تحتفل مملكة البحرين في يوم 14 فبراير من كل عام بذكرى الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، وهو المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى، الذي يشرف على تنفيذه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ، وهو الميثاق الذي أدى إلى نقلة نوعية في حياة البحرينيين، على كافة المستويات، سياسيا واقتصاديا وبالتالي أمنيا. وتحتفل المملكة هذه الأيام بالذكرى ال15 لإقرار الميثاق، لتؤكد اليوم بعد 15 عاما صحة المسار الذي اتخذته، وصواب خطوات التنفيذ، حيث تقف المملكة اليوم متفردة بين دول المنطقة، على الصعيد الإقليمي، متقدمة بخطوات، لاسيما في مجالات السياسة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، رغم ضآلة وشح مواردها المالية. فقد مثل الميثاق الفرصة لجميع أطياف المعارضة البحرينية، التي كان بعضها ينتهج العنف في حقبة التسعينيات، للاندماج في المجتمع والخروج من تحت الأرض إلى دائرة الضوء والمسؤولية المجتمعية والقانونية، لتعرف البحرين لأول مرة مشاركة جميع الأطياف السياسية في الانتخابات وتدخل البرلمان. ولم تكن هذه الخطوة إلا البداية، فالتدرج كان السمة العامة لمسيرة الإصلاح التي يقود قاطرتها صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان، إذ حازت الجمعيات السياسية مكاسبا لم تكن تحلم بها، حتى أصبح من حق البرلمان عزل الوزاراء والمسؤولين من مناصبهم. ورغم أن البعض قد شكك في جدوى خطوة ترخيص الجمعيات السياسية، التي لها خلفية مذهبية، لاسيما بعد ما تبين حقيقة أهدافها، ومآربها السياسية الموالية لإيران، مثل "الوفاق" لكن الإدارة ومسيرة الإصلاح في مملكة البحرين تعتمد على أن مناخ الحرية وحده يستطيع كشف المؤامرات، وبالتالي فقد أتاحت المملكة الفرصة لمثل هذه الجماعات لكي تكشف بطنها أمام المجتمع وتتركه يقرر كيفية التعامل معها، وهو ما انتهى بلفظ المجتمع لها في الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة في نوفمبر 2014. هدأت الأمور بحالة الاستقرار السياسي إلى حد كبير في مملكة البحرين، وخفتت الحدة التي كنا نسمعها في التسعينيات، بعد أن احتوى المجتمع أطيافه، ولملم جراحه، في مناح من الحرية، وكان نتاج ذلك الاستقرار الاقتصادي، الذي شهدته المملكة في الخمسة عشر عاما الماضية، حيث مثلت المباديء ، التي قام عليها الميثاق، الدعامة الأساسية التي قام عليها الاقتصاد البحريني، فقد وضع ميثاق العمل الوطني رؤية واضحة حول تطوير آليات الاقتصاد والتنمية المستدامة، حيث اتجهت المملكة إلى تبني مشروعات تعني بالرفاة واستيعاب العمالة المحلية والأجنبية، وضخ دماء جديدة في المجتمع من خلال توسيع دائرة الاستثمار لتشمل "الشرق والغرب، والشمال والجنوب" كما قال صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء خلال استقباله السفير الأمريكي في قصر القضيبية في ذكرى إقرار الميثاق. ومع حالتي الاستقرار السياسي والاقتصادي، يكون المواطن هدف عملية التنمية، وكذلك حقوقه والعمل على ضمان مراعاتها بسلطتي الدستور والقانون، حيث حققت البحرين طفرة في مجال حقوق الإنسان، لاسيما في الخمس سنوات الأخيرة، حيث شملت الإصلاحات إنشاء مكتب الأمانة العامة للتظلمات، الذي يمارس دورا رقابيا بشكل مستقل على الأجهزة الأمنية، كما تتولى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان في مملكة البحرين، بالتعاون مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. خلاصة القول، أن مملكة البحرين تقف اليوم، كالسد المنيع في مواجهة أخطار حقبة الفوضى العالمية، التي لا تزال أحداثها مشتعلة وتهدد بحرب عالمية ثالثة وشيكة، في مرحلة لن تسلم منها سوى الدول القوية داخليا في زمن الحرب الناعمة، التي تلتهم الدولة من الداخل قبل أن تفكر في غزوها عسكريا، حيث تقف البحرين في مصاف الدول القادرة على تجاوز الأزمة، بفضل دقة وصواب التخطيط وصحة الاتجاه الذي سلكته مملكة البحرين قبل 15 عاما مضت.