كاتب إسرائيلى يروى: قصة «جاسوس» ينام في سرير جمال عبدالناصر وثائق أمريكية حديثة تؤكد: تعامل مع إسرائيل بإشراف من «السادات» «كيسنجر» كشف أمره للروس فأرسلوا إلى مصر: «المخابرات مخترقة» «مائير» كانت تعتمد على معلوماته وتعاير الأمريكان ب«اختراق القاهرة» جهاز أمنى اختبره بعد حرب «الأيام الستة».. وكتب تقريرًا عن حالته النفسية: «يائس ومنحاز للجانب المنتصر» «مروان» سلم «الموساد» وثائق أصلية من قصر الرئاسة فاطمأنّ قلب «ديان» ما زال أشرف مروان، رجل الأعمال المصرى والمخابراتى الشهير، لغزًا محيرًا للعالم. لا يزال مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية التي تبحث دائما في سيرة هذا «الملاخ» أو «الملاك»، كما كانت تسميه المخابرات الإسرائيلية، في محاولة دؤوبة لكشف حقيقته والإجابة عن السؤال الصعب: هل خدع أشرف مروان إسرائيل وكان جاسوسا مصريا، أم كان ولاؤه الأول لتل أبيب وتجسس لصالحها على بلاده؟ الكاتب والمفكر المتخصص في شئون المخابرات والشئون الدولية، عمير أورن، أجاب عن السؤال، مستعينًا بما لديه من معلومات وملفات خاصة يمضغها جيدًا قبل أن يضعها أمام الرأى العام. في تحليل مطول نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، بعنوان «جاسوس مقابل جاسوس يمكن أن يترك إسرائيل مخدوعة»، ذهب «عمير» إلى أن «مروان» كان جاسوسًا مصريًا، ولاؤه لمصر. اللافت في التحليل المعلوماتى أنه نشر بعد أسابيع قليلة من تقرير مطوَّل نشرته صحيفة «جارديان» البريطانية، حاولت فيه كشف الحقيقة ومعرفة من وراء «موت» مروان. الرجل كان يحيط سيرته الذاتية بهوامش غامضة، ومريبة، لا تجد من يضع لها حلولا. الأسئلة الصعبة أحاطته من كل جانب: هل تعرض للاغتيال؟ هل انتحر؟ أم كان سقوطه من شرفة منزله في لندن، يوم 27 يونيو 2007، سقوطا طبيعيا لرجل اختلّ توازنه؟ أسئلة أخرى اعترضت طريق «جارديان».. ما تفاصيل علاقة «مروان» بإسرائيل؟ ولمن كان ولاؤه الأساسي؟.. وفشلت الصحيفة «المشبوهة» في وضع أي إجابات منطقية.. قدّمت تقريرًا صحفيًا ضعيفًا، مأخوذًا من أرشيف الصحف المصرية، سرد تفاصيل ووقائع «مخلّة» بما جرى. أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية المصرى الأسبق، كشف جزءا من الحقيقة في شهادات موثّقة تضاربت مع شهادات أخرى، كان آخرها في حوار تليفزيونى قال خلاله: «أشرف مروان كان مصريا مخلصا وعمل لصالح المخابرات المصرية وشارك في خداع إسرائيل، وهو ما أكده لى اللواء الراحل عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق». الإجابة بشيء من الدقة كانت عند المحلل الإسرائيلى أورن.. قال إن المخابرات العسكرية الإسرائيلية لا تزال تتفاخر على نظيراتها في الغرب كونها الأولى التي استطاعت التنبؤ، حسب هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلى، بأن روسيا تخطط للتدخل عسكريا في سوريا. وأضاف: «لكن الأمر لا يعد إنجازا، كان أمرا متوقعا، فضلا عن أن التنبؤ مجرد تنبيه بأن شيئا ما سيحدث، لكن الأهم هو القدرة على إثبات هذا والتحرك للتعامل مع ما يجرى بسياسة وحذر واستعداد للحرب، وهو ما لم تقم به الاستخبارات العسكرية، فالتوقع عمل عظيم وهام لكن الأهم كيف سنتعامل معه وكيف سنتعامل مع المتغيرات التي قد تحدث حتى يحدث ما تنبأنا به، فالمخابرات الحربية الإسرائيلية لا تكمل أبدا ما تبدؤه بشكل جيد، وستظل قصة أشرف مروان الجاسوس المصرى الذي جندته إسرائيل شاهدا على ذلك». ثم ينتقل إلى رواية قصة «ملاك» المصرى، الاسم الكودى ل«أشرف مروان»، يقول: «حتى الآن لا يمكن للمخابرات الإسرائيلية معرفة حقيقة الرجل وإذا ما كان قد خدعها أم تعاون معها بصدق، خاصة أن فرحها كان غامرا عند النجاح في تجنيده (رغم أنه هو من ذهب إلى السفارة