كتب مجدي أحمد.. (مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط) يحيي العالم اليوم الدولي للمسنين 2015 تحت شعار "الاستدامة وشمول جميع الأعمار في البيئة الحضرية"، حيث يهدف الاحتفال إلى الالتزام بمبدأ الأمين العام فيما يختص بعدم التخلي عن أي أحد، حيث يستلزم بأن نستوعب أحد القضايا الديموغرافية المتعلقة بالتنمية المستدامة وهي ديناميات السكان، والتي ستشكل أحد التحديات التنموية الرئيسية التي تواجه العالم في القرن21. إذا كان طموحنا هو "بناء المستقبل الذي نريده"، فإنه يجب علينا مخاطبة السكان فوق سن ال60 والذي يتوقع أن يصل عددهم إلى 1.4 مليار بحلول عام 2030. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد حددت بموجب القرار 106/45 في ديسمبر عام 1990، الأول من أكتوبر يوما دوليا للمسنين.. وقد سبق ذلك مبادرات مثل خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة التي اعتمدتها الجمعية العالمية الأولى للشيخوخة في عام 1982 وأيدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ذلك.. كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القرار 46/91 مبادئ الأممالمتحدة المتعلقة بكبار السن في ديسمبر عام 1991.. وفي عام 2002، اعتمدت الجمعية العامة الثانية للشيخوخة خطة عمل مدريد الدولية المتعلقة بالشيخوخة للاستجابة للفرص والتحديات في ما يتصل بالشيخوخة في القرن 21، وتعزيز تنمية المجتمع لكل الفئات العمرية. وأشار بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في رسالتة بهذه المناسبة إلى أنه في الذكرى السنوية 25 لليوم الدولي لكبار السن، نعترف بأن كبار السن يشكلون رصيدا هائلا للمجتمع ويسهمون إسهاما كبيرا في تحقيق التنمية العالمية. ففي 25 سبتمبر، التزم رؤساء الدول والحكومات في مقر الأممالمتحدة في نيويورك ببناء عالم مستدام لا يتخلف فيه أحد عن الركب، بغض النظر عن السن أو نوع الجنس. ولدى تنفيذنا للخطة الجديدة للتنمية المستدامة لعام 2030 التي تم اعتمادها، لا بد لنا أن نراعي التغييرات الديمغرافية التي ستحدث خلال الأعوام 15 المقبلة. ذلك أن هذه التغييرات سيكون لها أثر مباشر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وسيكون لتسارع معدلات شيوخة السكان والتوسع الحضري دور متزايد في تشكيل مجتمعاتنا. وأضاف مون أن التوقعات تشير إلى أن عدد السكان البالغين من العمر 60 سنة فأكثر والذين يعيشون في المدن سوف يزيد إلى ما يربو على 900 مليون نسمة بحلول عام 2050. وسيشمل ذلك ربع مجموع سكان المناطق الحضرية في البلدان النامية. كما سيكون موضوع الاحتفال باليوم الدولي لكبار السن هذا العام هو "الاستدامة وشمول جميع الأعمار في البيئة الحضرية‘‘، وهو ما يبرز ضرورة جعل المدن شاملة لكل الناس من جميع الأعمار. ويهيئ مؤتمر الأممالمتحدة للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة (الموئل الثالث)، الذي سيعقد في كيتو في أكتوبر 2016، فرصة للمضي قدما في هذه الجهود. ومن شأن جعل المدن شاملة لكبار السن أن يهيئ لهم فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية في بيئات مأمونة وميسَّرة. ويعني ذلك أيضا توفير الإسكان الميسور التكلفة فضلا عن توفير الخدمات الصحية والاجتماعية اللازمة لدعم المتقدمين في السن. وإنني في هذا اليوم الدولي لكبار السن، أهيب بالحكومات أن تجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة على نحو لا يتخلى فيه أحد عن الركب من جميع الأعمار. لم يعد سكان العالم يتزايدون بكثرة فحسب، بل أضحوا أكبر سنًا. ذلك أن شيخوخة السكان هي النتيجة الحتمية لانخفاض الخصوبة، لا سيما لو صاحبها زيادة في متوسط العمر المتوقع.. فنسبة كبار السن آخذة في الارتفاع بمعدل أسرع من معدلات الزيادة في أي شريحة عمرية أخرى، ففي البلدان المتقدمة تتجاوز بالفعل نسبة كبار السن عن مثيلتها