إعداد: أحمد صوان إشراف: سامح قاسم اشتهر عميد الأدب العربي طه حسين بعقليته المُستنيرة وآراءه الصادمة، واشتهر دومًا بمعاركه المُثيرة للجدل أمام العقليات المُغلقة التي سادت عصره؛ وكان مثقفًا شاملًا استطاع الإلمام بالعديد من العلوم التي برع فيها بدوره ولم يكتف بتعلمها؛ ووصل به الأمر أن تم التحقيق معه بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي اتهمه فيه الأزهريون والمحافظون بالإساءة للإسلام ونبيه. النشأة ولد طه حسين في 15 نوفمبر عام 1889 في عزبة الكيلو الواقعة، على مسافة كيلومتر من مدينة مغاغة بمحافظة المنيا، وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر، وكان يعول ثلاثة عشر ولدًا سابعهم هو طه الذي فقد بصره في السادسة من عمره نتيجة الفقر والجهل، وحفظ القرآن الكريم كاملًا، قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلبًا للعلم؛ وهناك تتلمذ على الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على طرق الاتباعيين من مشايخ الأزهر، فانتهى به الأمر إلى الطرد من الأزهر. دراسته في عام 1908 التحق طه حسين بالجامعة المصرية، وتلقى دروسًا في الحضارة الإسلامية، الحضارة المصرية القديمة، الجغرافيا، التاريخ، اللغات السامية، الفلك الأدب، والفلسفة على أيدى أساتذة مصريين وأجانب؛ وفى تلك الفترة قام بإعداد أطروحة الدكتوراه الأولى في الآداب، والتي ناقشها في مايو 1914 عن أديبه المُفضل أبي العلاء المعري، والتي شهدت ضجة وجدل واسع؛ ليرحل بعدها في عام 1914 ويلتحق بجامعة مونپلييه في فرنسا، ويتلقى دروسا في التاريخ ثم في الاجتماع، والذي حصل فيه على الدكتوراه عام 1919، عن ابن خلدون، ثم حصل في نفس العام على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية، وكان قد اقترن قبلها بعامين بفتاة فرنسية هي سوزان، والتي التي كانت لها أثر ضخم في حياته عاد طه حسين إلى مصر عقب حصوله على الدكتوراه، وتم تعيينه أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني -واستمر كذلك حتى عام 1952 عندما تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام إلى جامعة حكومية، وعُيّن أستاذًا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب- وما لبث أن أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي"، الذي أحدث عواصف من ردود الفعل المعارضة، وتم اتهامه بنقل أفكار المستشرق الإنجليزي مرجليوث، والتي صدرت في كتاب قبيل إصدار كتابه بنفس الأفكار، حيث أسهم في الانتقال بمناهج البحث الأدبي والتاريخي نقلة كبيرة فيما يتصل بتأكيد حرية العقل الجامعي في الاجتهاد. مناصبه في عام 1942 أصبح الدكتور طه حسين مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، حتى أُحيل للتقاعد في أكتوبر 1944؛ وكان قد ظل يثير عواصف التجديد حوله في مؤلفاته ومقالاته وإبداعاته، واستمر في إثارة الجدل بينه وبين تيارات أخرى طوال مسيرته التنويرية التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قط، فحين كان عميدًا لكلية الآداب رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين، ووواجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان، ما أدى إلى طرده من الجامعة، والتي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة إسماعيل صدقي باشا، ولم يكف عن الحلم بمستقبل الثقافة والانحياز إلى المعذبين في الأرض في الأربعينات التي انتهت بتعيينه وزيرًا للمعارف في حكومة الوفد عام 1950، فوجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير "التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن"؛ وكانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها، حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته عام 1973 إلى الإنتاج الفكرى والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضوًا بها من داخل وخارج مصر؛ وظل يكتب في عهد ثورة يوليو، إلى أن توفي جمال عبد الناصر، وقامت حرب أكتوبر التي توفي بعد قيامها في الشهر نفسه عام 1973؛ كما كان قد تولى عدة مناصب أخرى منها عضوية المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وكان مقررا للجنة الترجمة والتبادل الثقافي بالمجلس منذ إنشائه عام 1958 وحتى وفاته.؛ وشغل منصب مدير الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، ورئيس المجمع اللغوى بالقاهرة من عام 1963 وحتى وفاته؛ كما كان عضوًا مراسلًا في الأكاديمية التاريخية الملكية بمدريد، والمجمع العلمى ببغداد، ورئيس نادي القصة، رئيس نادي الخريجين المصرى. المحاكمة كان النائب العمومي قد تلقى عدة بلاغات تفيد كلها بأن طه حسين قد تعدى بكتابه على الدين الإسلامي، أولها بتاريخ 30 مايو 1926 من الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالي بالأزهر، والذي اتهمه بأنه ألف كتابًا اسماه "في الشعر الجاهلي" ونشره على الجمهور "وفي الكتاب طعن صريح في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي"؛ وفي 5 يونيو أرسل شيخ الأزهر خطابًا يبلغ به تقريرًا رفعه علماء الأزهر عن كتاب طه حسين "الذي كذّب فيه القرآن صراحة، وطعن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأهاج بذلك ثائرة المتدينين"، وطلب تقديم طه حسين للمحاكمة؛ وفي 14 سبتمبر تقدم عبد الحميد البنان أفندي عضو مجلس النواب ببلاغ آخر ذكر فيه "أن الأستاذ طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع كتابًا طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي". وأجمل محمد بك نور رئيس نيابة مصر الاتهامات الموجهة ضد طه حسين في أربعة نقاط، أنه أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل، وأنه طعن على النبي صلى الله عليه وسلم من حيث نسبه، وما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها، والرابعة أنه أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم؛ وقد حقق طويلًا مع طه حسين، وجادله، ثم قرر حفظ القضية رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين. اتهم طه حسين كذلك بمحاباة الحركة الصهيونية، عندما أصدر مجلة "الكاتب المصري" في أكتوبر عام 1945 بتمويل من شركة تملكها أسرة هراري اليهودية المصرية، وهي شركة تحمل اسم الكاتب المصري، وكانت متخصصة في الطباعة وبيع الآلات الكاتبة وأجهزة تصوير المستندات وغيرها، وبعد أن صدرت هذه المجلة بدأت حرب الإشاعات القاسية ضد طه حسين ومجلته، وأخذ المنافسون الذين يحسدونه على ما وصل إليه من مكانة في المجتمع والأدب يشنون عليه حملات تتهمه بأنه يصدر مجلته بأموال الصهيونية التي ابتلعت فلسطين وتريد أن يكون لها دعاة في مصر وأجهزة إعلام تدافع عنها وتساند آراءها ومواقفها المختلفة؛ وتوقفت المجلة في شهر مايو 1948، وهو الشهر الذي شهد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. صدرت عن طه حسين عدة مؤلفات، منها "طه حسين الكاتب والشاعر" لمحمد سيد كيلاني، و"مع طه حسين" للكاتب السوري الراحل سامي الكيالي، وقد أصدرت عنه مجلة "الأدب" التي كان يصدرها أمين الخولي عددًا خاصًا، كما أصدرت مجلة "الهلال" عددًا خاصا عنه، وخصّص له الأديب الراحل صلاح عبد الصبور فصلًا في كتابه "ماذا يبقى منهم للتاريخ؟"، وصدر عنه كتاب في العراق بعنوان "طه حسين بين أنصاره وخصومه"، وكذلك كتبت عنه مقالات ودراسات متفرقة في ثنايا كتب ودراسات أدبية بأقلام شوقي ضيف، على الراعي، عبد المحسن طه بدر، أحمد هيكل، محمد محمود شاكر، وغيرهم.