ها عامٌ قد انتهى وأقبل عامٌ ميلادىٌ جديدٌ يُكَلِّلُ رأسهُ ميلاد السيد المسيح له كل المجد، ولكن من المؤسفِ أنَ بسببِ التَحدُّث الكثير عن قصةِ التجسُدِ والفداءِ أصبحَ الموضوع لدى الكثيرُ منا فاتراً . كلامٌ يَدخُلُ إلى الأذانِ ولكن أصبح لا يصل إلى القلبِ لمُجرد تكرارهِ على مسامعنِا. لكن إن أدركنا الحقيقةَ أن التجسُدَ هو ليس بالقصةِ التى تُروَّى أو يُسجلها التاريخُ فقط، وإنما هو حدثٌ مِحوارىٌ أحدَثَ تغيراً شاملاً للتاريخِ ، فقد حُسِبَ كُلَ ما كان قبل الميلاد فى حُقبةٍ زمنيةٍ عُرِفَتْ ب" ق.م " أى قبل الميلادِ، ثُم بدأ عهدٌ جديدٌ مُنذُ التجسُدِ، فتسلسلت القرون من بعدهِ المعروفةِ بالقرونِ الميلاديةِ نسبةٍ إلى ميلادِ السيدِ المسيحِ لهُ كل المجدِ. التغير لم يحدُثْ فقط فى مُسمَّى التاريخ إن كان قبل ام بعد الميلاد ، بل التغير تَضمَنَ المضمون الداخلى للتاريخِ . فقبل ما يولد السيد المسيح كان محكوم على الخليقةِ أجمعها بالموتِ الذى هو أُجرة الخطيةِ التى سقط فيها أبوينا الآولين آدم و حواء، وورِّثَتْ تلك الخطيةِ الجديةِ الى الأجيالِ من بعدِهِم ، فكان كل من يموت سواء كان من الابرارِ او الأشرارِ فكلاهما يدخُلانِ الجحيم ، لذا كان لابُد من أن يُنفذ الله خِطَتَهُ لخلاصِ البشريةِ، حيثُ دبَّرَ الله أن يولد من عذراءٍ فى مدينةِ الناصرةِ. ولِدَ المسيحُ و ما أعجب ميلادهِ ! ولِدَ من عذراءٍ و ميلادهِ فى حدِ ذاتهِ درسٌ لا يُنسى فى الأتضاعِ وإنكار الذاتَ، فلم يهتم الله بشئٍ سوى خلاص البشرِ . نزل عن عرشِهِ السماوى الذى تحملهُ الملاكئةُ بكُلِ رهبةٍ و خوفٍ ، ذاك الذى تُسبحهُ الملائكةُ النورانيةُ و هم مُغطين وجوههم أتخذ جسداً تُرابى أخذا صورة عبدٍ حتى يُخلص شَعبَهُ. هل سأل أحدٌ نفسَهُ من قبلٍ لما نحتفلُ بالميلاد؟! هل لمظاهر الأحتفالات ؟ أم للأفراح ؟ أم لماذا؟! إن كُل أمرٍ وضعتهُ الكنيسةُ له أهميتهُ الروحيةِ ، فيجب أن نسأل أنفُسَنا ماذا نتعلم من ميلادِ رب المجدِ؟! كيف نحتفلُ حقاً بميلاد الإله القدوس؟! إن أهم الدروس التى أعطاها لنا السيد من خلال تجسُدهِ هو الأتضاع ، ثُم تبدأ سلسلةٌ من الدروسِ التى لو تأملنا فيها لما توقف القلمُ عن الكتابةِ لكن دعونا نأخُذ أظهَرَ ما فيها ، لقد أرتضى المسيحُ الإله له كل المجد أن يولد فى مزودِ بقرٍ ليُخلص ما قد هلَكَ ، أستبدلَ عرشَهُ بالمزودِ كى يُنقذنا من العُبُوديةِ المُرةِ التى سقطنا فيها بغواية العدو . لكنه من فرط محبتهِ لنا ولكافةِ البشر أرسل للمجوسِ نَجمَاً ليُعلمَهُم بميلادِ الملك المُخلص ، كما ظَهَرَ ملاكُ الربِ للرُعاةِ قائلاً لهم : " فهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ.." ( لو 2-10:12) هل المسيح ولِدَ فقط فى ذلك اليوم؟ أودُ أن أُخبرَكُم أن المسيح ينتظرُ كُلَ يومٍ أن يولَدَ فى قَلبِكَ أياً كُنت من أنت فالمسيح يدعو الجميع و كافة الأطياف مثلما دعا المجوس العُلماء و الرُعاة البُسطاء. المسيح يُولد فى قلبِ كُلٍ منا و لكن هل نحنُ مُستعدين لأستقبال سيدنا فى قلوبِنا؟ هل نصرخ مع داود فى المزمور : " مُستعدٌ قلبى يا الله مُستعدٌ قلبى" ؟ ( مز 56-7 ) الله لايبحث سوى عن قلبٍ طاهرٍ متواضعٍ ليسكُن داخلهُ ، لذا علينا أن نُنَقّى قلوبَنا. " فلنفحص طُرقنا و نختبر خُطواتنا و نرجع الى الربِ و نرفع قلوبنا مع ايدينا لدى العُلى الذى فى السماء ". (مراثى ارميا 3-41:40) يقول لنا السيد مُخاطباً إيانا فى سفر الأمثال : " يا ابنى أعطينى قلبك " ، فالله الغير المحدود الذى ترك عرشَهُ فى السمواتِ و تجسد فى صورةِ عبدٍ ليُخلصنا لم يطلُب مُقابل من الانسان سوى أن يُعطيه قلبَهُ . فهل بعد كل ما صنعهُ الرب لأجلِنا سنسمح له أن يولَد داخل قلوبنا ؟ أم سنصنع مثلما فعل أولئك الذين رفضوا دخول العذراء بيتهم لتلِد أبنها وحيدها ؟ هل سيظل واقفاً على الباب و يقرع؟! تواضروس مرقس القمص. أخوتى الإحباء ليس كُل عامٍ جديدٍ هو التوقيت الوحيد الذى يُمكن أن نحتفل فيه بميلاد المسيح ، فإننا كُل يوم من الممكنِ أن نحتفل من خلالِ ميلادهِ داخل قلوبنا . فهيأت الكنيسة ذاك التذكار كى نتذكر عِظَم مراحم الرب معنا، فلتُدركُنا رحمتهُ جميع أيام حياتِنا و يُعينُنا أن نؤهِل قلوبَنا جميعاً كل يومٍ أن تكون مزوداً يولَد فيه المسيح و ينمو و يُنمّى داخلنا كُل ثمارٍ روحية و يُعيد علينا تلك الأيام المُباركة بكُل بهجةٍ روحيةٍ ويعين ضعفاتِنا له كل مجدٍ و أكرامٍ الى آبدِ الدهور . آمين.