منى جابر في حوارها ل"البوابة": اكتئاب الأطفال في مصر زاد بعد ثورة 25 يناير

مخنوق، حزين، لا أريد العيش فى هذه الدنيا، لماذا أذاكر؟ وماذا سأكتسب إذا نجحت؟ أريد الموت، ما فائدة الحياة؟ وعبارات كثيرة من هذا القبيل نسمعها من أطفالنا الصغار قد نتخيل أنها تقليد لما يرونه فى التليفزيون أو يستمعون له منا، وقد لا نتخيل أنهم قد يعانون من مرض الاكتئاب.
عن أعراض اكتئاب الأطفال ومشاكل الأطفال النفسية والتعليمية سألنا منى جابر، أخصائية الطفولة المبكرة والإرشاد الأسرى عن كل ما يؤرق الأسر المصرية فى تربية أطفالها والأخطاء الشائعة.
■ ما هو مرض اكتئاب الأطفال؟
- قبل الثورة لم يكن هناك انتباه لدى الأهالى بمرض اكتئاب الأطفال، فقد كان الأهالى يشكون من التبول اللا إرادى أو الكوابيس أو البكاء من غير سبب أو فقدان الشهية للأطفال، لكنهم لم يكونوا على علم بأن هذا هو اكتئاب الأطفال.. بعد 25 يناير أصبحت الأعراض واضحة وزاد وعى الأهل بذلك، وأهم الأعراض تتمثل فى الشعور بالحزن، وفقدان المتعة فى اللعب، وحتى لو كان الطفل يحب لعبة معينة نجده يبتعد عنها ويصاحب ذلك شعور بالملل، اضطرابات الأكل، إما تناول الأكل بكثرة أو العكس فقدان الشهية، أيضًا اضطرابات النوم والنشاط الزائد، وهنا تجب التفرقة بين النشاط المصاحب للاكتئاب وفرط الحركة، فالأخير لا يكون له هدف لكن النشاط المصاحب للاكتئاب مختلف أيضًا هناك أعراض كالخمول واليأس ونسمع وقتها أسئلة من نوعية ما فائدة الحياة؟ أو لماذا نعيش؟ أو ماذا سيحدث إذا نجحت؟ الشعور بالذنب أيضًا من ضمن الأعراض، فدائما الطفل المكتئب يشعر بالذنب عندما يكسر أى شىء أو يتلف شيئًا فتجده حزينًا جدًا ومهمومًا وشاعرًا بالذنب مهما حاولت التخفيف من ذلك، بالإضافة إلى فقدان القدرة على التركيز وتمنى الموت ووقتها يسأل الطفل أسئلة كثيرة عن الموت.
■ كيف تستطيع الأم أن تفرق بين الفضول الطبيعى لدى الطفل والذى غالبًا ما يتعلق بأسئلة عن الموت أو تمنى الموت كعرض من أعراض الاكتئاب؟
- يوجد شيء اسمة التصنيف الدولى الرابع للأمراض النفسية، ويؤكد أن معاناة الطفل من خمسة أعراض من أصل عشرة، واستمرارها لمدة أسبوعين يعنى أنه من الممكن أن يكون الطفل يعانى من الاكتئاب ولذلك يجب عرضه على طبيب نفسى، لكن إذا كانت هناك حالة وفاة فى الأسرة لا بد أن ننتظر ثلاثة شهور قد يكون ذلك من تأثير حالة الحزن فى البيت، بعد الصدمات الكبيرة نتعرض لكرب ما بعد الصدمة من الممكن أن ندخل فى أعراض شبيهة بالاكتئاب لكنها ليست اكتئابًا.
■ لماذا ربطت اكتئاب الأطفال بثورة 25 يناير؟
- لأن هذه الفترة كانت مؤثرة جدًا على الأطفال وتركت انطباعات سيئة لديهم، فالأطفال تم ترويعهم بشدة غير أن الأخبار التى تبث عبر وسائل الإعلام تركت لديهم انطباعات سيئة، كثير من الأطفال عندما كان يذهبون للمدرسة يتفاجأون بموت والد صديقهم الضابط بخلاف دخول البلطجية للشوارع وإرهابهم للأهالى فى البيوت، بعد 28 يناير كان الوضع صعبًا والأهالى كانت تتحدث بشكل مباشر أمام الأطفال وتختلف فى وجهات النظر السياسية أمامهم، ثم بعد ذلك دخلنا مرحلة التفجيرات والحوادث الإرهابية.
■ ما الفرق بين الاكتئاب والتوحد؟
- الاكتئاب مختلف تمامًا عن التوحد، مريض التوحد لدية ثلاث مشاكل أساسية فى ثلاثة مجالات واضحة، وهى التواصل والكلام واللغة، مريض التوحد لا يعرف كيف يتواصل بالعين، المكتئب تكون عينه مكسورة من الحزن.
