أقام ملتقى المستقبل للفكر والإبداع مؤخرا ندوة في مركز البلد الثقافي لمناقشة ديوان "يمشي في العاصفة" للشاعر عزمي عبد الوهاب، شارك فيها الشاعر محمود قرني والناقد الدكتور يسري عبدالله وإدارةا الشاعر على عطا. بدأت الندوة بأن قرأ عزمي عبد الوهاب بعض قصائد الديوان الصادر حديثا عن مكتبة آفاق، ثم تحدث الشاعر محمود قرني قائلا: أربعة أبواب للعشق والألم يفتحهما بقسوة ذلك الديوان، ورغم التقريرية الخادعة التي ينطوي عليها عنوانه، إلا أنه يبدو بابا خادعا لعالم الديوان الذي سيفاجئنا بتلك التكوينات الشعرية الجارحة والصاخبة والقاتمة لوحدة يستقطرها الشاعر كأنها لذة وحيدة في عاصفة سرمدية تبدو المرادف الممكن لهذا العنوان. وأضاف أن الباب الأول يشبه شاعره تماما في قصره وكثافته وميله الانتحاري للوحدة، وفيما يبدو أنه إهداء جامع لهذا الباب "لرجل حمل البحر على كتفيه"، تتنوع مساحات الرؤية والاكتشاف في نحو خمس وخمسين قصيدة قصيرة وشديدة القصر. وعلى جانب آخر، يقول قرني: ستتحول ابتسارات القصيدة القصيرة في بابها الأول إلى فيوضات سخية في أبوابها الثلاثة المتبقية، حيث يتسع ذلك النهر شيئا فشيئا، بحيث تتبدى إجادة عزمي عبد الوهاب ظاهرة بشكل لا تخطئه العين، فتعود قصيدة النثر إلى حيويتها، حيث تنفتح دلالات الكثافة بما يلائم اتساع الأبنية الدرامية ومع ذلك تظل الشعرية في مجملها تأكيدا للصوت الشعري الهامس المتجه دائما إلى الخفوت. ومن جانبه ذهب الناقد الدكتور يسري عبدالله إلى أن الذات الشاعرة في هذا الديوان مأزومة وموزعة في آن، تستشعر قدرا من الخيبة والوحدة والإحباط، لرجل حمل البحر على كتفيه، ومشى وحده في العاصفة، ذات شاعرة تخاطب مرويا له ضمنيا محددا، وتتجادل معه طيلة الديوان، مروي له يمثل وجها آخر للعالم، ليس سوى امرأة أحبها، فيقرر أن يحكي لها كثيرا، أو يطلب من شخصيته المتخيلة "حنين" أن تترك بطله المتخيل، ومركز الحكي الشعري في النص لحاله. وأضاف الدكتور يسري عبد الله أن ديوان "يمشي في العاصفة" يأتي إذن مشغولا بامرأة طيفية وواقعية في آن، يسعى رجل يمشي وحده في العاصفة لترويضها، في سياق بحثه عن ترويض العالم، غير أن معطيات الواقع المتعين في فضاء النص الشعري يبدو عصيا على الإخضاع، إنه يقدم فحسب معطى جاهزا للغضب، لإبداء النفور، يبدو قابلا للمساءلة، بدءا من القسم الأول "لرجل حمل البحر على كتفيه" بقصائده القصيرة، ونصوصه المبنية على استدعاء آلية الإسناد البلاغية، حيث البدء بالمسند إليه/ الاسم/ المبتدأ، ثم يليه المسند الذي يكون هنا جملة فعلية في محل رفع خبر المبتدأ: "الأشجار تكره الوقوف/ العصافير قتلها الصمت/ القطارات ماتت انتظارا في المحطات/ الهواتف لا تنقل الكلام/ بين المحبين/ المحبون حبسوا البهجة في عيونهم/ المراهقون بحثوا عن حديقة مناسبة للغرام/ وتجمدوا في مقاعدهم/". ورأى عبد الله أن في الأقسام الثلاثة المركزية "سأحكي لك كثيرا/ يمشي في العاصفة/ اتركيه لحاله.. يا حنين"، روحا شعرية شفيفة تسيطر على القصائد الثلاث التي تتسم بالطول، مقارنة بقصائد القسم الأول القصيرة، روح تمتاز بالتدفق الشعري، والانتقالات الذكية بين المقاطع، والانتصار للحياة، في مواجهة موت يظهر ويختفي، هنا يوظف الشاعر الضمائر الثلاث، بدءا من الأنا/ المتكلم في "سأحكي لك"، ومرورا بالغائب في "يمشي في العاصفة"، ووصولا إلى المخاطب في "اتركيه.. لحاله يا حنين"، معبرا عن تباين التجربة الشعورية وتقاطعها في آن، فتأتي مثقلة بالألم وانفضاض الحلم، والعزلة اللا شعورية، والانتظار الطويل لشيء لأشياء هاربة. وأضاف: هنا يوظف الشاعر جملا مركزية يبني عليها نصوصه، فتبرز جملته الشعرية المركزية "سأحكي" في "سأحكي لك كثيرا"، وتبرز جملته الأثيرة "ليت روحه تخف" في "يمشي في العاصفة"، وتتواتر عبارته الشعرية "قولي لها" في "اتركيه لحاله.. يا حنين"، بما تحمله من مباعدة فنية بين الشاعر والذات الشاعرة، وبين النص وقائله. وشهدت الندوة مداخلات لكل من الروائي حسين عبدالرحيم والشاعر أحمد المريخي والشاعر أحمد سراج.