أظهرت الدراسة التي أعدها الدكتور مجدي الداغر أستاذ تكنولوجيا الإعلام بجامعة المنصورة حول طبيعة المعالجة الإعلامية للثورات العربية وتأثيراتها على عملية التغيير السياسي والاجتماعي في المملكة العربية السعودية حالة الضعف التي سادت وسائل الإعلام السعودية المطبوعة والإلكترونية والقنوات الفضائية التابعة لها، وكذلك ضعف الخطاب الصحفي المقدم عبر الهيئات والمؤسسات الرسمية في المملكة وخاصة عند التعرض لمطالب المرأة السعودية وتحسين وضع السعوديين الشيعة في المنطقة الشرقية مقابل إبراز التغطية الإعلامية المكثفة للدور السعودي في بلدان الربيع العربى وخاصة في اليمن والبحرينوسوريا لوقف المد الشيعى- الإيرانى في المنطقة العربية، إضافة إلى أن الإعلام السعودي ساهم بالنصيب الأكبر في عملية صنع القرار داخل السياسة الخارجية السعودية تجاه الشيعة السعوديين في منطقة أبها والقطيف. وتشير الدراسة إلى تمتع المملكة بمكانة فريدة بين دول العالم الإسلامي حيث تُعد الدولة الإسلامية الوحيدة التي قامت على أساس الدين والدعوة إليه، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وأكدت عمليًا على مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، وتسوية المنازعات بين بلدان العالم الإسلامي، وتقديم الدعم الإقتصادى للدول العربية- والإسلامية ذات الإمكانيات والموارد المحدودة، فضلًا عن مناصرة الأقليات الإسلامية والدفاع عن قضاياهم والسعي نحو إيجاد الحلول المناسبة لها في إطار مجموعة المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة والتي تستهدف تحقيق التضامن الإسلامي الشامل، ودعم الأقليات الإسلامية والدفاع عن حقوقهم، وتقديم الصورة المشرقة للدين الإسلامي. وجاءت دراسة مجدي الداغر الأستاذ بجامعة المنصورة لترصد أوجه التحولات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في السنوات الخمس الأخيرة باعتبارها أبرز الدول العربية حضورًا في دول الربيع العربي، والكشف عن تصورات النخبة السعودية إزاء المعالجة الإعلامية السعودية لأحداث الثورات العربية والجوانب المهنية والأخلاقية التي اتسمت بها التغطية للأحداث والتي كان لها انعكاس واضح على عملية التغيير الاجتماعي في هيئات ومؤسسات المملكة الرسمية وغير الرسمية، وذلك بالتطبيق على عدد من الصحف السعودية اليومية بأنماطها المختلفة وتضم (جريدة الشرق الأوسط التي تصدر بلندن، جريدة الرياض، جريدة الوطن"، حيث تم تحليل مضمون نحو ثلاثة آلاف موضوعًا تناولت أحداث الربيع العربي بالصحف السعودية، إضافة إلى عينة بلغت (136) مفردة من النخبة الأكاديمية والإعلامية السعودية ورصد رؤيتها في شكل المعالجة السعودية للأحداث الجارية، ومفهوم الثورات العربية، وأسبابها، ومحركاتها، ونتائجها، وانعكاساتها على المملكة العربية السعودية. وكشفت دراسة الداغر عن حزمة من نقاط الضعف والقوة في الموقف السعودي من الثورات العربية، حيث حققت السعودية في البحرين نصرًا ثلاثيًا ضد أمريكاوإيران والمعارضة البحرينية، وتمكنت من وقف زحف الربيع العربي ليس في البحرين بل في عموم الخليج العربي، وخاضت معركة مهمة في الداخل لمنع وصول عدوى الربيع العربي إلى الداخل السعودي وتجاوزت ما سمى بيوم الغضب، وقامت بإجهاض العديد من المسيرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح السياسي وحقوق المرأة، وجاء إخفاق الدعوة للخروج في تظاهرات ثورة حنين إلى مجموعة من الأسباب أهمها الخوف من السلطة وعدم معرفة الجهة الداعية ليوم الغضب، علاوة على المكرمات الملكية السريعة بمبلغ 130مليار دولار التي أعلن عنها الديوان الملكي السعودي في 18 فبراير2011، وتضمنت زيادة الأجور في القطاع