جاءت القرارات الأخيرة لمجلس إدارة البنك المركزى بتوسيع حصص المشروعات الصغيرة فى كعكة التمويل، لتثير القلق لدى أصحاب المصالح، فبدأ رجال المافيا وأذرعهم الإعلامية شن حملة مُنظمة لمُراجعة القرارات وإعادة النظر فيها. القصة طويلة ومكررة، وتؤكد أن الكُبار يرفضون أى اقتراب من مصالحهم حتى لو كان ذلك فيه المصلحة العُليا للوطن. وترجع فصولها إلى إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أيام عن تخصيص مائتى مليار جنيه كقروض ميسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة متناقصة تبلغ 5٪. إعلان الرئيس تمت ترجمته إلى قرارات وافق عليها مجلس إدارة البنك المركزى بتعديلات لضوابط الإقراض، ونُظم عمل صناديق النقد بما يُفعّل مُبادرة الرئيس بشكل جدى. وبتاريخ 11 يناير الحالى بعث البنك بتعليمات فى كتاب دورى إلى جميع البنوك، ذكر فيها أن المركزى يستهدف تهيئة المناخ المُناسب لتعزيز فرص تمويل الشركات والمنشآت فى قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، كخطوة مكملة لإصدار التعريف الجديد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقًا لقرار مجلس إدارة البنك فى 3 ديسمبر الماضى. وتضمنت التعليمات أيضًا زيادة مُخصصات المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى 20٪ من إجمالى محافظ ائتمان كل بنك، مع السماح للبنوك بخصم كامل قيمة القروض والتسهيلات الائتمانية من نسبة ال10 ٪ الخاصة بالاحتياطى القانونى للبنك، فضلًا عن إلزام كُل بنك بإنشاء وحدة تنظيمية للشركات الصغيرة والمتوسطة، مع توفير الاحتياجات التدريبية لها. وذكر كتاب دورى آخر تم تعميمه فى نفس اليوم، أنه يتعين على البنوك الالتزام بألا يتجاوز إجمالى أقساط القروض المُستحقة لأغراض شخصية مثل قروض السيارات والبطاقات الائتمانية والقروض العقارية للإسكان خارج نظام التمويل العقارى 35٪ من مجموع الدخل الشهرى بعد استقطاع المستحق من الضرائب والتأمينات. على أى حال، فإن هُناك رابحين وخاسرين لتلك المُبادرة فى الأوساط الاقتصادية والتجارية، وإن كانت المصلحة العامة تقتضى ذلك خاصة فى ظل استسهال البنوك التوسع فى التجزئة المصرفية والقروض الشخصية والاستهلاكية على حساب القطاعات الإنتاجية خاصة المشروعات الصغيرة. كانت السنوات الأخيرة وطبقًا لمصدر مصرفى قد شهدت توسعًا فى منح القروض الاستهلاكية، بما أدى إلى ارتفاعها إلى نحو 60٪ من إجمالى القروض فى البنوك المصرية، وأوضح المصدر أن ارتفاع نسبة القروض الاستهلاكية على حساب قروض المشروعات الإنتاجية، يُنذر بخطر شديد على المدى البعيد، وهو ما كان يستلزم تحركًا سريعًا. مجموعة الغاضبين تضُم شركات تجميع سيارات ومستوردين وموزعين كبارًا ووكلاء لشركات عالمية، وتُجارًا ومكاتب سمسرة وتُجار سلع هندسية وأجهزة منزلية ومُنظمى معارض، ومُدراء تسويق القروض، وبعض شركات الدعاية والإعلان. وهؤلاء جميعًا انتقدوا قرارات البنك المركزى الأخيرة، ووصفوها بأنها كارثة للسوق كله، وليس لقطاع السيارات والبنوك فقط، بل وصل الأمر إلى اعتبارها مُقيدة للاستثمار، وذكر أحد تُجار السيارات أن تلك القرارات غير مدروسة وعشوائية، وأنه كان ينبغى العودة إلى العاملين فى قطاع السيارات قبل إصدار القرارات الجديدة. وشن قطاع السيارات هجومًا شرسًا على مجلس إدارة البنك