قلت للأستاذ الشرقاوى هذه المرة يمكنك ألا تقدم هذه المسرحية إذا كان اسمى لا يعجبك أو مصدر خوف لك وعبر وجهى عن أكثر من ذلك فاضطر أن يكتب اسمى كاملا على الأفيشات والإعلانات.. وبالطبع لم يحدث أن قامت المظاهرات ضد المسرح! ولكنها امتلأت كل ليلة بالجماهير لأنها نجحت بشدة لم يتوقعها الشرقاوى نفسه. وكنت عندما دخلت المسرح فى أول يوم لأقابله رأيت إعلانا على الواجهة أن العرض القادم هو مسرحية «شهر زاد» تأليف الدكتور رشاد رشدى والعرض بعد القادم مسرحية تأليف على سالم.. ولكن الواقع أن مسرحيتى ظلت تعرض لعامين وبالتالى تأجلت بذلك مسرحية الدكتور! والذى قال إنى صايع ورفض أن أعمل بالمعهد.. وعرضت مسرحية على سالم بعد ذلك بسنوات وفى مسرح للدولة بإخراج سعد أردش.. وكنت أحضر بروفات مسرحيتى صامتا لكن فى يوم قبيل الافتتاح بقليل وجدت صفحة أضيفت إلى النص فى أوله بواسطة جنديين يتحدثان لدقيقة حتى لا يدخل الممثل الأول لوحده وهو أمر غبى فى مسارحنا. وأحسست أن النقاد سيتصورون أن المسرحية مقتبسة من مسرحية شهيرة لأجاثا كريستى، والتى ظلت تعرض فى لندن سنوات طويلة خاصة أن الشرقاوى كان ينهى العمل بنفس الاثنين ليطلبا من الجمهور ألا يخبروا أحدا من يكون القاتل وهو ما حدث فى المسرحية الإنجليزية أو قد يتصور البعض أنها مأخوذة عن فيلم «إنهم يقتلون الجياد» لأنه غير اسم المسرحية إلى «إنهم يقتلون الحمير».. وتضايقت لأننا اتفقنا على التعديلات ولم يخبرنى بهذه المقدمة التى خطرت له فيما بعد فنهضت من مكانى مقاطعا البروفة ألفت نظر المخرج أننى لم أكتب هذه الصفحة وفاجأه هذا الاعتراض الذى ربما لم يتعرض له من قبل.. وأكفهر وجهه فرد بأنها لا تغير شيئا.. فقلت بحدة على مسمع الممثلين إنه تصرف دون الرجوع إلىّ.. وكان يمكن أن يسألنى أو يقترح علىّ هذه الإضافة لأقبلها أو أرفضها وأسحب العمل.. فأنهى الموقف بأن طلب أن نتحدث فى هذا بعد البروفة.. ولكنى لم أشأ بعدها أن أناقشه بل قاطعت حضور البروفات ولم يكن قد دفع لى من أجرى إلا العربون الذى كان من المفترض أن يدفع بقية أجرى وقد آل النص إليه! وقلت إنى سأحصل عليه بعد أيام.. وفى ليلة الافتتاح كان العرض ناجحا بقوة والجمهور يصفق ويضحك بشدة.. وقال لى الشرقاوى فى الاستراحة بزهو وثقة إن المسرحية سوف تفوق «مدرسة المشاغبين» التى أخرجها لفرقة المتحدين ولكنى قلت له فى كلمة واحدة..لا.. ورد سنرى.. وكانت زوجتى تحضر الافتتاح وقابلت زميلا لنا فى قسم النقد ولكنه كان قد ترك المعهد بعد سنة واحدة.. فأخبرها بفخر بأنه كتب صفحة فى مقدمة المسرحية ونصف صفحة فى نهايتها.. ولم يكن يعرف أنى وهى قد تزوجنا.. وكان هذا الشخص يحاول الكتابة للمسرح لكنه اختفى تماما.. وكنت أستعد لأخذ باقى أجرى عندما وصل للمسرح إنذارا على يد محضر فى أول عرض بغلق العرض بناء على قضية مستعجلة ضدى وضد الشرقاوى مخرج ومنتج المسرحية فعرفت ساعتها لماذا تهرب منى المنتج المغمور الذى استبعده التليفزيون ورفض أخذ عربونه طمعا فى تعويض كبير.. وهكذا دخلت أول مسرحية لى إلى المحكمة منذ أول ليلة. كان للشرقاوى محام خاص لأن قضاياه كثيرة لكنى ذهبت إلى الأستاذ عباس الأسوانى فى عمارة يعقوبيان للدفاع عنى فى القضية وكان صديقا لأبى وجئت له بأوراق من رئيس التليفزيون تفيد أن اللجنة المسئولة رفضت هذا المنتج صاحب الدعوى وبالفعل خسر القضية ثم أستأنفها بعد أسبوع وخسرها ثانية وبحكم علاقة الشرقاوى بالدكتور رشاد عميد الأكاديمية وكان قد عينه أستاذا لقسم التمثيل اضطر أن يدعوه لمسرحيتى فحضر كارها لكن أعصابه لم تتحمل طويلا وغادر المسرح بعد الفصل الأول ساخطا بالطبع وتهرب الشرقاوى من دفع بقية أجرى وشعرت بالقرف وقلت لنفسى إنه ربما هو يحتاج هذا المبلغ الهزيل أكثر مني! ولم ينس لى الشرقاوى موقفى عندما اعترضت على المقدمة التى أقحمها بالمسرحية أمام الممثلين فراح يتحدث عنى بالسوء معهم فى غيابى ليؤلبهم ضدى وقال لهم بثقة شديدة إننى لن أكتب ثانية للمسرح أبدا وكأنه وحده الذى صنع نجاح المسرحية.. وصار يكتب اسمى فى الإعلانات بخط صغير وبعد أسبوعين من العرض بدأ أستاذ قسم التمثيل يترك الحبل على الغارب للممثلين بأن يخرجوا عن النص كما يريدون.. فقررت ألا أذهب للمسرح ثانية وبعدها كف عن كتابة اسمى بالمرة على إعلانات المسرحية.. وظلت المسرحية تعرض لعامين وأخرت مسرحية رشاد رشدى طيلة هذه المدة وعندما بدأ عرضها حرص أن يقدم مسرحيتى فى نفس الوقت بالإسكندرية. أما علاقتى بالدكتور رشاد أو بالشرقاوى فلم تقف عند هذا الحد.