■ فى حالة تأكد الأم أن طفلها مريض بالاكتئاب ماذا عليها أن تفعل؟ هل تذهب به للطبيب أم يكفى تغيير الجو له والسفر مثلا؟
- أعراض الاكتئاب البسيطة أو الخفيفة يمكن أن تكون هناك وقاية فى البيت من خلال عادة الاستماع لأطفالنا، فهو أول شيء للوقاية لمعرفة أفكاره أولًا بأول، أما الأهل العصبيون فإن الطفل يخاف أن يستمع لهم أيضًا نحاول أن نعلم أطفالنا الشعور بالكفاءة من خلال تعظيم أفعالهم البسيطة والإشادة والتباهى بها، فالأم يمكنها أن تتباهى برسومات طفلها وموهبته وإن لم تكن عنده هواية يمكن خلق هواية له بأبسط الإمكانات.
لكن إذا استمرت الأعراض فيجب على الأم الذهاب بطفلها فورًا للطبيب ويتم العلاج عن طريق الطبيب والمعالج النفسى من خلال الغناء بصوت عالىلإخراج طاقة الغضب، ومن خلال الرسم والألعاب، وتجسيد شخصيات فى الواقع من خلال لعب يخاطبها الطفل التى أصابت الطفل بالاكتئاب من حيث إعادة إحياء للمشاهد.
■ هل اكتئاب الأم أو الأب له علاقة باكتئاب الأطفال؟
- بالطبع، فلا بد للوالدين أن يكونا مصدر سعادة للأطفال ونموذجًا للتفاؤل. كثير من الآباء والأمهات يصابون بالاكتئاب بعد الزواج نتيجة إصابتهم بصدمة الزواج، ويتأثر الأطفال بذلك، ونحن نحتاج لقانون يلزم الزوج والزوجة بشهادة تثبت سلامتهما النفسية، وهى فكرة تحتاج لوعى كبير قبل إصدار القانون، لأن الوقاية للأطفال فيها توفير كبير ماديَا ونفسيًا.
■ لكن من الصعب إثبات المرض النفسى بالكشف قبل الزواج؟
- نعم أتفق معك فى ذلك، ولكن بقدر الإمكان يمكن أخذ تاريخ مرضى للعائلة، ومن الأساس هذه الفكرة تخلق وعيًا ومنظومة فكرية وتوجد اختبارات إسقاطية، لكن من الصعب تطبيقها فى فترة ما قبل الزواج لكن أقصد أن فكرة بناء أسرة جيدة هو هدف، فالزواج ليس بالأمر السهل، وهو أمر مكلف، لذلك التعاون معنا فى منظومة أسرة جيدة سليمة نفسية أمر ضرورى.
■ ما أغرب الحالات التى رأيتها خلال سنوات عملك؟
- أعمل فى هذا المجال منذ 12 عامًا ورأيت أطفالًا كثيرين أثروا فىّ، أكثر شيء أثر بى وجعلنى آخد وقفة مع نفسى طفل عنده أربع سنوات حاول أن ينتحر، فقد كان يشاهد فى التليفزيون واحد ربط حبل وحاول الانتحار ولأنه طفل لف الحبل على رقبته ومسكه بيده محاولة للتقليد، محاولات الانتحار تكون مؤرقة جدًا، ويوجد طفل كان عنده 8 سنوات وفى إحدى جلسات السيكودراما طلبنا منه الدخول لآلة الزمن فخرج زاحفا على قدميه مجسدا دور كلب ليقول لى ليتنى كنت كلب، فأبى يهتم بالكلب جدا ويعطيه من وقته ويطعمه ويخرجه بينما لا يجلس والدى معى ولا يخرجنى، دائما مشغول عنى.
وكان أسوأ رد من أب لابنه مريض الاكتئاب بأنه قال له سوف أعطيك للزبال كى تعيش معه وسنلقى بملابسك الجديدة فى الشارع وسترتدى ملابس ممزقة.
■ هل معاناة الأم من الاكتئاب أثناء الحمل أو بعد الولادة تسبب للطفل اكتئابًا؟
- إذا كانت الأم رافضة الطفل من الممكن أن يحدث ذلك، أما إذا كان الاكتئاب نتيجة الخوف من البدايات، فترة ومرت، لا يؤثر لأن الأم تتحسن وترجع علاقتها بالطفل مرة أخرى.
■ ما المشاكل النفسية الأخرى التى تواجه الأطفال؟
- لدينا مشكلتان أساسيتان، وهما التبول اللا إرادى وصعوبات التعلم، وقد عرفت الرابطة الأمريكية للطب النفسى التبول اللا إرادى، هو بلل الفراش مرتين على الأقل فى الأسبوع لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور لطفل أكبر من خمس سنوات. لا بد وقتها أن نتبع مجموعة من الإجراءات أولاها أن نعرف أنه لا يوجد طفل يريد أن يبلل الفراش بكامل إرادته، وأن ثقافة الفضح والتهديد ثقافة خاطئة، ومجرد فضح الطفل فإنه يشعر بالوصمة ويستمر بفعل ذلك.