المركزى واعتبر البعض أن سياسات طارق عامر محافظ البنك المركزى الجديدة مُقلقة وتفتح الباب لمشكلات عديدة فى الأسواق التجارية. وطبقًا لأحمد الألفى الخبير المصرفى، فإن ردود الأفعال الغاضبة من جانب البعض تجاه القرارات الأخيرة، أمر طبيعى لأن لأى قرار اقتصادى فى أى بلد رابحين وخاسرين، والمهم أن اقتناع الدولة بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودورها فى الاقتصاد هو بداية حقيقية لإحداث تنمية كبيرة فى المجتمع، ويرى أن تخصيص مائتى مليار جنيه لتمويل وإقراض المشروعات الصغيرة، يساهم فى إحداث نقلة غير مسبوقة فى الاقتصاد الوطنى بغض النظر عن تأثر البعض. ويرى محمد البهى عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة هى التى قادت دول أوروبا للنهضة والتنمية الصناعية، ودعمها كان لابد أن يتحول إلى واقع عملى وهو ما جرى مؤخرًا، وفى تصوره فإن تخفيض حصة القروض الشخصية، وقروض السيارات أمر ضرورى لتوسيع الفرص لإقراض المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. ويضيف «البهى «أن تخصيص 200 مليار جنيه قرار سليم ومُشجع ويُمثل طموحات واسعة لدى كثير من الشباب الذين كانوا يواجهون مُشكلات عديدة كان أخطرها وأصعبها مُشكلة التمويل». ويقول: «إن تحديد فائدة بنسبة 5٪ كان حُلمًا بعيد المنال للعاملين فى القطاع الصناعى، لكنه يتخوف من وضع شروط صعبة للإقراض مثل الموضوعة فى الصندوق الاجتماعى للتنمية أو البنوك التجارية». ويضيف «البهى» أن غضب المُستفيدين تجاه تلك القرارات طبيعى، لأن مصالحهم ستتأثر ومبيعاتهم ستنخفض بسبب تقييد القروض المُقدمة لشراء السيارات أو السلع الاستهلاكية، والمطلوب أن توازن الدولة بين مُختلف القطاعات وتتجه لما يخدم المصلحة العامة. ومن وجهة نظر المهندس حمدى عبد العزيز رئيس غرفة الصناعات الهندسية، فإن غضب البعض من قرارات البنك المركزى لا ينفى أنها قرارات تستهدف تخفيض الطلب على الدولار، وتُدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن ترشيد الاستيراد بجميع صوره، خاصة فيما يتعلق باستيراد سيارات وأجهزة ومنتجات كثيرة يمكن إنتاجها محليًا من الخارج. ويرى «عبدالعزيز» أن طموحات رئيس الجمهورية فيما يخص الملف الاقتصادى كبيرة جدا، لكن تنفيذ تلك الطموحات يتطلب قوى مُساعدة سواء على مستوى المسئولين والوزراء أو على مستوى القطاع الخاص نفسه. وفى تصور المهندس علاء السقطى رئيس جمعية مستثمرى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن مُبادرة المشروعات الصغيرة تُحقق صالح الاقتصاد الوطنى، وتعكس مطالب سبق أن تقدمت بها الجمعية إلى رئاسة الجمهورية قبل شهور، داعية لإيجاد صيغة لتوفير البنوك لقروض ميسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويرى «السقطى» أن مُعارضة أو مقاومة البعض لمثل هذه المُبادرة، لا يجب أن تمثل عقبة فى طريق التنمية، ولا يجب أن نلتفت إليها، خاصة أن جميع خبراء الاقتصاد يجمعون علي أن مستقبل مصر فى تنمية المشروعات الصغيرة. ويحذر رئيس الجمعية من الصعوبات التى قد تعوق استفادة بعض المشروعات بالمبادرة، خاصة أن تعريف البنك المركزى الخاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة غير واقعى، مؤكدًا أن الشركة التى تبلغ مبيعاتها 20 مليون جنيه سنويًا، يجب تصنيفها ضمن تلك المشروعات.