أكدت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن مؤتمر المناخ الدولي (COP21)، الذي سيعقد في باريس في نهاية الشهر الجاري، سيشكّل فرصةً فريدة للمجتمع الدولي من أجل التئام الشمل والتدليل على الالتزام بأهداف جدول أعمال محو الجوع بحلول عام 2030، وبأهداف التنمية المستدامة، لاسيما في أعقاب جرائم الإرهاب البربرية الأخيرة. وقالت المنظمة - في بيان اليوم الخميس - إن المؤتمر سيكون أنسب طريقة للترويج لعالمٍ أكثر إنصافًا وأمنًا وشمولية لكل الأطراف، دون أن يُهمَل أحدٌ أو يتخلّف عن الركب، مشيرة إلى أنه لا سلام ممكن بلا تنمية مستدامة، وأنه لن تتحقق التنمية المستدامة ما دام ثمة مَن يشعرون بأنهم مستبعدون، وإذ ما زال هناك مَن يعاني الفقر المدقع والجوع المزمن. ورأت المنظمة أن الحل من أجل عالم أفضل، لا بد أن يأتي شاملًا للجميع، وعلى النحو الذي يشكل فعليًا، قلبًا وقالبًا، لجدول أعمال عام 2030، سواء بالنسبة لعمومية الأهداف، أو طابع التضامن، أو شرط الشمولية للجميع، كمكونات متكافئة لمعادلة التنمية المستدامة. وأكدت "فاو" أن قضية تغير المناخ، تمثل، بلا شك، القاسم المشترك بين كل من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، المترابطة فيما بينها جميعًا. لافتة إلى أن هدف التنمية المستدامة الثالث عشر يتناول قضية تغير المناخ تحديدًا، وينص على أن البلدان لا بد لها أن تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة وآثارها، لأن الإخفاق في تلك المهمة إنما يعرِّض جميع الأهداف الإنمائية الأخرى للخطر، ولا سيما هدف محو الجوع. وأضافت المنظمة أنه أصبح اليوم من المتعين على البلدان التي ستلتقي في محفل المؤتمر العالمي للمناخ بباريس، أن تضع في اعتبارها جيدًا أن من غير الممكن للعالم التخلّص من لعنة الجوع بمعزل عن صدّ الآثار الضارة للتغير المناخي، وخاصةً بقدر ما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي والتغذوي. ولفتت المنظمة إلى أنه وبعد أن كان حلمًا يراود البعض، أضحى هدف اجتثاث الجوع العالمي إمكانية في متناول أيدينا. فنحن ننتج ما يكفي من الغذاء، ونمتلك التكنولوجيا، وندرك ما هي السياسات والإجراءات التي تغل أفضل النتائج عمليًا. لكن تغير المناخ بما في ذلك الأحداث المناخية المتطرفة والأكثر تواترًا باستمرار، بات يمثل حاجزًا يعترض طريق بلوغ هذا الهدف. وأشار البيان إلى أن ارتفاع درجة الحرارة فوق ظهر الكوكب يؤثر على إنتاج الغذاء، حيث تتناقص غلة المحاصيل الغذائية الأساسية باستمرار، وبحلول عام 2050 من المرجح أن انخفاضات بمعدل يتراوح بين 10-25 في المائة ستصبح أمرًا واسع الانتشار. وأضافت المنظمة أن موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر باتت تهدد، على نحو متزايد وخطير، حياة ومعيشة الفئات السكانية الأشد ضعفًا، وأن مثل هذه الكوارث المرتبطة بالمناخ عن كثب إنما تساهم إلى حد بعيد في تفاقم الخسائر الاقتصادية وحركة النزوح السكاني، لاسيما في ظل تنامي عدد سكان العالم بوتيرة أسرع لدى البلدان الأكثر عُرضة لأسوأ عواقب التغير المناخي. وقالت "فاو" إنه نظرًا إلى أن التغير المناخي يقوِّض سبل معيشة الفقراء وأمنهم الغذائي - حيث يعيش 80 بالمائة من فقراء العالم في المناطق الريفية ويعتمدون على الزراعة