أضخم فيلم في تاريخ المغرب ينال إعجاب الجمهور.. وغيرة السينمائيين وسخرية المثقفين وسط إجراءات أمنية مكثفة وغير مسبوقة وحضور "غربي"، وعالمي ملحوظ وانتقادات حادة من الصحافة المحلية، يواصل مهرجان "مراكش السينمائي الدولي"، دورته الخامسة عشر بخطا هادئة، مضطربة أحيانا، وهو ما يظهر في بعض التفاصيل التنظيمية الصغيرة، وبعض خفوت الألق والإبهار، اللذين كانا يميزان المهرجان عادة. تلقفت الصحافة المحلية خبرًا مزعجًا وهو اعتذار الممثل الأمريكي ويليم دافو في اللحظات الأخيرة عن عدم الحضور لتكريمه كما هو معلن للسخرية من المهرجان، وهو ما دعا السيد صارم الفاسي النهري، مدير المركز السينمائي المغربي، إحدى الجهات المنظمة للمهرجان، إلى التقليل من شأن اعتذار دافو، مؤكدًا أن المهرجان مستمر وناجح ولا يتوقف على حضور أو اعتذار أحد. جاءت تصريحات النهري في إطار المؤتمر الصحفي الذي عقد للإعلان عن بداية شراكة بين المركز السينمائي المغربي وشركة "أي سي فليكس"، التي تعمل في مجال تسويق الأفلام والمسلسلات وبرامج الأطفال العربية عبر الإنترنت، وفي مجال الإنتاج مؤخرًا. شركة "أي سي فليكس"، التي يوجد مقرها الرئيسي في دبي أظهرت حضورا ملحوظا في مهرجان مراكش، توجت به نشاطها في عدد من البلاد العربية مثل مصر ولبنان والخليج ثم المغرب. "أي سي فليكس" التي أنتجت عددًا من المسلسلات المصرية مثل "يوميات زوجة مفروسة جدا"، أعلنت عن بدء إنتاجها في المغرب العربي بفيلم للمخرج نور الدين لخماري صاحب فيلم "كازانيجرا" الذي أثار جدلا واسعا منذ عدة سنوات. يتهم المهرجان الذي يحتفل بعامه الخامس عشر بأنه تحول إلى منصة للسينما الفرنسية والأمريكية، وأنه لم يعد يقوم بدوره في دعم السينما المغربية، وأنه يتجاهل السينما العربية والأفريقية، كما يتجلى هذا العام في الغياب العربي شبه التام عن مسابقة المهرجان باستثناء فيلم مغربي وآخر لبناني، كما يمتد هذا الغياب إلى أقسام المهرجان الأخرى بما فيها قسم "نبضة قلب" الذي كان يضم عادة الكثير من الأفلام المغربية والأفريقية والعربية. وعلى عكس السنوات السابقة التي شهدت حضورًا مصريًا ملحوظًا، خاصة في العام الماضي الذي كرم فيه المهرجان عادل إمام وعرض فيلم "الفيل الأزرق" في مسابقته، وهو ما انعكس في حضور قوي للنجوم والإعلام المصريين، فإن هذا العام لا يوجد تقريبا أي حضور للسينما المصرية، وطبعا لا يمكن القاء اللوم في هذا على مهرجان مراكش فقط، وهناك أسباب أخرى منها عدم وجود أفلام مصرية جيدة تصل للمشاركة في مهرجانات دولية، وفضيحة عرض فيلمي "الليلة الكبيرة" و"من ضهر راجل" في مهرجان القاهرة الأخير لا تزال في الأذهان، كما أن الأفلام المعدودة التي تبشر بالخير اتجهت شرقا إلى الخليج حيث توجد صناديق الدعم والجوائز المالية المغرية. وسط هذه الأجواء الساخة عرض ليلة الخميس الماضي (10 ديسمبر) فيلم "المسيرة الخضراء" المغربي للمخرج الشاب يوسف بريطل، والذي تم اختياره للعرض خارج المسابقة، والكل هنا كانوا يترقبون عرض الفيلم لأسباب كثيرة. أول هذه الأسباب أن إنتاجه تكلف ثمانين مليونا من الدراهم المغربية، أو ما يعادل ثمانية مليون دولار تقريبا، وهو أضخم فيلم في تاريخ السينما المغربية، وربما العربية. السبب الثاني أنه أول فيلم يصنع عن حدث سياسي ووطني كبير وحاسم في تاريخ المغرب، وهو المسيرة الشعبية الضخمة التي دعا لها الملك السابق الحسن الثاني عام 1975، لحسم قضية "الصحراء المغربية"، التي كانت تتنازع عليها المغرب وموريتانيا والجزائر وأهل الصحراء أنفسهم لانتزاعها من فم الاحتلال الإسباني الذي سيطر عليها لأكثر من 75 عاما، مع العلم بأن الفيلم يعرض بالضبط في ذكرى مرور 40 عاما على المسيرة. السبب الثالث أن مخرج الفيلم يوسف بريطل شاب صغير، كان يعمل مقدما تليفزيونيا وممثلا، يتساءل الكثيرون هنا عن الظروف غير العادية التي أتاحت له الحصول على هذا الإنتاج الضخم من قبل اثنتين من شركات الانتاج الخاصة، بجانب دعم رسمي حكومي تمثل في توفير الكثير من الأماكن والمعدات، ومنها طائرات وسيارات تعود لفترة السبعينيات، وتقديم المساعدات الأمنية والتنظيمية أمام فريق عمل الفيلم. الحق يقال، شعرت شخصيا أن هناك تربصا مسبقا بالفيلم وصاحبه يخفي نوعا من الغيرة وقدرا من الخوف، الغيرة من الفرصة غير العادية التي حصل عليها مخرج ناشئ، والخوف من أن يؤدي فشل الفيلم إلى إحجام المنتجين والدولة عن دعم مثل هذه الأفلام الكبيرة، خاصة التوع التاريخي والوطني منها. شاهدت الفيلم في عرضه الأول والوحيد وسط هذه الأجواء المتوترة، وحاولت أن أحكم عليه بعيدا عن همهمات المثقفين الساخرة وضحكات وتصفيق الجماهير المتحمسة، وأستطيع أن أقول إنه فيلم متوسط فنيا، متوسط إنتاجيا، مقارنة بالمبلغ الكبير الذي أنفق عليه، ولكنه جيد جماهيريا من النوع الذي يستسيغه ويتعاطف معه الجمهور العادي، خاصة أنه يعج بالخطب والمواقف الوطنية الحماسية. تابعونا في تغطية المهرجان بمجلة "البوابة"، الاثنين القادم