غير أن بعض الأهالى يهددون الطفل بأنهم سوف يفضحونه وسيدخل الحضانة من جديد، أو لبس البامبرز من جديد، وكلها أمور خاطئة فى التربية لا يجوز وصم الطفل بل يجب إشراكة فى تغيير ملاءات السرير والاتفاق معه على إيقاظه فى فترات من الليل لدخوله الحمام، وإذا الطفل اعتاد على دخول الحمام ثلاثة أسابيع متتالية فإن ذلك يكون عادة بعد ذلك ومن السهل أن يصبح هذا أسلوب حياته، وبالطبع لا بد أن نتأكد من تقليل السوائل والأطعمة الحراقة وقبل أن ينام بخمس ساعات يتم تقليل الكاتشاب والحلويات والسوائل بأنواعها.
■ ما أكثر الأخطاء التى يرتكبها الأب والأم خلال تربية أبنائهما؟
- هناك كثير من الآباء والأمهات ينسون أن يشكروا أولادهم ولا بد أن نتقبل أبناءنا كما هم، فلا ننتقد شكلهم أو عدوانيتهم أو تأخرهم الدراسى، والطفل ينفذ الصورة التى يراها أبوه وأمه عنه.
وأحيانًا كثيرة نرى أطفالًا لا يثقون فى أنفسهم، أول خمس سنوات هى أهم فترة فى عمر الإنسان وفى تكوين شخصيته.
لا بد أيضًا أن نستمع لأطفالنا جيدًا وأن نجعل منها عادة لتعديل سلوكهم ونحتاج أن نبحث لأطفالنا عن إيجابياتهم ونعظم مما يفعلونه ونشجعهم دائما أن تكون لهم هواية بخلاف الدراسة وخلق موهبة لهم، أيضا ممارسة الرياضة مهمة جدًا وإذا كانت هناك صعوبة فى الذهاب للنادى يمكن إخراج الطاقة فى المنزل من خلال التمرينات الرياضية البسيطة فى المنزل صباحًا.
نعطى مساحة للأطفال أن يلعبوا براحتهم حتى وإن كان اللعب غير هادف مجرد رمى الألعاب على الأرض وإعادة جمعها أو مشاهدة فيلم كارتون قد يكون غير هادف من وجهة نظر الآباء.
بينما يجب البعد عن الحماية الزائدة والانتقاد المستمر والعقاب المستمر والإهمال بأن تهمل نظافة الحجرة وإهمال الطعام الذى يحبه واحتياجاته الأساسية وغيرها من الأمور.
■ ما أسباب صعوبات التعلم؟ وكيف للأم أن تعرف أن ابنها يعانى من صعوبات تعلم.. ما المؤشرات؟
- تلخيص صعوبات التعلم هو خلل فى الجهاز العصبى ينتج عنه مشكلة فى الانتباه ويؤثر فى الإدراك والذاكرة وتخزين المعلومة، لذلك تكون المشكلة فى الكتابة والقراءة والحساب.
لو لدينا مشكلة فى الانتباه لا يستطيع أن يكمل ما بدأه، إذا طلبنا منه كتابة ثلاثة أرقام يكتب رقمين ويجرى يتشتت بسهولة جدا من أى شيء خلفه، وذكاء الطفل الذى يعانى من صعوبة التعلم يكون عاديًا أو أكبر من العادى لا يستطيع متابعة الدرس، المعلومات تتداخل مع بعض المواد الدراسية، يجاوب باندفاع من غير ما يفكر، ينسى أدواته فى المدرسة.
هناك مؤشرات تظهر من الحضانة فعندما نطلب التلوين داخل الدائرة يلون خارجها وتطلب منه أن يرسم خطا معينا فتجده يرسم خطا آخر ولدينا خطأ أصبح شائعا أن الطفل يبدأ الكتابة من 4 سنوات وهذا خطأ لأن الكتابة لابد أن تكون فى سن ال6 سنوات، يوجد ما يسمى التآزر البصرى الحركى وعندما يتعلم الطفل من أربع سنوات يحدث إجهاد للحواس حتى وإن اجتاز الطفل فى البداية، فإن الأعراض تظهر بعد الصف الثالث الابتدائى، وكل طفل له طريقة تعليم، سواء بالبصر أو السمع أو اللمس عندنا فى مصر الطفل يتعلم بشكل نمطى واحد لا يتغير بتغير الأطفال لا بد أن نعرف مدخل كل طفل.
أحيانا نطلب من الطفل أن يأتى بكوب ماء فيدخل ويخرج دون أن يأتى بشيء، أحيانًا يخطئ بين كتابة رقمى 7 و8 أو اثنين بالعربى وخمسة بالإنجليزى.
■ هل يمكن للأهل تطوير مهارات أبنائهم فى التعلم أم لا بد من الذهاب للمتخصصين؟
- إذا كان يعانى الطفل من صعوبة فى الانتباه فعلى الأم أن تحكى للطفل قصة وتسأله فى تفاصيلها، توجد أنشطة كثيرة حسب الطفل وسنه، وإذا لم تأت بنتيجة لا بد من الذهاب لطبيب لدمج التدريبات بالمنهج الدراسى.
الفهم كما ذكرنا يختلف كل طفل عن الآخر، منهم من هو يعتمد على البصر ومنهم على الإحساس أو السمع هذا هو نمط الطفل فى التعلم.