"بقيت أهرب من الدنيا عشان أبكي، بقيت أهرب من الدمعة بجرعة نوم، يطول بيا البكا في الحلم، تطول السكة ومش بوصل".. تخيل أن تطلق العنان لروحك لتطير في فضاء "السرحان" بعيدًا عن زحام الدنيا وما فيها، وتدخل في متاهة موسيقية لا تريد الخروج منها، بين سحر الصوفية والهدوء النفسي، مع لمسات من العود الممزوج بصخب أجواء الروك في التوزيع، ببصمات من "همهمات" صراخك الداخلي، تجد ما يعبر عنك وعن "مودك" الانعزالي في بضعة دقائق من عمر الأغنية، وكأنك تخاطب نسختك المتماثلة في مرآة أفكارك، وتهرب من نفسك إلى نفسك من جديد، لا تجد منها مخرجًا، ولا تريد الخروج من تلك المتاهة، حتى تعيدها مرارًا وتكرارًا دون ملل، حالة تأخذك إليها تجربة السماع إلى "هروب"، إحدى أشهر تراكات سرور. مكس ابتهال حالة تعبر عنك عندما تنغلق أبواب الحياة أمامك، وتجدك وحيدًا رغم زحام "البشر" من حولك، بين الطيبة الزائدة والغفلة، بين الاجتماعية والعزلة، تحمل هموم غيرك وغيرك "مش فاضيين" لهمومك، "كسبت الناس على عيبهم وخسروني، بشوف الحزن في قلوبهم يبكوني، ومابيبكوش"، كلمات رغم بساطتها، إلا أن عمقها أبعد ما يكون عن البساطة، ستنخطف تلقائيًا من مزيج المزيكا غير المألوف لك للوهلة الأولى، فلا تدري، ما إذا كان ذلك صوفي أم جاز أم حتى روك، بين مزيج الإيقاعات والقانون والعود والجيتار، مع الإحساس العالي في الأداء، رغم ضعف التسجيل "اللي مش واو"، ولكنه كاف لتشعر ولو للحظة وكأنك في "حضرة مودرن"، نفس شعور الزار ولكن بمزيكا عصرية صاخبة، تركيبة غريبة في مطلقها، تلخص ولو في تراك، رؤية الحالة الموسيقية والغنائية التي يلخصها المطرب سرور. من الوجوه الجديدة في ساحة الأندرجراوند والمزيكا المستقلة في مصر، لمع نجمه في فترة قصيرة بعد ترحال من بلده الأصل كفر الشيخ إلى العاصمة الثانية، ليتحول شغفه بالتلاوة والأناشيد الدينية من صغره وتربيته على يد والده على أصول التجويد وحفظ القرآن الكريم، إلى عشق للابتهالات ومن ثم انطلق إلى أغنيات الزمن الجميل، والطرب الأصيل، في مرحلته الثانوية، ليحوز بأدائه لأغنية حليم القديمة "ياتبر سايل بين شطين"، على الجائزة الأولى في محافظته ويصعد لمستوى الجمهورية، لتكون انطلاقة حماسية له للدخول إلى الوسط الفني، عند قراره بالسفر من محل ميلاده إلى الإسكندرية، ليسعى وراء حلمه بوضع حجر أساس "باند" مزيكا مستقل، يجمع خلاله بين مزيج الطرب والابتهال بالمزيكا الحديثة، بدأ الحلم تدريجيًا بتكوين فريق "فيد باك"، والذي قدم "كوفرز" لأشهر أغنيات حمزة نمرة وبعض أغنيات الباندات الشهرية في الوسط، ولكنه لم يكتمل، لينتقل بعدها لتأسيس فريق ساكسونيا، عقب ثورة يناير بسنة، باتخاذه درب المزيكا الأورينتال بشكل جديد، ولكنه لم يصبه عدوى النجاح ل"يتفركش" بعد قرابة 12 شهر لخلافات إدارية فيما بين الأعضاء، ليقرر بعدها على الفور السير على دربه الخاص، باتخاذ مساره الفني المنفرد عبر مشروع "سرور بروجكت". فيوجن صوفي رؤية البروجكت في بدايتها كانت "متخبطة" إلى حد ما، ليس من المنظور السيء، ولكن من حيث "التركيبة" الغريبة، إذ اعتمد بادئ ذي بدء على فكرة "الفيوجن إكوستيك"، بتخريج جو المزيكا الريجي والجاز والفلانكو بالاعتماد على آلات الخشب أقرب إلى "تخت"، مكس صوتي من آلات العود والقانون والكمانجة، بلمسة سبانيش جيتار وبركشن، في محاولة تحويل تلك الألحان إلى ما يقارب "الألترنيتيف" أي الصوت البديل لمزيكا الجاز والريجي الاعتيادية دون اتخاذ درب الإلكتريك العادي، لتخرج حالة سماعية ربما كانت مفاجئة حتى لأعضاء الباند في البداية، أشبه ما تكون إلى "هروب موسيقي" كان هو بداية التحول في الرؤية العامة للمشروع، ليتطور تدريجيًا من سرور بروجكت إلى مجرد "سرور"، مع وضع بصمات مزيكا أبعد، بدخول مضمار الهارد روك وإضافة