أزاح الكاتب الصحفي خالد صلاح، رئيس تحرير «اليوم السابع»، الستار عن معضلة حقيقية تؤرق مستقبل الصحافة الإلكترونية، وحالة السعار التي اجتاحت المنظومة الإعلامية في مصر، لزيادة حجم المشاهدات «الترافيك»، على مواقعها، فوقعت فريسة لوحوش كاسرة ولوبي مصالح يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، والعملاق العالمي «جوجل». فتحت عنوان «الصحافة الإلكترونية المصرية وعمالقة محركات البحث والسوشيال ميديا»، صال الزميل خالد صلاح، يفند كيف وقعت المواقع فريسة لتلك الوحوش التي لا ترحم، وكيف أصبحت ك«الإبرة تكسي غيرها وهي عريانة». مقال رئيس تحرير «اليوم السابع»، نجح في هدفه الأول، وهو إثارة بعض التخوفات لدى الكثير من صناع الإعلام الإلكتروني، وألقى حجرًا في الماء الراكدة، وفجر وابلاً من التساؤلات ك«هل نعود للصحافة الورقية مرة أخرى؟» و«هل أصبحت الصحافة الإلكترونية على فراش الموت».. إلخ، واختصارًا يجب أن نعلم أن الحقيقة الوحيدة هي أن «الصحافة الورقية ماتت.. والميت لا يعود للحياة مرة أخرى» والصحافة الإلكترونية ستقود العالم شئنا أم أبينا، لكن فقط نحتاج بعض التعقل. في الحقيقة أصاب رئيس تحرير «اليوم السابع»، في 60% فقط فيما قال، فالعبودية التي أصبحت فيها المواقع الإلكترونية خاضعة كليًا، لتلك الوحوش الكاسرة، وأثر ذلك كثيرًا في سوق الإعلانات، وتسببت في خسائر حقيقية، خصوصًا للمنظومات الإعلامية المؤسسية الخاصة التي ليس وراءها حكومة تنفق عليها الملايين، بصرف النظر عن العائد المادي أو حتى المردود السلبي التي تتركه في نفوس القراء. الحقيقة أيضًا أن كل ما أثير من تخوفات هي محل نقاش عالمي منذ 4 سنوات تقريبًا، يعرف ذلك المتابعون لتطورات الصحافة الإلكترونية، والمهتمون بمستقبلها، وهناك الكثير من المحاولات التي تمت في ذلك الإطار، بعضها فشل في إيجاد حلول واقعية لسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على المحتوى الرقمي، والبعض لايزال يقاوم. قبل أن نضع حلولاً لتلك المعاناة، إذا تمهلنا قليلا سنجد أننا نعاني من واقع مرير في أغلب المواقع الإلكترونية، فالغالبية العظمى لديها أزمة حقيقية في التمويل، فضلا عن أن معظم المتصدرين للمشهد الصحفي لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بطبيعة الوسيلة الإعلامية، وبالتالي أصبح قادة سفينة الصحافة الإلكترونية بلا خطة أو رؤية، وهو ما أثر بالسلب في نوع المحتوى الصحفي، لأن القائد نفسه لا يعرف طبيعة القارئ الجديد، الذي يتمتع بذكاء أكبر كثيرا من الذي تعودت عليه الصحافة الورقية، وبات تحت يده كل مفاتيح المعرفة، ناهيك بالأزمة الكبرى المتمثلة في عدم ثقة كبار المعلنين في المواقع لعدم وجود رقيب قانوني عليها، كل ذلك بخلاف الطامة الكبرى التي أضاعت المهنية وحق الملكية الفكرية المتمثلة في الاستنساخ. لكن كل ذلك لن يجعلنا نحن صناع الإعلام الإلكتروني، أن نكون ك«طبيب يداوي الناس وهو عليل»، أو ك«المحتمي ببيت العنكبوت»، أو يدفعنا إلى أن «نذبح الطاووس لجمال ريشه»، ف«لكل داء دواء يستطب به»، فيجب أن نخوض عراك المنافسة بكل قوة، ف«عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء» مهما فعلنا. وهنا يأتي السؤال، هل تستفيد تلك الوحوش الكاسرة «مواقع التواصل الاجتماعي وجوجل» من المحتوى الصحفي الذي نعرضه من دون مقابل، في الحقيقة هذا ليس صحيحا تمامًا، فنحن نستفيد منها بشكل كبير، في زيادة القراء فأي موقع إخباري يجلب ما يقرب من 70% على الأقل من زواره من تلك المواقع، أي أننا