الإسرائيلية في لندن وطلب التعاون مع تل أبيب) واعتبره قادة المخابرات «الدجاجة التي تبيض ذهبا»، ومع هذا حدثت حرب أكتوبر ونجح المصريون في مفاجأتنا رغم توقع المخابرات العسكرية بالحرب، إلا أنها فشلت في معرفة توقيتها الصحيح أو ساعة الهجوم». «وحتى هذه اللحظة لا نعرف كيف حدث هذا، واعترف ضابط المخابرات شموليك جورين الذي لعب دورا رئيسيا في تجنيد مروان، بأنه لا يعرف حقيقة دور مروان وحقيقة ولائه وإذا ما كان قد خدعهم أم كان صادقا معهم، وقال أيضا إن مروان حذرهم من حرب وشيكة في أكتوبر. السادات أشرف على عملية "ملاك" وثيقة حديثة أصدرتها المخابرات الأمريكية كشفت جزءا من الحقيقة أو ربما الكثير منها، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن السادات كان على علم تام بكل ما يقوم به مروان وأنه على علاقة ما بإسرائيل. لذلك فإنه سواء كان هناك تنسيق معه أو جرى استغلاله كدمية لخداع إسرائيل، فإن السادات نجح في خداع تل أبيب وأرسل رسائل إلى الموساد لتصل بعدها مباشرة إلى رئيسة الوزراء آنذاك «جولدا مائير»، بأن السيناريو الوحيد الذي يعمل عليه المصريون سياسيا وعسكريا هو تحرير سيناء عبر اتفاق يقضى بانسحاب إسرائيل من سيناء وليس من خلال الحرب. ويوجد دليل ظرفى على هذا يمكن استخلاصه من خلال المباحثات التي أجراها مستشار الأمن القومى الأمريكى «هنرى كيسنجر» والسفير السوفييتى «أناتولى دوبرنين» في واشنطن في 17 مارس 1972، أثناء الاستعدادات الجادة لعقد لقاء قمة في موسكو بين الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون والروسى ليونيد بريجنيف، وكان هناك هدف رئيسى في الاجتماع يتمثل في الاتفاق على صفقة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، هذا على الرغم من وجود خلافات كبيرة بينهما بشأن العديد من القضايا العالمية الأخرى. وكان مروان مصدر ثقة كبيرة لإسرائيل، حتى إن جولدا مائير أطلعت في خريف عام 1971، الرئيس نيكسون وكيسنجر وحدهما، وفى أكتوبر 1973، تفاخرت مائير أمام كيسنجر بوجود جاسوس هام في دوائر السلطة المصرية، وقالت له «لدينا مصدر» في دوائر قريبة من السادات. وكانت تلك المعلومات التي تحدثت بها مائير وخرجت من فم بريجنيف للسادات مهمة جدا للأمريكان، لأنها خرجت مباشرة من فم الدب، وأدرك كيسنجر أهميتها. كيسنجر أبلغ السادات كيسنجر، وهو مناور صعب في لعبة الأمم، قال إن القيادة المصرية مخترقة وإن المخابرات الإسرائيلية تحصل على كل المعلومات من خلال دوائر مقربة منها، في إشارة واضحة إلى «أشرف مروان». ومن هذا الموقف يمكن التأكد من أن تحذير كيسنجر سيصل مباشرة إلى بريجنيف ومنه إلى السادات. ومن بين المعلومات التي كشفت عنها وثائق إدارة نيكسون التي خرجت للضوء مؤخرا، تقرير هيلمز لكيسنجر في أكتوبر 1970 وفيما يتعلق بأول اتصال بين المخابرات الأمريكية ومندوبين عن ياسر عرفات، والمقترح بإنشاء كيان (دولة فلسطينية) تعيش في سلام وتعاون مع إسرائيل. ووفقا لتقارير المخابرات الإسرائيلية فإن مروان توجه إليهم في وقت مبكر وقبل وصول السادات إلى الحكم، وتحديدا في ربيع عام 1969، حين كان يزور لندن للعلاج من اضطراب في المعدة. ووفقا لكتاب المؤرخ هاورد بلوم «عشية التدمير.. تاريخ حرب يوم الغفران» الصادر في 2003، سلم مروان أشعته الطبية للطبيب، وأعطاه أيضا ملفا دسما مليئا بالمستندات الرسمية المصرية. وحسم الموساد أمره بعد الحصول على وثائق رسمية من مروان قدمها كوسيلة تعارف، وتأكدوا أنها أصلية، وقالوا إن مواد كتلك من مصدر كهذا هي أمر لا يحدث إلا مرة كل ألف عام، ووصف عميل آخر للموساد الموقف قائلا: «وكأن لدينا شخصا ينام في سرير عبدالناصر». اختار الموساد اسما حركيا لمروان كان يبدو روحانيا للغاية، لقد سمّوه: «الملاك».