الإلكتريك جيتار وزيادة جرعة "العنف" في المزيكا بشكل عام، ليخرج للنور أول مولود حي للمشروع الجديد متجسدًا في تراك "هروب"، ضمن ميني ألبومه الأول "النبي دانيال"، والذي مزج بين الأورينتال فلامنكو والقانون مثل تراك "قلبي"، والأورينتال جاز مع موال ومقامات شرقية في تراك "سماعي"، وبين الارتجال الأدائي على تقاسيم العود والمواويل مثل تراك ارتجال" ويظهر الميني ألبوم بشكل سي دي رسمي مرفق مع ديوان شعر بنفس الاسم للشاعر محمد عبدالله خلال موسم معرض الكتاب الحالي. دروشة داخلية سرور يمكن اعتباره ضمن دائرة الطعم الصوفي في تقديم المزيكا والتي تغلب على معظم أعماله الموسيقية، لكنه يتخذ درب الصوفية من منظور أبعد من فكرة كونه "مجرد أدعية أو تجلي إلى الله والمديح بشكل مباشر"، سواء في الكلمات أو الأداء، لكنه يبتعد إلى منظور أوسع من حيث ضم أي "مشاعر إنسانية صادقة وترجمته إلى أداء موسيقي أقرب إلى الصوفي"، أو بمعنى أوضح "محتوى يشبه الناس من حيث مشاعرهم وتقلباتهم النفسية، ولكن من المدخل السماعي الذي يلمس قلوبهم"، باتخاذ درب الارتجال المعنى العام للصوفية، ولكن بتجسيد مشاكل البشر الداخلية وتخبطاتهم الفكرية والشعورية في كلمات بسيطة يغلب عليها طابع حالة التصوف والتجلي في أدائها، مثل أغنيته الأشهر "أنا سبحة في رقبة درويش"، وكلمات "للناس اللي متعرفنيش، ولا تسمع عني، أنا نظر واحد غلبان لما سألني وكان ماعيش"، يجسد تجربة ذاتية وحديث داخلي بعيدًا عن جو مجالس الذكر العادية، "فمتوجعيش الروح بعتاب ملوش داعي، وانسي الكلام والبوح يا أحلى أوجاعي". من الناس للناس محاولة نقل الحالة الصوفية في مطلقها بشكل يقارب مكنونات الناس العادية بين العاطفة والحب والانكسار والفقر وحتى الاكتئاب والمزاج المتقلب، تصوف أبعد عن تعبيرات الزهد والرهبنة، مع جرعة عشوائية في المشاعر والتعبير عنها بطريقة منظمة، اتخذ من "سلوجن" من الناس للناس، شعارًا لمشروعه الغنائي، معبرًا عنهم بمزيكا "توصلهم بسهولة" و"تلمس روحهم"، بمزيج مزيكا مفاجئ لمن يجرب سماعه لأول وهلة، يمكن أبرز تعليق جماهيري قيل لسرور "انتوا أكيد بتلعبو بلاي باك استحالة تكون المزيكا دي لايف"، نظرًا للمكس الغريب في تكوين المزيكا، والتي يصفها سرور بكلمة "ألوان"، أي أن الأصوات المسموعة في كل تراك تخرج من "كزا لون مزيكا" في نفس الوقت، ويضم المشروع خلفيات موسيقية لأبرز باندات المزيكا في الإسكندرية، بين درامر فريق قرار إزالة محمد عبدالرازق، وبيز جيتار فريقي ستورم ومقام مؤمن حسن، وليد جيتار زمان وخط أحمر مودي مجدي، وكمان حمزة نمرة لمصطفى العطار، وكيبورد باند بارانويا ميدو السيد، وبركشن محمد جمعة من الباند النوبي هاي دام، خلفيات بألوان مزيكا مختلفة واحترافية اجتمعة على بروجكت واحد، أشبه مايكون "باللون الأبيض" الذي يجمع داخله ألوان الطيف. هولولوستو بجانب ميني ألبوم النبي دانيال انطلق سرور في مشروع موازي للبروجكت الفردي، مع فريق هولولوستو، مثل تراكات "انتي"، و"حدوتة"، برؤية مزج الراب مع الأداء الغنائي الصاخب مع اتخاذ أنماط مزيكا التشيل آوت والهيب هوب وآر أن بي، بطريقة غير معتادة في الساحة المعتادة، يخوض خلالها حالة مزيكا عميقة و"ملعبكة" عكس تلك البساطة بعمق محتواها المتصدرة مع حفلاته اللايف المنفردة، وأطل مؤخرًا بأجدد تراكاته "باطل الأباطيل"، والذي خاض فيه مغامرة الغناء من الكتاب المقدس، وغناء صفر من أصفار العهد القديم على لسان النبي سليمان عليه السلام، وكاد سرور أن يعتزل عن الوسط الفني منذ فترة، لوصوله لحالة يأس مؤقتة، لكنه قرر العودة بشكل جديد ويستعد للانتقال قريبًا إلى القاهرة بسلسلة حفلات بمشروعه الجديد، كما يجهز لإطلاق أولى كليباته المصورة وبدأ في تسجيل ألبوم غنائي جديد سيظهر للنور خلال موسم الصيف.