ندين بالفضل لتلك المواقع أيضا، لكن هذا المقابل في الوقت نفسه لم يعد مرضيا، فنحن من ينتج ويحصل على المعلومة، ونتكبد المعاناة من أجل السبق والانفراد، وننفق الكثير من الأموال على التدريب، والتنمية البشرية، وأموالا طائلة قد تدفع للحصول على معلومات تساعدنا في الريادة، بل أصبحنا نعمل 24 ساعة لنقدم خدمة متميزة، ونتنافس فيما بيننا على أسبقية النشر، وتحدث أحيانا الأزمات بداخل صالة التحرير لو تأخر نشر الخبر لحظات. في الحقيقة تلك المواقع تلعب نفس دور الموزعين في الصحف الورقية، ومن حقهم الحصول على مكاسب مقابل عرض المنتج الصحفي على الجمهور، لكن يجب أولًا أن نفرق بين «فيس بوك» و«جوجل»، فالموقعان مختلفان تماما، الأول يمارس سياسات احتكارية واضحة، يتحكم في كل المنشورات، وحجم وصول المنشورات الخاصة بالمواقع للمتابعين، ويرفع شعار «تدفع تاخد قراء.. ماتدفعش ماتاخدش»، ورغم كل ذلك يستفيد من وراء محتوى صحفي في الأصل ليس ملكه، في المقابل لك زواره فهم منتجوه، في حين نجد «جوجل» يرفع شعار «دعونا نربح معا»، ويساعدك في نشر المحتوى الخاص بك بشكل مستمر، ويحصل على ما يقرب من 30% من قيمة الإعلان، تقل تدريجيا لتصل إلى 15% فقط. السياسات الاحتكارية ل«فيس بوك» دفعت بعض المستثمرين لتأسيس موقع تواصل جديد يساعد في القضاء على كل تلك السلبيات وهو موقع «تسو»، يحصل فقط على 10% من قيمة الإعلانات، ويتقاسم باقي النسبة مع مشتركيه، واستطاع بعد مرور عامين فقط، أن يحقق نجاحا واسعا، فهو يشبه «فيس بوك»، و«تويتر» و«جوجل»، لكنه في النهاية مجرد محاولة لا علاقة لها بأزمة الصحافة الإلكترونية، لكن وجب ذكرها لتأكيد أن هناك محاولات جدية للقضاء على احتكار تلك المنظومات للسوق الإعلانية الإلكترونية والمحتوى الرقمي. أعترف أن الأمر أصبح معقدا، ونحن السبب في ذلك، فقد أسهمنا وشاركنا في الدعاية لتلك المواقع منذ أن صدرنا لرجل الشارع العادي أن «فيس بوك» هو صانع ثورة يناير، وأنشأنا أقساما متخصصة لمتابعة كل شاردة تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت حياتنا عبارة عن تدوينات ومنشورات، وأصبح قسم «سوشيال ميديا» أهم الأقسام في أي موقع، بل وصلت الحال إلى أن أصبح كل من يعرف قليلا عن كيفية الحصول على الزيارات الوهمية رئيسا أو مديرا لتحرير كبرى المواقع أو مستشارا يتقاضى أموالاً طائلة، ناهيك بالانحطاط الصحفي الذي أصبح يزين قائمة الأكثر قراءة، فأصبحنا نخاطب الأجساد لا العقول، إنه الواقع المؤلم وهذا ما زرعته أيدينا بكل إصرار وبمنتهى السعادة. دعونا نكف عن البكاء على اللبن المسكوب ونبدأ من جديد، بطريقة صحيحة، لماذا لا يجتمع صناع الإعلام الرقمي، ويذهبون جميعا إلى «جوجل» ويعقدون صفقة جديدة، لماذا لا نصطاد في بيت الأسد نفسه، لماذا لا نكسب الشهرة والزوار والربح في نفس الوقت، نستطيع أن نفعل ذلك. نستطيع أن نجلس ونتحرك معا، لتنفيذها على أرض الواقع ونذهب معا إلى «جوجل»، وسيرحب ويتجاوب مع كل مطالبنا، وسنكون نواة حقيقية لتغيير شامل في مستقبل هذه الصحافة، فنحن بالفعل عبيد للشركات المالكة ل«الدومين»، وقريناتها المالكة ل«السيرفر» ولا نملك فعل أي شيء تجاهها، بل عبيد لأمريكا التي تملك كل شيء في هذا الفضاء الإليكتروني، وتستطيع وحدها المنع والمنح متى شاءت. هذه ليست النهاية بل البداية، هناك رؤية كاملة سيتم طرحها، ستحقق ربحا وفيرا لصناع الإعلام الإلكتروني، سنتعرض لها بالتفاصيل في وقت لاحق. للتواصل: [email protected] علي التركي مدير عام تحرير موقع وجريدة البوابة