والغابات ومصايد الاسماك - فإننا بحاجة اليوم إلى إطار عالمي لدعم التنمية والنمو مع الحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكبنا، وبخاصة في المناطق الريفية. وتمثل الأهداف الإنمائية المستدامة جزءًا جوهريًا في مثل هذا الإطار". وعبّرت المنظمة عن أملها في أن يُستكمل هذا السياق بالتئام شمل البلدان في باريس خلال أقل من أسبوع للتفاوض على اتفاق عالمي جديدٍ للمناخ يستند إلى وقف الزيادة في درجات الحرارة العالمية بمقدار دون درجتين مئويتين. مؤكدة أن هدفها الأسمى يظل هو ضمان الأمن الغذائي الشامل للمجموع العام ولمختلف الأفراد، وترسيخ هذا المفهوم كمحور للنقاش حول تغير المناخ. وأشارت إلى أنه بينما يتعين على البلدان أن تتمكن من تنفيذ الحلول وتوسيع نطاق إجراءات التكيُّف والتخفيف إزاء التغير المناخي، فإن تحقيق هذه الغاية تقتضي من مؤتمر باريس أن يتبنّى إطارًا يتسع في آن واحد لدعم عمليات نقل التكنولوجيا، وتنمية القدرات، وتعبئة التمويلات.. منوهة إلى أنه من شأن هذه الجهود أن تعود بالنفع على الجميع بلا استثناء. ودعت المنظمة على وجه الخصوص، إلى تعزيز سبل معيشة صغار المزارعين وصيّادي الاسماك وسكان الغابات الأشد تعرضًا من غيرهم لخطر انعدام الأمن الغذائي والأكثر تأثرًا بعواقب تغير المناخ، ولا سيما في الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان غير الساحلية، وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة. حيث أن التكيف بالنسبة لهؤلاء وأولئك، يرادف ضمان الغذاء اليومي لا أقل. وقالت المنظمة إن المزارعين وصيادي الاسماك وأبناء الغابات- صغارًا كانوا أم كبارًا، ولدى البلدان المتقدمة أو النامية على حد سواء- هم أكثر من مجرد منتجين للمواد الغذائية.. فهم بالأحرى أوصياء على أمن الكوكب، وقيّمون على مواردنا الطبيعية نيابةً عنا جميعًا. ومن ثم، فإنهم جزء مركزي في أي حل، ولا يمكن بحال أن يتحمّلوا وحدهم عبء وتكلفة التعامل مع آثار تغيّر المناخ. وأكدت "فاو" الالتزام بالمساهمة بخبراتها الفنية وتجاربها التقنية، خاصةً في المناطق الريفية، لمساعدة السكان ذوي الشأن على كسر حلقات الجوع والفقر، ولا سيما وسط ظروف التغير المناخي الجاري. وشددت المنظمة على أن الشراكات هي بلا شك أساسٌ لتبادل المعارف والخبرات والموارد بشأن القضايا الإنمائية. والآن هو الوقت المناسب لتوثيق عرى هذه العلاقات؛ وفقط عبر العمل المشترك يمكننا أن نضمن أن التقدم الذي أحرزناه على جبهة الأمن الغذائي لن يتعرض للمساس به من جرّاء تغير المناخ وآثاره. وأضافت أنه "لذلك فمن المحتم أن نحدد أولوياتنا ونضع الأمن الغذائي أولًا. وعلينا أن ندرك أن القطاعات الزراعية، بما في ذلك الزراعة والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الاسماك، التي يعتمد عليها معظم فقراء العالم- تتشابك مع تطورات التغير المناخي... وأن الحلول من جانب أول ستعود بالفائدة على الجانب الثاني. واختتمت المنظمة بيانها بالقول "إن الدعوة إلى العمل الجماعي لا بد أن تضع في اعتبارها بوضوح أن تحقيق الأمن الغذائي والتغذية الكافية للجميع ولكل فرد، وسط تزايد عدد السكان، وفي ظل مناخ متغير، وموارد محدودة أو متناقصة... إنما يفرض علينا أن نتعلّم كيفية إنتاج المزيد بتكلفةٍ أقل".