"وأحبك وانتي ماتحبيش، أسيبك برضه ماتحنيش، أسافر فيكي لجل أزهد، في غيرك وانتي ماتسفريش".. أغمض عينيك لوهلة واسرح في ملكوت عاطفتك الدفينة، وأطلق العنان لمشاعرك المغمورة وسط طيات ألمك من الفراق، واشتياقك لحضن طال انتظاره واستحالت فرصة تذوق رحيق ضمته ولو بمجرد نظرة كفيلة بأن تسحرك بلمعتها لتسرق روحك منك للأبد، لتعيش "فاضي" من الداخل، غارقًا في بحر انكسارك بضربات قلبك المتزايدة على جدار "حبك" الهش، تعود وحيدًا بعد أن ملكت دنيتك لنصفك الآخر، وتركك هاويًا في بئر حزنك ونسك الوحيد "وحدة" وعزائك الأوحد ذكرى، ورفيق دربك الوفي "ظلام ليل". عندما تمتزج مشاعر الألم في محض كلمات قليلة مختزلة في أداء غنائي لا تخطى عمره الافتراضي 3 دقائق، لكنها كفيلة بأن تدخلك في متاهة من هول الذكريات و"اللي كان ومبقاش"، مصحوبة بهمهمات صوتية أقرب ما تكون لكتمان صراخك الداخلي، ولمسة من عبق الصوفية في مطلقها وتعاويذها السماعية التي تتركك تعيد سماع الأغنية عدة مرات دون كلل، وتغرق في تفاصيل معاني "ف أنادي ف البعاد والليل، وأقول بكرة الردود تيجي، يتوه الوش في الفنجان يدوب الليل في تحويجي"، حالة أشبه ما تكون بوصلة "سرحان" طويلة الأمد، لن تشعر بها ربما إلا إن كنت ممن جربوا "لسعة" "اللي حب وماطلش"، ومن انساق وراء عاطفته بزيادة حتى ظل بدون أي أنواع مشاعر سوى شعور "لو كان وده كان"، يزداد وجعك بصراخ يندفن في سواد الليل ويقل تدريجيًا مع زيادة وقت البعاد، ليداوي الزمن ما تعجز عنه فرص اللقا. وصف ربما يكون حاد قليلًا عن مسار تلك الحالة التي تعيشها فور سماعك لتراك "البعاد والليل"، للمطرب والمنشد عابدين، لكنها وصفة تخيلية جالت بخاطري فور تجربتي سماعها والاندماج مع معانيها العميقة الممزوجة بلمسة من الأداء الصوفي والتوزيع الموسيقي الخالط بين شرقيات العود والقانون وبعض بصمات المزيكا الغربي في توليفة سماعية "تشدك" حتى وإن كانت جودة التسجيل ليست بال "عالية"، حالة تمكن عابدين من التفرد بصنعها في تراكاته الغنائية الخاصة، لينجح في وقت قصير من مشواره الفني في ساحة الأندرجراوند من صنع أيقونة سماعية مختلفة عن السائد، جمعت في مطلقها بين عشاق الصوفية ومحبي ال"وورلد" ميوزيك، مع متذوقي الأداء الغنائي عالي الإحساس القريب لحد ما لأيقونية "الإنشاد الديني" و"الابتهال" ولكن بكلمات واقعية وعاطفية أكثر منها "وصلات ابتهالية" معتادة. بين "البعاد والليل" و"حضرة العشق" ذاع صيت عابدين تدريجيًا في الوسط المستقل، ليقرر أخيرًا الانطلاق في مشواره الفني المنفرد عبر مشروع باند "عابدين"، بروجكت موسيقي غنائي غلب عليه طابع الصوفية في الأداء واللمسات الموسيقية استقر اخيرًا على شكله النهائي، لكن المشروع لم يكن ليكتمل برؤيته الواضحة "تقريبًا" إلا بمروره بمراحل عدة في التكوين والتخبط في الرؤية وتنوع المزيكاتية والأسماء وحتى فكرة لون "المزيكا اللي