ما إن تفاقمت أزمة الدولار في السوق حتى راح الجهاز المصرفي يضع ضوابط على عمليات إيداع وسحب العملة الأجنبية في البنوك، وقصر عمليات التمويل على استيراد السلع الأساسية بهدف تقليص استيراد السلع الترفيهية والتي لها بديل محلي، في محاولة لخفض الضغط على الجنيه. وسط ضجيج الأزمة تناسى الجهاز المصرفي قطاع التأمين رغم أنه من أهم القطاعات غير المصرفية التي ترتبط بشكل مباشر بالاقتصاد، ما تسبب في أزمة حادة لشركات التأمين التي وجدت نفسها مطالبة بسداد التزاماتها تجاه "معيدي التأمين" بالدولار وهي لا تجده في السوق الرسمية وقفز سعره بشكل مبالغ فيه في السوق غير الرسمية. عن تفاصيل الأزمة تحدث هشام عبدالشكور، رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية للتأمين التكافلي "حياة" قائلا: إن شركات التأمين في مصر عندها التزامات تجاه الشركات الأجنبية التي تقتسم معها مخاطر وثائق التأمين، وكل شركات إعادة التأمين التي نتعامل معها في مصر أجنبية ولا توجد شركة مصرية واحدة في مجال "إعادة التأمين". وأضاف عبدالشكور: إن البنك المركزي أسقط من حساباته عند اتخاذ تدابير الحفاظ على الجنيه قطاع التأمين، وعندما طالبنا البنوك بتوفير عملة صعبة ردت: إن التأمين لا يوجد ضمن قائمة أولويات الدولة مثل "السلع الغذائية والأدوية ومنتجات البناء وغيرها". وأشار عبدالشكور إلى أنه منذ ما يقرب من ثلاثة شهور امتنعت البنوك عن تحويل المبالغ المطلوبة لسداد أقساط "معيدي التأمين" وقالت "معندناش فلوس". وأضاف: الكارثة أنه إذا لم تسدد شركة التأمين أقساط إعادة التأمين من حق معيدي التأمين الامتناع عن سداد التعويض في حال حدوث كارثة أو المطالبة بالتعويض في حالة حدوث وفاة أو حريق، فإذا لم تحل أزمة الدولار سريعًا لشركات التأمين ستصاب سوق التأمين بالشلل إلا عدد محدود جدًا من شركات التأمين التي تمتلك عملة صعبة. الأخطر في الأمر وفق ما يشرح رئيس مجلس إدارة شركة "حياة" أن هذه الأزمة تهدد سمعة التأمين في مصر، وتهدد بانهيار عدد كبير من شركات التأمين بالخراب والإغلاق. وأضاف عبدالشكور أن معيدي التأمين يتحملون النسبة الأكبر من المخاطر، فإذا كان التأمين المطلوب في حالة حدوث كارثة 10 ملايين جنيه، فإن شركة التأمين تتحمل 500 ألف جنيه وشركات إعادة التأمين تتحمل 9 ملايين ونصف المليون بمعنى أن 5% تتحملها شركة التأمين و95% تتحملها شركات إعادة التأمين. ولفت عبدالشكور إلى أن شركات التأمين لا تستطيع التعامل مع شركات الصرافة أو الحصول على العملة الصعبة من السوق السوداء لسببين، الأول أنها لا تستطيع إثبات هذه المبالغ فى دفاتر الشركة، لأنه لا توجد فواتير من شركات الصرافة بسعر السوق السوداء، والفواتير تصدر بالسعر الرسمي، إذن من يتحمل الفارق؟ السبب الثاني أن البنك له حد أقصي لا يكفى هذا في حالة أن تم تحويل المبلغ. وقال دكتور طارق حجازي، مدير عام وعضو مجلس إدارة شركة "فيوتشر" للوساطة التأمينية: إن ارتفاع الدولار تأثيره سلبي على شركات التأمين، مشيرًا إلى أن عملية التأمين تنقسم إلى عدة مجالات هي "الإصدار، والتعويضات، وإعادة التأمين، والاستثمار"، فإذا نظرنا إلى التأمين على قطاع السيارات والتأمين البحري على سبيل المثال سنجد أن من ناحية الإصدار أن سوق السيارات في مصر سترتفع أسعارها بسبب ارتفاع الدولار وبالتالي نسبة التأمين سترتفع ما يؤدي إلى انخفاض عدد المؤمنين على السيارات وانخفاض عدد "بوانص التأمين"، بالإضافة إلى السيارات المؤمن عليها، فكل قطع غيار السيارات يتم استيرادها من الخارج، وبالفعل سترتفع أسعارها بسبب ارتفاع الدولار، ففي حالة الحوادث شركات التأمين ملزمة بدفع التعويض المناسب للعميل، ونحن سنتحمل فارق الأسعار دون إضافته على العميل ما سيتسبب في خسائر كبيرة للشركات. وأضاف حجازي حول تعاقدات شركات التأمين مع معيدي التأمين أن بعد زيادة الدولار متوقع أن معيدي التأمين تضيف في التعاقدات الجديدة شروطًا جديدة قد تكون "مجحفة" لشركات التأمين خاصة الجديدة منها في السوق المصرية لتضع حدًا للمخاطر التي قد تتعرض لها بسبب عدم استقرار الجنيه المصري، أما بالنسبة للعقود السارية فمتوقع أيضًا، بالإضافة شروط جديدة قد تكون مرهقة للوضع الحالي للشركات داخل السوق المصرية، وأكد حجازي أن الوضع الحالي سيؤثر أيضًا على الاستثمار، وتوقع أنه سيكون هناك إعادة تقييم على شركات التأمين لأنه نظريًا سترتفع حجم الاستثمار فيها بسبب ارتفاع الدولار أمام الجنيه ولكن فعليًا الزيادة ليست حقيقية. وقال عبدالرءوف قطب، رئيس الاتحاد المصري للتأمين: إن قطاع التأمين يواجه أزمة كبيرة مع الدولة والبنوك التي يتعامل معها لم يشهدها من قبل. وأضاف قطب أن هناك عددًا كبيرًا من شركات التأمين قدمت شكاوى للاتحاد ليرفعها بدوره إلى دكتور شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية بصفته عضو مجلس إدارة في البنك المركزي لكي نحاول الضغط على البنوك لتحويل العملة المطلوبة للشركات لحماية الشركات من العواقب التي قد تحدث نتيجة عدم السداد. وطالب قطب بضرورة وضع آلية مستقلة لشركات التأمين مع بعضها، هذه الآلية يضعها البنك المركزي مع الاتحاد العام للتأمين المصري حتى لا تدخل في قطاعات أخرى مثل "الأدوية والسلع الغذائية.. وغيرهما". وأكد قطب أنه لا بد من إحياء شركة إعادة التأمين المصرية التي تحدثنا عنها مرارًا وتكرارًا منذ أكثر من عامين بإجمالي حجم استثمار 200 مليون دولار، ولم يجمع من هذا المبلغ إلا 38% فقط من المطلوب. وأضاف شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية وعضو مجلس إدارة بالبنك المركزي، أننا نتواصل مع البنك المركزي في كل حالة من الشركات التي تتقدم بشكاوى، ويتم تدبير المبالغ المطلوبة لها، وقال سامي: إن العام الماضي لم تحدث أي مشكلة أو أي تدابير في تحويل العملة الأجنبية للشركات "المعيدة للتأمين". وأكد أن الشركات التي لم ترسل شكاوى ولم تستطع تدبير وتوفير العملة لا نعلم عنها شيئًا.