يستعد أكراد سوريا لإعلان نظام اتحادي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في شمال سوريا في خطوة من المرجح أن تزيد من تعقيد مباحثات السلام التي تجري في جنيف بهدف إنهاء القتال المستمر منذ أكثر من خمس سنوات. وسحبت روسيا المزيد من طائراتها الحربية من سوريا ووصلت شحنة جديدة من المساعدات الإنسانية إلى محافظة حلب الشمالية في حين اختار مبعوث الأممالمتحدة بشأن سوريا ستافان دي ميستورا شخصية روسية ضمن فريق مستشاريه في قرار يعكس أهمية الدور الروسي في إنهاء الصراع. لكن رغم صمود اتفاق وقف الأعمال القتالية لأكثر من أسبوعين وقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب بعض القوات الروسية من سوريا بعدما قلب وجودها موازين القوى لصالح قوات الرئيس بشار الأسد إلا أن الأمل في تحقيق انفراجة خلال مباحثات السلام مازال ضئيلا. ويبدو أن الأكراد يتجهون لإدارة شئونهم بأنفسهم بعد استبعادهم من مباحثات جنيف -التي بدأت يوم الإثنين الماضي- وقرروا ضم ثلاث مناطق يسيطرون عليها تتمتع بإدارة ذاتية فيما سموه "النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا- شمال سوريا". وقال مسئولان كرديان بارزان إن هذا الإجراء الذي يدعمانه سيثير بالتأكيد حفيظة دول مجاورة مثل تركيا التي تخشى أن يؤدي النفوذ المتنامي للأكراد في سوريا إلى إثارة مشاعر انفصالية بين الأقلية الكردية الموجودة على أراضيها. وقال مسئول بوزارة الخارجية التركية "الوحدة الوطنية لسوريا وسلامة أراضيها أمر جوهري بالنسبة لنا. أي شيء بخلاف ذلك سيعد قرارات أحادية لا تتمتع بالشرعية." وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية السورية حليفا مهما للولايات المتحدة ودول أخرى في حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لكن هذا الأمر يمثل نقطة خلاف بين الولاياتالمتحدةوتركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي. وفي جنيف رفض بشار الجعفري الذي يرأس الوفد السوري في المباحثات بدوره أي حديث عن نموذج اتحادي في سوريا واستبعد التفاوض المباشر مع الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل فصائل معارضة. وقال الجعفري أيضا إن إعلان بوتين سحب جزء من قواته المسلحة من سوريا يوم الإثنين الماضي لم يكن مفاجئا للحكومة السورية ووصفه بأنه قرار مشترك اتخذه بوتين والأسد. * لا تغيير في موقف دمشق ورغم أن بعض المسؤولين والمعلقين الغربيين تكهنوا أن يكون هدف بوتين من إعلان الانسحاب الجزئي لقواته هو إجبار الحكومة السورية على تخفيف موقفها في المباحثات لزيادة فرص نجاحها لكن لم يبد في حديث الجعفري أي مؤشر على التغيير. وجاء الإعلان الروسي مفاجئا للغرب. وأشار بوتين إلى النجاح العسكري الروسي في سوريا كسبب لخفض القوات لكن ثقته في أن التدخل منح موسكو مقعدا على طاولة إدارة الشئون العالمية كشف عن نواياه. ويؤيد هذا التحليل قرار دي ميستورا بتعيين فيتالي نعومكين ضمن فريق مستشاريه. ونعومكين ضابط سابق بالجيش السوفيتي وخبير في شئون العالمين الإسلامي والعربي وعمل كوسيط في مرحلة مبكرة من المباحثات السورية التي استضافتها موسكو. لكن في حديثه عن الجولة الجديدة من المباحثات قال نعومكين لوكالة الإعلام الروسية "لا توجد أي توقعات. الأمر صعب وعملية التفاوض معقدة." ومباحثات جنيف جزء من محاولة دبلوماسية أيدها الأمريكيون والروس لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من ربع مليون شخص وسبب للعالم أسوأ أزمة مهاجرين وسمح بصعود تنظيم الدولة الإسلامية. وساهم التعاون الأمريكي الروسي بالفعل في إبطاء وتيرة الحرب من خلال "اتفاق وقف الأعمال القتالية" رغم تسجيل عدد كبير من الانتهاكات. وقال دي ميستورا في افتتاح المباحثات غير المباشرة إن سوريا تواجه "لحظة الحقيقة" ووصف قرار بوتين بسحب بعض القوات الروسية بأنه "تطور مهم." ورحب الغريمان الإقليميان السعودية وإيران وهما على طرفي نقيض في دعم أطراف الصراع السوري بخطوة بوتين وقالت جامعة الدول العربية إنها ستساعد مباحثات السلام على إنهاء الصراع. وأظهرت حسابات أجرتها رويترز استنادا للقطات بثها التليفزيون الروسي المحلي رحيل عدد يقل بقليل عن نصف القوات الجوية الروسية عن سوريا خلال اليومين الماضيين. وتحيط السرية بعدد الطائرات التي تحتفظ بها روسيا في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية السورية. لكن تحليلا لصور الأقمار الصناعية وللغارات الجوية ولبيانات وزارة الدفاع الروسية يشير إلى أن العدد كان في حدود 36 طائرة حربية. وأظهرت اللقطات التليفزيونية أن 15 على الأقل من تلك الطائرات قد حلقت خلال اليومين الماضيين بينها مقاتلات طراز سوخوي-24 وسوخوي-25 وسوخوي-30 وسوخوي-34 لكن لم يتسن لرويترز التحقق من تحركات الطائرات من مصدر مستقل. * مقاتلات روسية ورغم الانسحاب الجزئي لا تزال طائرات حربية روسية تنفذ طلعات جديدة ضد مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية غير مشمولة باتفاق وقف الأعمال القتالية. ويحظى الأسد كذلك بدعم عسكري من حليفته إيران التي أرسلت قوات إلى سوريا وكذلك من حزب الله اللبناني. وشنت الولاياتالمتحدة هي الأخرى غارات جوية في سوريا. وبموجب اتفاق وقف الأعمال القتالية قال الصليب الأحمر إن مساعدات إنسانية جديدة وصلت إلى نحو 13 ألف أسرة في محافظة حلب بشمال سوريا مع دخول قافلة من 26 شاحنة للمناطق التي تعاني بسبب أعمال قتالية في الآونة الأخيرة. وقال بافل كشيشيك المتحدث باسم الصليب الأحمر إن عملية توزيع المساعدات التي نفذتها منظمة الهلال الأحمر العربي السوري في مدن من بينها أعزاز وعفرين وتل رفعت كانت الأكبر في المنطقة منذ أسابيع. وأضاف أنه تم أيضا تزويد العيادات بالمستلزمات الطبية. وفي ثاني أيام المباحثات في جنيف يوم الثلاثاء طلبت الهيئة العليا للمفاوضات من الحكومة تفاصيل عن موقفها من الطرح الخاص بهيئة الحكم الانتقالي في سوريا وقالت إن قضية الإفراج عن المعتقلين لم تشهد أي جديد. وتسببت الخطوات التي أعلنت في مؤتمر عقد في مدينة رميلان الواقعة تحت سيطرة الأكراد والذي ناقش "النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا- شمال سوريا" في تعقيد أي أمل لتحقيق تقدم في مباحثات جنيف. وروج آفا هو الاسم الكردي لشمال سوريا. وقال ألدار خليل وهو مسئول كردي سوري وأحد منظمي المؤتمر لرويترز إنه يتوقع أن يقر الاجتماع النظام السياسي الجديد وأن تكون "الديمقراطية الفيدرالية" أفضل نظام. وتوقع إدريس نعسان المسئول بإدارة الشئون الخارجية في عين العرب (كوباني) إعلان "الفيدرالية". ويسيطر الأكراد السوريون على شريط متصل طوله 400 كيلومتر على الحدود السورية التركية من الحدود العراقية حتى نهر الفرات. كما يسيطرون أيضا على قطاع منفصل على الحدود الشمالية الغربية في منطقة عفرين.