العام، صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، صرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي، اعتماد مخصص مالي شهري للعاطلين عن العمل، وضع حد أدنى لأجور السعوديين في القطاع الحكومي، استحداث 60 ألف وظيفة عسكرية في وزارة الداخلية، إنشاء 500 ألف وحدة سكنية في أنحاء المملكة، وزيادة الحد الأعلى للقروض السكنية إلى 133ألف دولار. وتشير الدراسة إلى أنّ المجتمع السعودي يعيش احتقانًا حقيقيًّا بسبب عدم وجود إصلاحات جوهرية، ووجود العديد من القضايا الداخلية بحاجة إلى معالجات سريعة وجدّية، فضلًا عن عدم فاعلية مجالس البلدية، وضعف فاعلية الهيئات المعنية بحقوق الإنسان، وهى مؤشّرات سلبية توحي بتراجع وانكفاء المشروعات الإصلاحية في المملكة مقابل إصلاحية اقتصادية وإدارية عديدة كإنشاء مركز قياس أداء الأجهزة الحكومية، وتطوير بعض الأنظمة الوظيفية مثل نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية ونظام العمل والعمال، وكان يفترض أن تؤدّي هذه المتغيّرات إلى رفع كفاءة استخدام الموارد البشرية والاقتصادية، إضافة إلى ما يعوّل عليها من توفير مصادر إضافية لتمويل خزينة الدولة، حيث مازالت البيروقراطية والفساد الإداري والمالي يحدّان وبشكلٍ كبيرٍ من فاعلية كلّ هذه المحاولات، ويقلّل من النتائج المرجوة من تلك الإصلاحات مستقبلًا. وترى الدراسة وجود تطوّرٌ جزئيّ في مجلس الشورى تمثّل في زيادة أعضائه إلى 150 عضوًا، وأصبحت المرأة عضوًا في المجلس لأول مرة في تاريخ المملكة (30 عضوة)،كما تمّت الموافقة على إصدار البطاقة الشخصية المستقلّة للمرأة، ودمج المؤسّسة التعليمية للبنات مع البنين لتخفيف هيمنة المؤسّسة الدينية على التعليم العامّ، وأجرى الملك عبد الله تعديلات وزارية واسعة شملت وزارات قضائية وعسكرية واقتصادية، وتم تعيين أول نائبة لوزير التعليم لشئون البنات، وأعاد تشكيل هيئة كبار العلماء لتشمل 21 عضوًا وتضمّ جميع المذاهب السّنية، فضلًا عن تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، والتي تمثّل خطوة إيجابية تعبّر عن رغبة المملكة في الإصلاح السّياسي، في حين تذكر العديد من البحوث والدراسات الأوروبية أنّ إقدام المملكة على هذه الخطوة إنّما جاء كشرطٍ لانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، بجانب الضغوط المتزايدة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لمزيد من الحريات، ورغم ذلك يرى البعض من المثقفين السعوديين من الشيوخ من بينهم الشيخ سلمان العودة، سفر النحو، وعايض القرنى وغيرهم، أن التغييرات لا زالت قليلة وغير كافية، وأنّ إيقاع التغيير مازال بطيئًا مقارنة بحجم التحدّيات التي تعيشها المملكة، ويطالبون بإصلاحات جوهرية. وتؤكد الدراسة أن السياسة السعودية تجاه الثورات العربية جاءت متغيرة وغير مستقرة في ذات الوقت؛ إذ بينما كانت سياسة السعودية تجاه ما حدث في كل من مصر وتونس واليمن معارضة لسقوط أنظمة الحكم في تلك الدول، فإنها تدخلت بشكل مباشر في الأزمة البحرينية، ثم آثرت عدم الظهور بشكل مباشر في كل من الأزمتين الليبية والسورية. كما تشير الدراسة إلى أسلوب المعالجة الإعلامية السعودية الهادئة للأحداث السياسية في المنطقة العربية، وذلك من خلال الدور التوفيقي القائم على تسوية الخلافات والحفاظ على الوضع القائم من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول العربية في أوقات النزاعات والأزمات، وإن اختلف هذا النهج جذريًا عام 2011م بسبب السياسة الإيرانية التي تستهدف التوسع في المنطقة على حساب دول الخليج، وانتقال مركز التأثير السياسي من القاهرة إلى دول الخليج، حيث ألقت المملكة العربية السعودية بثقلها