شاعرة مصرية نصبت نفسها للدفاع عن حقوق المرأة وهي كريمة "حفني ناصف" أحدرواد النهضة الادبية الحديثة في مصر، وزوجة الزعيم البدوي "عبد الستار الباسل" والتي وصفها "لطفي السيد" أستاذ الجيل بأنها في دعوتها الي الاصلاح اتبعت سبيلاً معتدلاً في حدود الشرع والتي تتمثل في خطة جماعة الشيخ محمد عبده الاصلاحية. ولدت ملك حفني ناصف في حي الجمالية بالقاهرة عام 1886 وبعد أن تلقت تعليمها الابتدائي في عدة مدارس ابتدائية حصلت في عام 1900 علي شهادة الدراسة الابتدائية وهي أول سنة سمح فيها للبنات بأن يتقدمن لامتحان الشهادة المذكورة وكانت الاولي علي زميلاتها، ثم دخلت المدرسة السنية للمعلمات وحصلت علي الدبلوم عام 1903 واشتغلت بعد ذلك بتعليم البنات في المدارس الحكومية، وفي عام 1907 تزوجها "عبد الستار الباسل بك" وهو من اسرة ذات نفوذ ومجد عربي قديم، وقد اخفي عنها حتي ما بعد زفافها ان لديه زوجة وابنة، وطلب منها ان تكون معلمة ابنته وقد صانت "ملك" الزيجة غير راغبة في تعريض اسرتها لفضيحة واتخذت من هذا الزواج اسمها المستعار باحثة البادية، وقد ساعد الحس الديني لديها علي ان تتجنب الانزلاق في خصومة مع الجنس الآخر وهي تنادي بحرية المرأة كذلك ساعدها التوجه الوطني علي الانحياز لقضايا الوطن، وقد ورثت هذا التوجه عن والدها "حفني ناصف" الذي كان مؤيدا لسعد زغلول، وسرعان ما اصبحت رائدة للحركة النسائية فكتبت في الصحف المصرية والتركية والانجليزية والفرنسية والألمانية عن حقوق المرأة وتعليم البنات، ومضار تعدد الزوجات، وقد جمعت مقالاتها في جريدة "الجريدة" في كتاب بعنوان "النسائيات" والذي نشر الجزء الأول منه في عام 1910 وكتبت أيضا شعراً بالعربية، وهكذا تأثرت "ملك" بالحركة الفكرية التي ظهرت في مطلع القرن العشرين والتي قادها محمد عبده، ولطفي السيد، وقاسم امين، وسعد زغلول، وكانت المرأة المصرية الوحيدة التي تقدم قائمة بمطالب المرأة الي المؤتمر المصري 1911، والي جانب ذلك فقد نظمت مدرسة في القاهرة لتدريب النساء علي العمل كممرضات، كما ساهمت في تأسيس "الجمعية الادبية لتقدم النساء المصريات" وعندما اعتدت ايطاليا علي ليبيا في عام 1911 شكت جمعية قريبة الشبه بالهلال الأحمر قامت بارسال المعونات من ملابس وأغطية وادوية واعانات مالية الي ضحايا العدوان الايطالي، وحول برنامج باحثة البادية لاصلاح احوال النساء فقد تركز في لائحة قدمتها من عشر نقاط في اول محاضرة لها بالجامعة المصرية وهي: 1- تعليم البنات الدين الصحيح تبعاً لتعاليم القرآن والسنة الصحيحة. 2- جعل التعليم الابتدائي اجباريا للبنات. 3- تخصيص عدد من البنات لتعلم الطب. 4- تعليم البنات التدبير المنزلي وتربية الاطفال والاسعافات الاولية وقوانين الصحة. 5- حرية البنات في اختيار العلوم الراقية. 6- تعويد البنات علي الصدق والجد في العمل والصبر وغير ذلك من الفضائل. 7- اتباع الطرق الشرعية في اتباع الخطبة فلا يتزوج اثنان قبل ان يجتمعا في حضور محرم. 8- ارتداء الحجاب مع عدم تغطية الوجه والكفين والقدمين. 9- ضرورة المحافظة علي الوطن. 10- الاستغناءعن الغرب بقدر الامكان. هذا هو صوت باحثة البادية منذ حوالي مائة عام، تدعو بنات جنسها الي الحرص علي السلوك الديني والوطني والتعليمي بنبرة هادئة يسودها المنطق والتقاليد والعقل واجدر بالحركة النسوية الحاضرة ان تتابع هذا المنهج الذي ارسته بعد ان حصلت علي العديد من الامتيازات التي كانت لا تحلم بها، والتي وصلت المرأة من خلالها الي أعلي المناصب مثل الرجل. وعلي اي حال فقد عاشت ملك حفني ناصف في كنف زوجها دون ان تنجب، وكان زوجها قد انجب من زوجة سابقة له، واخذ الجميع يتحدثون عن عدم انجابها بأسلوب أذي مشاعرها، وفوجئت اخيراً بأن زوجها بعد ان انجب من زوجته السابقة اصيب بما أفقده الانجاب وجاءت فحوص الاطباء أن "ملك" سليمة تماما، وليس بها ما يعوقها عن الانجاب، وان العيب في زوجها وليس فيها، فأصيبت باكتئاب شديد ظل ممسكا بها حتي توفيت في 17 اكتوبر 1918 واقيم حفل لتأبينها حضره وزير المعارف وأهل الرأي في مصر، كما قامت هدي شعراوي بتأبينها في سلسلة من المقالات الصحفية.