لعل الحضور النسائي الظاهر في انتخابات مجلس النواب التي اختتمت مرحلتها الأولى، وشملت 14 محافظة بأرض الكنانة يدحض النظرة الاستشراقية حيال المرأة المصرية، والعربية التي تتجلى في بعض وسائل الإعلام الغربية الساعية لاصطناع ما قد يبدو غريبا، ومثيرا للمتلقي في الغرب. وبقدر ما يبرهن هذا الحضور المبهج على ما وقر في الوجدان المصري، والعربي من أن "النساء شقائق الرجال"، فإنه يشكل لحظة تاريخية فريدة في بنية الثقافة السياسية المصرية، فيما يبقى التصويت دالا على ممارسة المسئولية الديمقراطية. ولا تبدو هموم، واهتمامات، وتطلعات النساء في مصر بعيدة أو منفصلة عن هموم، واهتمامات، وتطلعات الرجال على امتداد الوطن، والشعور المشترك بالأولوية المطلقة لإنعاش الاقتصاد، وتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية، وهو ما تجلى بوضوح في تعليقات "شقائق الرجال" اللاتي اصطففن في صفوف تطول أحيانا عن صفوف الرجال. ومن الطبيعي ألا يغيب الحضور النسائي عن المشهد الانتخابي تماما كما كان ظاهرا إبان أيام ثورتي 25 يناير 2011، والثلاثين من يونيو 2013. وإذا كان احترام نتائج الصندوق هو جوهر فلسفة العملية الانتخابية في أي نمط ديمقراطي، فإن علماء السياسة يتفقون على أن مدى مشاركة المرأة في العملية الانتخابية تصويتا، وترشيحا مرتبط بمستوى تطور المجتمع في بنيته الاقتصادية، والاجتماعية، وبنيانه السياسي، والثقافي. واللافت في الانتخابات البرلمانية الحالية مشاركة النساء على اختلاف شرائحهن الاجتماعية، ومستوياتهن التعليمية وتوجهاتهن الفكرية، والسياسية بما يعكس إدراكا، ووعيا بأهمية المرحلة القادمة، والمشاركة في بناء المستقبل الأفضل. وفيما يناقش محللون، ومعلقون في الصحافة المصرية المسائل المتعلقة بالحضور الانتخابي وسط شعور بأن نسبة الإقبال على اللجان الانتخابية في المرحلة الأولى لم تكن على المستوى المأمول، فإن الحضور النسائي يبقى قضية مهمة في سياق العملية الانتخابية الحالية، وفلسفة احترام خيارات الناخبين، و"الثقة في شعب مصر، وقدرته على الاختيار". وانتقدت الأديبة، والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد ما وصفته " بدور الأحزاب غير الفعال في زيادة وعي الناخبين بالعملية الانتخابية"، معتبرة في تصريح متلفز أن ذلك قد انعكس على نسبة المشاركة بعملية التصويت. ومع ذلك لفتت صحف، ووسائل إعلام إلى أن الحضور النسائي في الانتخابات البرلمانية الحالية ظاهر وقد يشكل "ظاهرة" في مقابل إحجام بعض الناخبين من الذكور عن أداء واجبهم الانتخابي، فيما حرصت بعض السيدات على اصطحاب أطفالهن أثناء أداء هذا الواجب الوطني، والحق السياسي، وهو ما قد ينعكس إيجابا على تنمية الوعي الانتخابي، وممارسة الحقوق السياسية للأبناء. ونقلت صحف ووسائل إعلام عن اللجنة العليا للانتخابات أن مشاركة النساء كانت غالبة في اليوم الأول للانتخابات البرلمانية، وبلغت أربعة أضعاف مشاركة الرجال، كما أعلنت اللجنة أن الفئة العمرية الأكثر مشاركة كانت فوق ال61 عاما والفئة الأقل مشاركة من 18 إلى 21 عاما. وكانت القانونية والمثقفة المصرية الدكتورة ليلى تكلا قد أكدت على خصوصية الانتخابات البرلمانية الحالية وظروفها غير المسبوقة وأهمية مجلس النواب القادم في دعم "تجربة الديمقراطية الوليدة"، موضحة أن هذا المجلس سوف يواجه "مسئوليات ضخمة غير مسبوقة تشريعيا وتنفيذيا وإداريا وعليه سن عدد هائل من القوانين ومواجهة كثير من المشكلات". وفيما أثيرت تساؤلات حول مواقف الإعلام حيال قضايا المرأة، ذهب معلقون إلى أنه لا يجوز النظر لقضايا المرأة باعتبارها قضايا فئوية ودعوا وسائل الإعلام للمساعدة في تغيير الثقافة المجتمعية السائدة وتعبئة الرأى العام لمساندة قضايا المرأة التي هي جزء من قضايا المجتمع. فالمرأة في كل المجتمعات هي حافظة الهوية والوطن وبدون مشاركتها الحقيقية لن تتحقق التنمية المنشودة فيما يتوجب زيادة نسب ترشيح النساء في الانتخابات على القوائم الانتخابية للأحزاب ودعم فرص الحضور النسائى في مجلس النواب. وحسب إحصاءات معلنة فإن نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات على مستوى العالم لا تتجاوز 13 في المائة من مجموع أعضاء هذه البرلمانات وقد يشعر البعض بالدهشة حيال حقيقة مثل وجود الولاياتالمتحدة ضمن الدول التي لم تصادق بعد بصورة نهائية على المعاهدة الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بالاختصار "سيداو". وحتى على مستوى الفن ثمة مشكلات تواجهها المرأة في الغرب ومن ثم فقد دعت الممثلة البريطانية اليان اتاكينز زميلاتها الممثلات لابتكار أدوار جيدة لهن "عوضا عن التذمر من قلة وجود أدوار لهن في مجال التمثيل". وكانت اليان اتاكينز قد أكدت في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن "معاناة النساء في مجال التمثيل أكبر بكثير من الرجال"، فيما أبدت استياء بالغا حيال "قيام ممثلين رجال بأداء أدوار نساء في مسرحيات شكسبير". ومن الطريف أن تلاحظ مثقفة مصرية بارزة هي الدكتورة نوال السعداوي أن "زوجات أغلب الكتاب والمفكرين غائبات عن الحياة الفكرية والثقافية، متفرغات لأعمال البيت والعيال"، فيما تابعت: "وكان توفيق الحكيم رغم تفوقه الإبداعي والفكري رائدا في السخرية من المرأة المفكرة ذات العقل والذكاء، التي تناقش وتجادل في الفلسفة أو السياسة". واذ تنتصر الدكتورة نوال السعداوي "للمرأة الذكية ذات العقل المبدع"، فإنها تستدعي قصة طريفة ودالة من أيام طفولتها وتقول: "شهدت في طفولتي الجدل بين أبي وأمي.. لم أسمعه يرفع صوته يواصل الحوار معها بهدوء ويطلب منا نحن الأطفال أن نشارك بالرأي ويضطر أحيانا لأخذ الأصوات، وإن جاءت الأغلبية مع أمي يرفع يديه مسلما برأيها، وقد تنهزم أمي حين نعطي أصواتنا لأبي فتنتفخ أوداجه كالديك الرومي، ونضحك". وتضيف: "ارتبط الجدل والنقاش في طفولتي بالحرية والسرور والاحترام والحب ولذة التفكير وتفنيد الآراء المختلفة ولم يكن لقوة في العالم أن تفرض الطاعة على أمي دون أن يقتنع عقلها أما أنا فقد عانيت الكثير في المدارس من عنف المدرسين الذين توقعوا مني الطاعة العمياء وازدادت معاناتي كلما كبرت وكان عقلي يكبر معي بالقراءة والبحث والسفر والعلم". وخلافا لرؤية استشراقية في بعض وسائل الإعلام الغربية التي تجنح أحيانا نحو صور غرائبية لا تعبر بصدق عن الواقع، فإن طروحات وتعليقات نسائية مصرية تظهر بوضوح إدراكا أصيلا بأن قضايا المرأة هي قضايا الرجل داخل الوطن الواحد وأنه لا مجال كبيرا للفصل التعسفى على أساس الذكورة والأنوثة. وتقول أستاذة الصحافة الدكتورة عواطف عبد الرحمن إن الدراسات والبحوث التي أجريت عن موقف وسائل الاتصال الجماهيري من قضايا الريف المصري تشير إلى أن وسائل الإعلام لا تولي الريف بسكانه وهمومه وأزماته سوى اهتمام هامشي. وتضيف الدكتورة عواطف عبد الرحمن: وكشفت البحوث التي تناولت موقف الصحافة المصرية من قضايا المرأة والتنمية في الريف المصري عن الغياب شبه الكامل لقضايا وهموم المرأة الريفية إذ لم تتجاوز نسبة تناول قضاياها في الصحف اليومية 2، 3 في المائة، كما أكدت الدراسات ضعف اهتمام الإعلام المسموع والمرئي بقضايا المرأة الريفية، إذ لم تتجاوز النسبة العامة 8، 4 في المائة من إجمالي الاهتمام بقضايا المرأة المصرية. وتطالب هذه المثقفة والأكاديمية المصرية بضرورة السعي لوضع إستراتيجية قومية لتنمية الريف وتصحيح صورته الإعلامية وضرورة التواصل والتنسيق بين وسائل الإعلام ومراكز البحوث الاجتماعية والجامعات وكافة الهيئات المعنية بقضايا الريف برجاله ونسائه وأطفاله. والانتخابات في حد ذاتها ليست غاية وإنما وسيلة ديمقراطية غايتها في نهاية المطاف خدمة مصر وإعلاء شأن الوطن وحل المشكلات الملحة مثل انخفاض معدلات الإنتاج، والبطالة، والفقر، والعشوائيات وكلها مشكلات تهم الرجل كما تهم المرأة. وإذا كانت المرأة المصرية قد نهضت بدور مهم في ثورتي 25 يناير والثلاثين من يونيو، فإنها مدعوة شأنها شأن كل مكونات المجتمع المصرى للقيام بدور لا يقل أهمية في بناء مجتمع جديد ببنية ثقافية - اجتماعية مواتية للتقدم في سياق معطيات القرن الحادى والعشرين.. مجتمع للسعادة والحرية والاستنارة والكرامة والتقدم والجمال.. وهنا فليقل كل مصري ومصرية "إني هنا"!