بتتلعب"، بالرجوع بضعة سنوات إلى الوراء لتبدأ حكاية عابدين مع الغناء مذ كان في عمر العاشرة، بهوسه بإطلاق العنان لصوته وتجربة الغناء وانخراطه في مجال "الإنشاد الديني" والابتهالات" بشكل أوسع، وشارك في العديد من الحفلات الغنائية منذ الصغر تبعًا لوزارة الشباب، ونما شغفه تدريجيًا بمرور الأعوام حتى انضم إلى "بطانة" فريق الشيخ محمد الهلباوي، وتعمق في دراسة المزيكا في كلية التربية الموسيقية، وفي تقديم ورش تدريبية لأصول النغم والمقامات الشرقية والغناء، وتعمق في جو الصوفية بشكل أكبر بلقاء جاء صدفة مع الدكتور أحمد الجبالي ممن شجعه على تجربة الأداء الصوفي عند سماع صوته، كما روى عطشه باندماجه في سماع عمالقة المجال الشيخ الفشني ومحمد عمران، ودرب نفسه بنفسه بين القراءة والورش المستمرة وحضور حفلات الصوفية من وقت لآخر حتى وجد نفسه منتصف بحر الصوفية منطلقًا بتلقائيته في الغناء في هذا اللون. تنقل عابدين بين عدة أفكار لمشاريع باندات مزيكا مستقلة، بداية من بروجكت "كروماتيك" منذ حوالي 8 سنوات، وبعده مشروعه مع المطرب زجزاج، وصولًا لما قبل الثورة بعام باستقراره على فريق "جوانا باند" والذي ادم فيه لأكثر من 3 سنوات، ولكنه لم يحالفه عدوى الاستمرار، لميل عابدين إلى ذوق الجمهور المستمع إلى جو الصوفية أكثر من فكرة الأغاني المعتادة للباند المعتمدة على نوعية مزيكا الروك والجاز والفلامنكو، ونوعية الأغاني المصرية المعاصرة بشكل عام، ليقرر مؤخرًا "فشكلة" مشاريعه المشتركة والانطلاق في رحلة "عابدين باند" وارتكازه على مبدأ تقديم جرعات غنائية صوفية ولكنها ممزوجة بلمسات المزيكا الغربي، "ستايل" صوفي مغاير عن المتواجد في الساحة فهو لا يبني رؤيته على أساس "الاورينتال" والطابع الشرقي الصرف المعتاد بآلات العود والقانون والدفوف والتركيز على الأناشيد الدينية والابتهالات وأجواء الموالد والحضرة، ولكن "التوجه" نحوه "صوفية معاصرة" إن جاز التعبير عنها بذلك، بين أداء صوتي شرقي في صوفيته، ولكن مع توزيع موسيقي متنوع في طابعه الغربي مع بصمات من الجيتار والكيبورد والناي، وصف ربما يختزل في كلمتي "فيوجن صوفي". ربما تكون تراكات عابدين المسجلة قليلة إلى حد ما في عددها، ولكنها كفيلة لتدخلك في "مود" غدمان سماعها عدة مرات دون كلل أو "زهق" من "الريبلاي"، فيكفي مثلا سرحانك مع كلمات "الدف دوشة بتسلطنك، يشبه صراخ الأوليا، ريحة البخور والدروشة، كلمة مدد تفتح سكك ناحية طريق رب العباد"، الممزوجة بهمهمات حية من الحضرة الصوفية والتي تخطفك في اول 10 ثواني من عمر الأغنية، والممزوجة بوصلة ساحرة من الدف والقانون مع بصمة مزيكا إلكترونية والإيقاعات الخاطفة في المنتصف، أو أطلق العنان لأنفاسك لتتجلى وسط أجواء "في حضرة العشق"، مع كلمات "يارفاق الصبر في حكم القدر، هل لنا من منصف يجلو الخبر، أين كان الحب او كيف ظهر، سحر لحظ أم عن الغيب صدر".