرك، فراحت تنقل من صفحات متابعة في الكتاب الأصل، فنجد أنها تأخذ من صفحة 35، وتصلها بصفحات 421، 521، 621، 721، ثم تعود الي صفحة 02، 12، 22، 32، 42، وهكذا، أي أنها مزقت البحثين أشد التمزيق، لتخرج لنا بهذا المسخ العجيب المشوه، والذي يصدر في كتاب أنيق، وتتباري عدة جهات لتلصق شعار ما عليه، ويقدم له رئيس المجلس القومي للشباب..
والباحثة لم تستعن في مسخها هذا بأي مصادر أخري، سوي هذا المصدر، رغم أن الكاتبة والأديبة »مي زيادة« أصدرت كتابا رائعا عن »ملك«، وكان من الممكن أن يفيدنا ويفيدها، لكن الدكتورة آثرت الاختصار، ولا تشتت مسخها هذا، و أرادت أن تعبث في الأصل بحرية كاملة، وتعيد أشكال الوصل والربط بتصرف كامل ففي صفحة 75 من المسخ، وتحت عنوان: (تصحيح صورة المرأة المصرية).. وهو في الأصل: (الدعاية للمرأة العربية).. نجد أن الدكتورة أجرت دمجا لا يليق بسياق البحث، ففي الأصل يقول مجد ناصف: (كانت ملك لا تنفك تسعي لرفعة شأن المرأة العربية واعلاء ذكرها بين الأمصار): كانت تراسل أميرة (بهوبال) المسلمة بالهند وتقدم لها المشاريع لرفع مستوي المرأة هناك.. الخ.. وراح مجد يعدد نشاط (ملك)، ويقسمه بأرقام، نجد الباحثة تحذف الترقيم، وتدمجه تماما، ثم أنها لم تدرك مغزي وأهمية العنوان الأصلي، فوضعت عنوانا آخر غير دال، وناقص، فالواضح من عنوان ناصف أنه عنوان شمولي عن كفاح ملك في مجال نضال المرأة العربية، أما أستاذتنا أرادت أن تجدد فوضعت هذا العنوان القاصر والمضلل.. ولا أريد هنا أن أتقصي صفحات الكتاب كاملة، ولكن أهتف في وجه المسئولين، ونحن في هذا الشهر الفضيل، رمضان المبارك: أرجوكم اختاروا باحثيكم بعناية، وأهمس في أذن الأستاذة: »السرقة حرام يا دكتورة«. الكتاب: ملك حفني ناصف المؤلف: د. إيمان عامر الناشر: مجلة الإذاعة والتليفزيون