يُعّد النرويجي بيورنستيارنه بيورنسون، أكثر شخصية بارزة في التاريخ المعاصر النرويجي، ويعتبر من أعلام أدباء النرويج، وجمعت موهبته بين الكتابة والرواية والشعر، وعمل طويلاً بالسياسة التي اشتهر بها هي الأخرى في دول اسكندنافيا كلها؛ واعتبروه واحداً من "العظماء الأربعة في الأدب النرويجي مع هنريك إبسن، ويوناس لي، وألكسندر كيلاند؛ ولا تزال النرويج حتى الآن تستخدم كلماته كنشيد وطني للبلاد. ولد بيورنسون في قرية كيفن شمال النرويج في الثامن من ديسمبرعام 1832، وكان ابناً لقس القرية التي تقع على بعد ستين ميلاً جنوب مدينة ترونديم، وهي بقعة منفردة قام بيورنسون بوصف مناخها والمناطق المحيطة بها فيما بعد، في واحدة من لوحاته القصيرة "بلاكن". في عام 1852 بدأ بيورنسون دراسته في جامعة فريدريك الملكية، وبعدها بثلاثة أعوام بدأ العمل الأدبي، وأصبح ناقداً مسرحياً وأديباً ومحرراً في كبري الصحف النروجية، والتي راح يعرض فيها أفكاره حول الإصلاح السياسي والاجتماعي داعياً إلى الليّبرالية والمثل الوطنية؛ وكان قد استلهم من نشأته الريفية أعماله الأدبية الأولى -التي حرِص أن يحمّلها مضمون الوعظ والإرشاد- والتي ظهر فيها دعوته لإذكاء جذوة الشعور بالفخر بتاريخ النروج، وإنجازاتها، وإيقاظ الروح الوطنية، وأكد فيها على الروابط التي تجمع النروج في أيامه بالماضي، بهدف رفع معنويات مواطنيه. أنتجت قريحة بيورنسون الشعرية عن أعمال عديدة، جُمع أغلبها في ديوان "قصائد وأغان" الذي يحوي بين دفتيه قصيدة "نعم نحب هذه الأرض إلى الأبد" والتي شكلت كلماتها النشيد الوطني النرويجي، وتنوعت أعماله الأخرى بين المسرحيات، والقصص الطويلة، فمسرحيته التاريخية المؤلفة من فصل واحد بعنوان "بين المعارك" مستوحاة من القصص التاريخية الاسكندنافية، وكذلك مسرحيتي "المحرر"، والتي عرض فيها مشكلات مهنة الصحافة، و"المفلس" التي هاجم فيها الخداع في التعامل التجاري، فأكسبتاه سمعة عالمية، وصار بفضلهما مؤثراً في الأدب الأوربي؛ كما كتب مجموعة من القصص الطويلة منها "الولد السعيد" التي عدّها الدارسون أبرز الكتابات الإبداعية الرومانسية الوطنية النروجية. عالج بيورنسون في أعماله المسرحية والروائية مشكلة عدم التسامح السياسي، وضرورة حدوث التغيير الاجتماعي، وأن مثل هذا التغيير يجب أن يبدأ من المدرسة وهو ما بدا في مسرحيتيه "الملك" و"النظام الجديد"، ويمكن القول بأن الجانب السياسي في فكره وممارسته كان حاضراً دائما،ً وتجلّى في صولاته وجولاته السياسية وسجلاته الأدبية؛ وكان لمسرحياته أثرٌ بالغ في تأسيس ما عرف بالواقعية الاشتراكية، وكان له الفضل في حل النزاع السويدي النرويجي، وكذلك في حل الاتحاد الذي كان قائماً بين الدولتين بشكل سلمي. شغل بيورنسون منصب قائد الحركة الوطنية النرويجية، ثم انتقل الي مدينة كريستيانيا وكتب كلمات النشيد الوطني النرويجي عام 1863 ثم أصبح بعدها مديراً لمسرح برجن، ثم أدار مسرحه الخاص من عام 1870 حتى عام 1872، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1903؛ وقضى المرحلة الأخيرة من حياته في عمل دؤوب وترحال دائم، فكان يتحدث ويكتب بلا كلل أو ملل دفاعاً عن السلام والتفاهم الدولي، وأمضى جزءاً كبيراً من حياته خارج النروج متنقلاً بين الدنمارك، وفرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، ورحل عن عالمنا وهو في باريس في 26 أبريل عام 1910.