الدبلوماسي في المنطقة للحد من توسع النفوذ الإيراني في الخليج أو في دول الجوار العربي، ومن ثم فهى تتفاوض مع جميع الأطراف السياسية بما فيها سورياوإيران لمنع أي صراع مستقبلي في المنطقة. وفى النهاية توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج أهمها تصدر الثورة السورية قائمة اهتمامات الصحف والقنوات الفضائية السعودية لأمرين أولهما طول مدة الثورة التي بدأت من فبراير 2011 وحتى نهاية 2015، وثانيهما أهمية سوريا بالنسبة للمملكة العربية السعودية وخاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع إيران من ناحية، والصراع الديني – بين السنة والشيعة في منطقة الخليج من ناحية أخرى، كما تأتى القضايا الاجتماعية في مقدمة اهتمامات الصحف السعودية اليومية نظرًا لكونها تشتمل على جوانب الحياة الإنسانية للأفراد ويندرج تحتها المشكلات السياسية والاقتصادية، واستحداث 1200 وظيفة لدعم البرامج الرقابية، ودعم ميزانية الأسر الفقيرة، والإعفاء عن عدد كبير من سجناء الديون، وكذلك وزيادة دعم الأندية الرياضية، ومنح عشرة ملايين ريال لكل جمعية مهنية، وإعانة مالية للباحثين عن العمل لعام واحد، وتخصيص عشرة ملايين ريال لكل ناد أدبي، وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة لتوفير فرص وظائف جديدة في القطاع الخاص للمواطنين برواتب مناسبة، ودعم أسعار المواد الغذائية الأساسية، وإعفاءً للقروض التي توفي أصحابها، بينما جاءت القضايا السياسية هي الأقل اهتمامًا نظرًا لحساسية تناول مثل هذه الموضوعات في الإعلام السعودي عامة، خاصة وأن التصورات السياسية المطروحة إعلاميًا عادة ما ترتبط بتصريحات الملك والحكومة التي يترأسها، ووزارة الخارجية التي تخضع لإدارة ولى العهد. ومع بداية الثورات العربية رفعت حركة "الشعب يريد إصلاح النظام"، الإلكترونية في السعودية عدة مطالب أساسية هي: ملكية دستورية تفصل بين الملك والحكم، ودستور مكتوب مقر من الشعب يقرر فصل السلطات، والشفافية ومحاسبة الفساد، حكومة في خدمة الشعب، انتخابات تشريعية، وحريات عامة واحترام حقوق الإنسان، مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، مواطنة كاملة وإلغاء كل أشكال التمييز بين السعوديين على أساس المذهب الدينى، إقرار حقوق المرأة وعدم التمييز ضدها، وقضاء مستقل، وتنمية متوازية وتوزيع عادل للثروة، ومعالجة جادة لمشكلة البطالة. كما أظهرت النتائج أيضًا وضع المرأة في المملكة العربية السعودية حيث تنص المادة 13 من النظام السعودي على مسئولية الحكومة في تعليم المواطنين دون تمييز، ومساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات اللازمة ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، كما يلزم الحصول على إذن من ولي الأمر للانخراط في التعليم، ولا يعاقب القانون ولا يجرم رفض الآباء أو إهمالهم لتسجيل أطفالهم في التعليم، بينما لا تستطيع الأمهات إلحاق أبنائهن بالتعليم دون موافقة الزوج، ويشترط عند ترشيح المرأة للمنح الدراسية الخارجية موافقة ولي الأمر، كما لاتزال صفوف التربية البدينة محظورة في مدارس البنات، على الرغم من الموافقة الملكية لمشاركة سعوديات في أولمبياد لندن عام 2012م، كما أصدرت وزارة التربية والتعليم توجيهات إلى جميع المدارس الحصول على تفويض مسبق من أولياء الأمور من أجل تقديم المساعدة الطبية لبناتهم في الحالات الطارئة، وذلك بعد وفاه طالبة بإحدى المدارس الثانوية في مدينة الطائف وهى في طريقها إلى المستشفى بعد وقوع حادث لها في المدرسة نظرًا لتأخر وصول ولي أمرها، كما يمكن للآباء المتسببين في وفاة أبنائهم تجنب تحمل المسئولية عن طريق دفع الدية، وهو ما حدث في قضية "لمى الغامدي" وهي طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات تعرضت للتعذيب حتى الموت على يد والدها،كما لا يتم إخلاء سبيل السجينات إلا بموافقة ولي الأمر أو محرم لهن، فالنساء المطلق سراحهن يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف، وكثير منهن يتعرضن للقتل بعد خروجهن، فقد قتل شاب أختين له عند إطلاق سراحهن من دار رعاية الفتيات بالرياض بعد أن علم بجريمتهما وهي التواجد في سيارة مع رجال غرباء، كما لا يمكن للمرأة المفرج عنها استئجار سكن، أو العمل، أو الحصول على وثائق رسمية بدون وجود أو موافقة من ولي أمرها وفي مارس 2011م تدخلت قوات أمن الجامعة والأمن العام لوقف مظاهرة للطالبات بجامعة الملك خالد، وهو ما خلف وفاه إحدى الطالبات أثناء محاولة قوات الأمن فض التظاهرة، بينما في نوفمبر 2011 قامت الصحفية منال الشريف برفع قضية ضد إدارة مرور الرياض، وذلك بتهمة التمييز العنصري ضد المرأة بعد أن رفضت الإدارة إصدار رخصة قيادة لها، أعقبها تظاهرة لمجموعة من النساء إثر احتجاز ثلاث منهن بمكتب ادعاء مكة خلعن عباءاتهن الكاملة في مول تجاري، وهو ما كان سببًا في صدور مرسوم من وزارة العدل بالموافقة على منح المحاميات السعوديات الحق في استصدار تصاريح مزاولة المحاماة، وقبل هذا المرسوم كانت السيدات المتخرجات في كليات الحقوق يُسمح لهن بالعمل كاستشاريات لكن لا يمثلن الموكلين رسميًا في المحاكم، وعليه ينطبق المرسوم الجديد على جميع السيدات الحاصلات على درجات علمية في القانون، وهو ما دفع بالمحاميات السعوديات الجدد إلى إدانة الحكم الصادر من محكمة جدة الجزئية على رجل قام بإلحاق الأذى البدني بزوجته، وكان سببًا في إصابتها بعاهات بالغة في وجهها، وكان الحكم عليه بأن يحفظ خمسة أجزاء من القرآن و100 حديث، وفي 5 يناير2013م قامت (18) سيدة بالتظاهر أمام ديوان المظالم "ببريدة" يحملن لافتات تطالب بمحاكمة ذويهم أو إطلاق سراحهم وقامت قوات الأمن بإغلاق جميع الطرق المؤدية للديوان، واقتياد المعتصمات إلى مديرية الشرطة بالقوة، وتم إحالة (7) منهن إلى سجن الصفراء ببريدة والباقون إلى دار رعاية الفتيات في الرياض، وتم الإفراج عنهن بعد توقيع تعهد بعدم الاعتصام من جديد باستثناء ريم المقبل، أمينة الراشد، مي الطلق، وريما الجريش، حيث تم نقلهن لسجن الحائر في الرياض وتم الإفراج عنهن بعد شهر من الحبس، وفى اليوم التالي واصل نحو 32 سيدة و11 طفل الاعتصام أمام المحكمة الكبرى رافعين لافتات بأسماء ذويهم المعتقلين، ومع استمرار الاعتصام بدأت الدوريات الأمنية بإغلاق الشوارع المؤدية للاعتصام والقبض عليهن، وهو ما دفع نحو 90 رجلًا و7 نساء و4 أطفال من أهالي المعتقلين للتظاهر اعتراضًا على ما يحدث من اعتقالات عشوائية، وفي مدينة الرياض اعتصمت 15 سيدة أمام مبنى حقوق الإنسان يطالبن الإفراج عن ذويهم، بينما في مكة مكرمة فقد اعتصمت 4 سيدات بحي العزيزية أمام أسواق بن داوود يطالبن بنفس المطالب، كما شهدت مدينة الجوف اعتصام 9 سيدات أمام جامع المعاقلة احتجاجًا على اعتقال أبنائهم، حيث قامت قوات الأمن بفض الاعتصام بالقوة. وتوصي دراسة مجدي الداغر بضرورة ابتعاد وسائل الإعلام السعودية عن التوجهات السياسية والأيديولوجية في نقل البيانات والمعلومات للقراء، وإعادة النظر في القوانين والأنظمة التي تعزز تقييد الحكومة لوسائل الإعلام وخاصة الصحافة المطبوعة والإلكترونية، وضرورة رفع سقف الحريات الإعلامية كي تستطيع وسائل الإعلام القيام بدورها الرقابي على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على أكمل وجه، وتسهم بفاعلية في عمليات التنمية الشاملة في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية.