سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التيارات الإسلامية تنافق الشعب وتصارح قواعدها.. تصدر بيانات بأن حرب أكتوبر أعادت العزة للدولة المصرية.. وتؤكد لأبنائها أن شروط الجهاد الشرعي لم تكن متوافرة فيها
لم تكن مواقف التيارات الإسلامية من حرب السادس من أكتوبر 1973م، واحدة بل هي متباينة، أصرت من خلالها هذه التيارات أن تصدر خطابين مختلفين يتفق كل خطاب منهما مع الجمهور الذي تخاطبه، ففي حين تؤكد الجماعات الإسلامية على اختلاف تنوعها في خطابها المعلن أن حرب أكتوبر أعادت العزة للدولة المصرية، ومثلت انتصارًا حقيقيًا على العدو اليهودي في المنطقة بعد هزائم متتالية، آخرها نكسة 1967م، كما يوضح ذلك الخطاب المعلن لتلك الجماعات، حتى يظهروا أنهم وطنيون ومحبون لمصر، إلا أن هناك خطابًا آخر لا يتم الإعلان عنه إلا للمنتمين لكل جماعة من هذه الجماعات، بحيث تؤكد فيه موقفها من الحرب المجيدة وفق مرجعيتها الدينية الخاصة بها، وهو الأمر الذي انكشفت بوضوح بعد ثورة 25 يناير 2011م. وصف الدكتور عبدالرحمن البر، مفتي جماعة الإخوان المسلمين، حرب أكتوبر بأنها من أهم الأيام في تاريخنا الحديث، معتبرًا أنها أول نصر حقيقي للأمة في تاريخها الحديث على الصهاينة، بعد هزائم متتالية تجرعت الأمة مرارتها، لا سيما الهزيمة الكبرى في الخامس من يونيو سنة 1967م، مشيرًا إلى أن تصحيح العقائد والتمسك بالدين في هذه الحرب هو أهم أسباب نصر الجنود المصريين الذين وصفهم بالمجاهدين. وهو الأمر نفسه الذي يراه المؤرخ الإخواني راغب السرجاني الذي أكد أن الرئيس أنور السادات كان يعمل بشكل شخصي مع قيادة الجيش المصري على التخطيط لهذه الحرب التي أتت مباغتة للجيش الإسرائيلي، إلا أن هذه التصريحات المعلنة لقادة الجماعة جاءت مناقضة لما ظهر من جماعة الإخوان فيما بعد، حينما وصلت لسدة الحكم في مصر، حيث جاء احتفال الرئيس المخلوع محمد مرسي بحرب أكتوبر ليعكس الرؤية الاعتقادية لجماعته تجاه هذه الحرب المجيدة، فقد استبعد جميع قادة الحرب من الاحتفال لإذلالهم، ودعا قادة الدم والإرهاب وقتلة السادات للجلوس على منصة الاحتفال، وكأنهم أبطال النصر، وهذا من وقاحتهم وغياب مروءتهم وشهامتهم. العقيدة الإخوانية لا تعترف بحرب أكتوبر وتعتبرها في مزابل التاريخ وليست حربًا حقيقية، ولكنهم يعترفون بحرب 1948م ويعتبرونها الحرب الوحيدة التي تستحق الفخر، بسبب الانتصارات الوهمية التي ينسبونها لأنفسهم في هذه الحرب، ولو كان الإخوان يعظمون حرب أكتوبر لعظموا قادتها. ولذلك كان أول رد فعل لجماعة الإخوان على انتصارات أكتوبر بعد الحرب بستة أشهر حينما نفذت مجموعة إرهابية أول هجوم عسكري على موقع (الكلية الفنية العسكرية المصرية) في يوم 18 أبريل 1974م، وتنظيم الفنية العسكرية هو الجناح العسكري للإخوان في ذلك الوقت- حسب اعترافات طلال الأنصاري القيادي في المجموعة التي نفذت المجزرة– والذي قال إنهم بايعوا المرشد العام حسن الهضيبي في بيت زينب الغزالي، وأن التنظيم كان على علاقة عضوية ومباشرة بجماعة الإخوان المسلمين، وبمثابة الجناح العسكري لها. وقد كشفت ثورة يناير وما تلاها من أحداث عن ما تكنه صدور هؤلاء من تكفير للجيش المصري، حيث يرى التكفيري الهارب وجدي غنيم أن الجيش الإسرائيلي أفضل من الجيش المصري، لأن الأخير مرتد، ولكن الأول كافر، ومعلوم أن المرتد أشد خطورة من الكافر الأصلي، وكذلك فتاوى القرضاوي في تكفير جيش مصر واستعدائه الدول عليه من أجل القضاء على هذا الجيش، وهو ما يعبر عن عمق الفكر التكفيري عند الإخوان. أما الجماعة الإسلامية فلا تختلف كثيرًا عن جماعة الإخوان التي تعتبر نفسها الجماعة الأم بالنسبة لكل الجماعات الأخرى ولكنها ترى أن شروط الجهاد الشرعي لا تتوافر في حرب أكتوبر والتي من أهمها القتال خلف قائد مسلم، وقد كانوا يكفرون الرئيس السادات ولا يعتبرونه قائد حرب، وقد أظهر ذلك فتوى الشيخ عمر عبد الرحمن أمير الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت بإهدار دم السادات، رغم من دوره الوطني في حرب التحرير، وكان للفتوى دور كبير في اغتيال السادات في يوم ذكرى الحرب المجيدة وأثناء استعراضه لتشكيلات من القوات المصرية التي شاركت فيها عام 1981. كما أن محمد عبد السلام فرج –صاحب كتاب الفريضة الغائبة- وصف قوات الشرطة والجيش في كتابه بأنهم من الطائفة المرتدة، وهو ما كان يمثل معتقد أغلب شباب وقيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد آنذاك، فالجيش المقاتل في 1973م عندهم جيش مرتد. ولكن هذا الموقف الرسمي القديم للجماعة من الحرب يختلف عن الموقف بعد المراجعات والذي ظهر جليًا في مقال للدكتور ناجح إبراهيم أحد القادة التاريخيين للجماعة عبر الموقع الرسمي لهم على شبكة الإنترنت حيث اعتبر نصر أكتوبر من أهم روافد الإسلام والدين وإحياء الموات في الشعب المصري من جديد، لافتًا إلى أن هذا النصر ضخ في شرايين مصر من جديد روح العزيمة وحب الشهادة في سبيل الله. وأشار إلى أن الأجواء الإيمانية التي صنعها النصر لا يستطيع مليون خطيب أو داعية أو واعظ أو مرب أن يصنعها في ظرف غير هذا الظرف وفي جو غير هذه الأجواء، مستنكرًا تقليد بعض الإسلاميين لبعض اليساريين غير المنصفين الذين دفعتهم كراهيتهم العمياء للسادات للقول إن حرب أكتوبر هي تمثيلية بين السادات وإسرائيل لتحريك الموقف السياسي المتجمد بينهما، وهذا والله لا يقول به عاقل أو منصف أو من عنده ذرة من علم التاريخ، والذي يقول ذلك لم يقرأ أو يعرف عن حرب أكتوبر شيئا. ودافع إبراهيم عن السادات في اتهام الإسلاميين له بأنه تخلى عن فلسطين، قائلًا: «لو درسوا خطة حرب أكتوبر الأساسية لعلموا أنه لم يكن من خطتها تحرير سيناء كلها أو تحرير فلسطين.. حيث إن قدرات الجيش المصري خاصة الطيران والدفاع الجوي كانت أضعف من هذه الأمنيات الطموحة.. لقد وضعت الخطة على الممكن والمتاح وليس على الأحلام والأماني». وأرجع عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية الراحل، تكريم محمد مرسي، للرئيس أنور السادات، بسبب اتخاذه قرار حرب أكتوبر، الذي وصفه بأنه من أعظم قرارات حياته التي لا يستطيع أن يختلف معه بشأنها أحد. وأشار دربالة في تصريحات صحفية كان قد أدلى بها في حكم الإخوان إلى بعض أخطاء السادات، التي وصفها بالجسيمة مثل توقيعه لمعاهدة كامب ديفيد ودخوله في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بشكل منفرد، موضحا أن خوض السادات لهذه المفاوضات بعيدا عن شركائه من الجانب العربي أضعف المفاوض المصري والعربي خلال المفاوضات مع إسرائيل. واستثمرت الجماعات الإسلامية على اختلاف أنواعها هذا الحدث المهم وحاولت توظيفه في تشويه صورة السادات، وكانوا يتمنون أن تنتهي الحرب بهزيمة السادات لأنه في نظرهم كافر مرتد لا يقيم شرع الله، ومن ثم لا يستحق النصر –حسب اعتقادهم. بل اعتبروا هذه الحرب –حسب بعض المراقبين أنها أسهمت في تثبيت ديكتاتوريات عسكرية حاربت الإسلام ومنعتهم من السير نحو دولة الخلافة. أما السلفيون بمختلف تياراتهم فقد اشتركوا مع الجماعة الإسلامية في وجوب توافر شروط الجهاد الشرعي، إلا أنهم اعتبروا حرب أكتوبر المجيدة نوعًا من الجهاد وإن نقصها بعض شروطه، حيث كانت هذه التيارات تعتبر السادات حاكمًا مسلمًا باستثناء تيار السلفية الجهادية التي لم تكن تبلورت وقتها بشكل تنظيمي وإنما كانت واضحة في فكر بعض الأشخاص الذين ينتمون للتيار السلفي بشكل عام، ولكنهم يحملون أفكارًا تكفيرية.