مع اقتراب إعلان الفائز النهائى بجائزة البوكر الذي سيحظى بمبلغ خمسين ألف دولار، إضافة إلى عشرة آلاف دولار أخرى لتكون قيمة الجائزة ستين ألف دولار، يبدأ الجميع في ترقب من سيفوز هذا العام بالجائزة التي تنتظرها الأوساط الثقافية العربية، رغم الجدل المثار حولها كل عام بسبب معاييرها غير المفهومة للجميع؛ حيث تختار أعمالًا أقل كثيرًا من القيمة الفنية والإبداعية التي تكون عليها الأعمال الأخرى المتنافسة معها، كما تخرج العديد من الروايات الجيدة والمتماسكة فنيًا من قوائمها بينما تظل أعمال أخرى ضعيفة جدًا من الناحية الفنية والأسلوبية. ترتسم كل عام العديد من علامات الاستفهام أمام نتائج لجان التحكيم في جائزة البوكر، كما أن اختيار المحكمين أنفسهم يشوبه الكثير من الاعتراض من الكتاب؛ بسبب اختيار أشخاص لا علاقة لهم بالسرد، أو غير متخصصين في الرواية، في حين أن هناك رأيًا آخر يقول إن اللجنة لا بد أن يكون فيها جميع التخصصات منهم المؤرخ، والناقد الأدبى والسياسي وغيرهم، باعتبار أن فن الرواية هو فن شعبى لا بد من الحكم عليه من خلال جميع التيارات، كى يكون الحكم أكثر مصداقية. في الأعوام السابقة رأينا العديد من الروايات الضعيفة فنيًا، تتنافس مع غيرها من الروايات التي تتسم بالمستوى الفنى القوى، إلا أن المفاجأة كانت في خروج الروايات الأفضل من القوائم الطويلة لتصل إلى القائمة القصيرة روايات لا يمكن لها أن تصل إلى هذا المستوى مثل دورة 2014، حيث وصلت رواية «الفيل الأزرق» لأحمد مراد إلى القائمة القصيرة، رغم ضعف مستواها الفنى وعدم نضجها، أو عدم قدرتها على التنافس مع غيرها من الروايات التي كانت في القائمة الطويلة، كذلك الأمر في نفس العام بالنسبة لرواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» للروائى السورى خالد خليفة، في حين أن هاتين الروايتين كانتا تتنافسان مع روايات أخرى أكثر فنية ونضجًا منهما مثل «منافى الرب» للروائى المصرى أشرف الخمايسى، و«شرفة الهاوية» للروائى الفلسطينى إبراهيم نصرالله، ورواية «طشارى» للروائية العراقية إنعام كجة جى، ففى الوقت الذي خرجت فيه الروايتان الأولىان من القائمة القصيرة بقيت رواية «طشارى» في القائمة القصيرة جنبًا إلى جنب مع «الفيل الأزرق»، و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، وهو أمر مثير للدهشة، للتباين الكبير بين مستوى الأعمال التي وصلت إلى القائمة القصيرة. هذا الأمر تكرر في أكثر من مناسبة على مدى الأعوام التسعة الماضية وهو عمر الجائزة حتى اليوم، ومنها وصول رواية «مولانا» للصحفى إبراهيم عيسى إلى القائمة القصيرة في عام 2013، وهو الأمر الذي أثار الدهشة كثيرًا لضعف مستوى رواية عيسى كثيرًا بالمقارنة مع العديد من الروايات التي تنافست معه منها «حدائق الرئيس» للروائى العراقى محسن الرملى، و«حادى التيوس» للروائى الجزائرى أمين الزاوى، و«رجوع الشيخ» للروائى المصرى محمد عبدالنبى. هذه النتائج المربكة للتوقعات كل عام، تدفع عددًا لا بأس به من الروائيين العرب للتساؤل عن المعايير الحقيقية التي تتحكم في لجان التحكيم في هذه الجائزة، التي تكاد تكون أهم الجوائز العربية المخصصة للفن الروائى وأكثرها قيمة من الناحية المادية، قبل دخول جائزة «كتارا» إلى مجال التنافس في الجوائز الأدبية. وصلت هذا العام إلى الجائزة القصيرة العديد من الروايات المهمة منها «نوميديا» للمغربى طارق بكارى، و«عطارد» للمصرى محمد ربيع، و«مديح لنساء العائلة» للفلسطينى محمود شقير، و«سماء قريبة من بيتنا» للسورية شهلا العجيلى، و«مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة» للفلسطينى ربعى المدهون، و«حارس الموتى» للبنانى جورج يرق، وهى أعمال تكاد تكون معظمها جيدة من الناحية الفنية، ولكن ربما تفاجئنا البوكر كما هو معتاد باختيار أقل الأعمال جودة من حيث المستوى الفنى، لتتوج كأفضل عمل من هذه الأعمال؛ الأمر الذي يجعلنا دائمًا في حالة تساؤل: ما المعايير التي على أساسها يتم الاختيار من خلال هذه اللجان التي دائمًا ما تكسر أفق التوقع في الأعمال الفائزة، وكثيرًا ما تختار أعمالًا ضعيفة من حيث مستواها الفنى بالمقارنة مع غيرها من الروايات المتنافسة معها؟