ساهمت مواقع التواصل الاجتماعى فى زيادة سرعة نقل الأخبار والصور، لتصبح معظم الأحداث كمباريات كرة القدم، تبث على الهواء مباشرة، وأحيانًا نجد القتلى والمصابين يتساقطون أمام أعين المشاهدين، ونشاهد الخسائر المادية فى المنشآت والممتلكات العامة والخاصة تتطاير فى الهواء، ليبتهج فريق بالنصر ويتوعد فريق آخر بالانتقام لتزداد سرعة الدائرة الجهنمية التى تطال الجميع ولن ينجو منها أحد، تزداد يوميًا حالة الاستقطاب القائم بين الناس، فينقسمون لفريقين لا يتقابلان إلا فى حرب كلامية لا تنتهى وتبشر فى حالة استمرار الوضع بهذا السوء بنتائج كارثية. وعلى الرغم مما توفره وسائل ومواقع الإعلام الاجتماعى من مميزات وإضافات تسهل الكثير من الأمور الحياتية ، إلا أنها فى المقابل يتم استغلالها من قبل كثير من الأفكار المتطرفة للأطراف المختلفة، لنجد أنفسنا وقد قامت الحرب داخل المنازل ومؤسسات العمل والأماكن الترفيهية، وكل مكان نرحل إليه، فى الماضى كانت ساحات الحروب أماكن محددة على أطراف الدول تتقابل فيها الجيوش، ليحرز أحدهما النصر على الآخر، وانتهى الأمر، الآن أصبحت ساحة الحرب داخل البيوت عن طريق بث الإشاعات الإلكترونية للتفتيت والتشتت، ليسقط أبناء الوطن فريسة للأقوى إعلاميًا الذى يدفع التيار باتجاه مصالحه. تكمن المشكلة فى أن الإنترنت هو بيئة مفتوحة وغير محكومة بضوابط أخلاقية، فيستغل البعض ذلك فى النفاذ إلى مواطنى الدول الأخرى، ومن ثم إثارة الناس وتشجيع الخلافات بين الأفراد والجماعات ومحاولة هدم المجتمعات والدول سواء كان ذلك موجهًا بدافع حقد شخصى أو رغبة مجموعة معادية. وقد نشأ فى الفترة الأخيرة مصطلح مهم هو حروب الجيل الرابع، وسبب التسمية كما يوضحها الخبراء العسكريون، هو تمييزها عما سبقها من أنواع الحروب، فحروب الجيل الرابع، هى حرب تستخدم فيها الإمكانيات التكنولوجية المتطورة عن بُعد والحرب النفسية الإلكترونية على المجتمعات الافتراضية. كما يجب الأخذ فى الاعتبار أن أجهزة المخابرات العالمية لا تتفرج على ما يجرى من تغير فى أدوات الحوار والصراع الحديثة، فقد دخلت المجال بقوة وخاصة بعد أن أصبح الحديث بقوة عن أن الحروب الحالية والقادمة هى حروب إلكترونية أو كما يسمونها «حروب الفضاء الإلكترونى». وهناك مثال آخر من تلك الحروب يظهر فى حروب القراصنة، ففى بداية عام 2012 حدثت معركة بين قراصنة سعوديين وإسرائيليين حيث قام قرصان معلوماتية يطلق على نفسه اسم «أو إكس عمر» نشر تفاصيل آلاف بطاقات الائتمان الإسرائيلية، وتبع ذلك قيام قرصان معلوماتية يعرف عن نفسه باسم «أومير كوهين من إسرائيل» بنشر لائحة بتفاصيل بطاقات ائتمان صادرة عن مصارف سعودية. أما الأخطر من كل ذلك، فهو استغلال بيئة الإنترنت من جانب الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل داعش، فقد أصبحت لهم مواقع وقنوات فيديو وصفحات للتواصل الاجتماعى وميليشيات وكتائب إلكترونية تنتشر بحرية تحت أعين الجميع، ويقومون من خلالها بعمل بث للعمليات التى ينفذونها لتحقق عند عرضها نسبة عالية من المشاهدات، وتساهم فى نشر الرعب من كيان هو فى الأساس ظاهرة إلكترونية ثقافية. وقد انتبه العالم لذلك، فأعلن جهاز الشرطة الأوروبية منذ فترة أنه سيطلق وحدة لمحاربة جرائم المعلوماتية تغطى القارة الأوروبية بأكملها لمكافحة حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى تنشر دعاية الجماعات الإسلامية المتشددة. وينبغى فى النهاية أن نشير إلي أن المقاومة الإلكترونية يجب أن تبدأ من جانبنا، فتلك الحروب لن نكون فيها بمأمن من أحد، ولن يدفع ثمن الحرب فريق بينما ينام فيها فريق آخر وينعم بالسلم والهدوء وراحة البال.