تصدر خبر رحيل الأديب الكبير جمال الغيطاني، عناوين الأقسام الثقافية في المواقع الإخبارية العالمية. وذكر موقع هيئة الإذاعة البريطانية خبر الوفاة واصفًا الراحل بأنه "اجترح لغة سردية ترفل ببذاخة لغة السلف، وعاد إلى التاريخ والتراث ينهل منه حكاياته"، وأنه "ينتمي إلى جيل من الروائيين وكتاب القصة المصريين الذين بزغوا بعد هزيمة عام 1967، مشكلين موجة جديدة في السرد". وأبرز موقع "فرانس 24" في سطور مواقف الغيطاني السياسية، حيث ذكر أنه "تعرض إبان ولاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للاعتقال بضعة أشهر بسبب نشاطاته السياسية"، وأنه "عرف بتصريحاته المعارضة لبعض رموز الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك مثل وزير الثقافة فاروق حسني وأمين عام "الحزب الوطني" أحمد عز، كما هاجم الإخوان المسلمين بعد تولي محمد مرسي رئاسة مصر. وأصبح مؤيدا قويا للرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أبرزت أجزاء من حوار كانت القناة الفرنسية قد أجرته مع الراحل. وعرف العالم جمال الغيطاني عبر أعماله التي انتشرت مترجمة إلى العديد من اللغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية، والتي فتحت لقراء هذه اللغات بابًا على القاهرة التاريخية أبدع الراحل في وصفه، كما أن حديثه عن القاهرة في عصورها فتح شهية العديدين للغوص في أوراقه، وكانت حكاياته بالنسبة للقارئ الغربي وجبة شهية، جاءت من عمق التاريح لتُشبع فضوله حول حكايات باهتة لبعض المستشرقين. كانت أبرز روايات الغيطاني التي تمت ترجمتها هي "الزيني بركات"، والتي تُرجمت إلى الفرنسية عن دار نشر "سوي" عام 1985 -وكان إدوارد سعيد قد قرأ الرواية بالعربية ورشحها للترجمة مطالبًا بضرورة نقلها إلى اللغات الغربية، كتب مقالًا في الصنداي تايمز، أشاد فيه بها- وهي الرواية التاريخية التي رصدت ما يقرب من أحد عشر عامًا من التاريخ، وانتهت بسقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، والتي تروي فترة عانى فيها الشعب من قسوة السلطان وافترائه، وصراع الأمراء على الحكم، والوصول إلى السلطان، واحتكار التجار للبضائع؛ وحكى فيها من أمور المدينة التي لم تخلو من عيون البصاصين، وهم الذين لعبوا دور هام في تلك الرواية بنقل الأحاديث وتسيير الأمور؛ وكان بطلها قد وجده الغيطاني في كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" للمؤرخ ابن إياس، وصاغ منه الأسطورة التي امتدت على صفحات الرواية؛ وجاءت شهرتها كقنبلة مدوية في فرنسا على حد قول الغيطاني، والذي وصف في إحدى حواراته استقباله في فرنسا والملف الضخم الذي جمع فيه كل ما نُشر بالصحف الفرنسية عنها. أيضًا جاء "ملامح القاهرة في ألف سنة"، والذي يروى لنا فيه الغيطاني عن المدينة التاريخية التي حوت الآف الحكايات في ألف عام، فكتب عن المقاهي وأصلها وما تعبر عنه، وعرج منها ليتحدث عنها كركن أساسي في أدب صديقه نجيب محفوظ -العاشق بدوره للقاهرة القديمة- وذكر الكثير عن مساجدها وبُناتها وتاريخهم، وغاص بقلمه في بحور التاريخ الفاطمي والمملوكي، حتى وصل إلى شواطئ القرن العشرين وأوائله، مازجًا طيلة الوقت في حديثه بين التاريخ والأدب. أما روايته "متون الأهرام" والتي ترجمها همفري ديفيز -الحائز على جائزة الترجمة من العربية إلى الإنجليزية- فقد جاءت كتجربة جديدة في الكتابة السردية نالت حقها في الترجمة، واتخذت أشكالًا أبدعها الغيطاني في القص العربي لهذا الإيقاع الشعري الذي لم يوجد من قبل، حتى أنها خالفت نهج الغيطاني المعتاد، وجاءت تلمسًا لخفايا العلاقة الباطنية الحميمية بين الإنسان والمكان عبر تلك النصوص. وعندما يأتي الحديث عن "وقائع حارة الزعفراني"، فيُمكن الاكتفاء بقول الباحث الإسباني خوان جويتسيلو، والذي كتب دراسة طويلة بالإسبانية بعنوان "الأصالة والمعاصرة في أعمال جمال الغيطاني" عندما قال "إن الحدث الذي يزعزع الوجود الهش لسكان حارة الزعفراني غريب ومقلق؛ فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف، هنا يتحرر الروائي من أشكال الكتابة المقدسة التي تدغدغ حواس القارئ المعتاد على الكتابات سريعة الانتشار، مما يجعله يواجه دائمًا صعوبات جمة ليفتح طريقه باتجاه التعرف على العمل قليلون وقليلون جدا الكتاب الذين يحافظون على الصبر المطلوب للعمل. وأعمال جمال الغيطانى الكبيرة تشكل عمارة جميلة، معمارها وشكلها يمكن الإحساس بهما عبر مسافة طويلة. حانية التجربة الشخصية التي يبدو فيها الظاهر غلافًا وكاشفًا للباطن".