في الأطفال. وفي البلدان النامية، نجد أن نسبة المسنين آخذة في الازدياد المضطرد نتيجة للانخفاض السريع في معدل الخصوبة الناجم عن النجاح الذي حققته برامج الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة. وتشير تقارير الأممالمتحدة أن العالم بشكل عام يتقدم في السن، حيث تتوقع أنه في ال 50 سنة القادمة أن يزداد عدد كبار السن نحو أربعة أضعاف إذ أنه سوف يزدادون من نحو 600 مليون نسمة إلى ملياري نسمة تقريبا.. وحول ذلك تقول الإحصائيات أنه هناك واحدًا من كل 10 أشخاص قد بلغ سن الستين، وبحلول عام 2050 سيكون هناك واحد من كبار السن بين كل 5 أشخاص وبحلول عام 2150، ومن المتوقع أن يبلغ ثلث سكان العالم 60 سنة من العمر أو أكثر.. وفي يومنا هذا، يعيش 60 % من كبار السن في البلدان النامية، وسوف ترتفع هذه النسبة إلى 80 % بحلول عام 2050.. بل سيكون هناك ازديادًا ملحوظًا في أعداد الطاعنين في العمر، وهم أولئك الذين يبلغون 80 عاما فأكثر، ليرتفع عددهم من 86 مليون في 2005 إلى 394 مليون في عام 2050. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتمركزمعظم المتقدمين في العمر في البلدان النامية.. وفي غالبية المجتمع، ستشكل المرأة العدد الأكبر في نسبة الأشخاص المسنين.. وتعد شيوخة سكان العالم مدعاة للقلق لدى كل فرد، ولدى جميع الأجيال في البلدان شتى يستوي في ذلك البلدان النامية والبلدان المتقدمة، وهذا التحول في تركيبة السكان ستنجم عنه نتائج عميقة لكل جانب من جوانب الحياة سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمعات. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن سكان العالم بشكل عام يهرمون بسرعة، حيث تشهد نسبة سكان العالم الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا في الفترة بين عامي 2000 و2050، زيادة بنسبة الضعف، أي من 11% إلى 22%.. ومن المتوقع على مدى الفترة ذاتها، أن يرتفع العدد المطلق للأشخاص البالغين من العمر 60 عامًا فما فوق من 605 ملايين نسمة إلى ملياري نسمة. وفي الوقت ذاته ستشهد البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل أسرع وأكبر تحول ديمغرافي، فقد استغرق ارتفاع عدد سكان فرنسا البالغين من العمر 65 عامًا فما فوق بنسبة الضعف، أي من 7% إلى 14%، مدة 100 عام. وعلى عكس ذلك سيستغرق بلوغ تلك النسبة في بلدان مثل البرازيلوالصين مدة تقل عن 25 عامًا. وفق المعايير العالمية، فإن أي مجتمع تجاوزت فيه نسبة أعمار الستين عامًا أو يزيد أكثر من 10% من تعداد السكان، فهو مجتمع يعاني من الشيخوخة، وبناء على هذه المعايير فالشيخوخة أزمة باتت تؤرق العديد من الدول الكبرى في العالم.. وتؤكد الأرقام أن ألمانيا والولايات المتحدة، اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين تعاني بشكل غير مسبوق من ارتفاع معدلات الشيخوخة، فعدد الذين يبلغون 60 سنة أو أكثر في الصينوكوريا الجنوبية تتراوح نسبتهم بين 12 – 15 %، أما في الاتحاد الأوربي وكندا والولايات المتحدة فتقدر نسبة الشيخوخة بين 15-22%. وتشير الدراسات الصادرة مؤخرًا على أن المجتمع الصيني يتجه إلى الشيخوخة بشكل مضطرد مع ارتفاع عدد كبار السن ونسبتهم شيئًا فشيئًا.. وكانت وزارة شئون المواطنين الصينية قد أعلنت عن وصول عدد من تجاوزت أعمارهم 65 إلى 131.6 مليون شخص، يمثلون 9.7% من سكان الصين.. ووصل عدد المواطنين الصينيين الذين تجاوزت أعمارهم الستين بنهاية عام 2013 إلى 202 مليون شخص وفقا للوزارة، ومن المتوقع أن يبلغ عدد من هم فوق الستين في الصين إلى 300 مليون شخص بحلول عام 2025، وأن تبلغ نسبة المسنين بين مواطني الصين 30% بحلول عام 2050.. وتضم الصين التي يعتبر معدل شيخوخة سكانها من الأسرع بين دول العالم، 42، 500 ألف مؤسسة لرعاية المسنين، تحتوي على 6 ملايين سرير، في الوقت الذي بلغت قيمة ما أنفقته الصين على الخدمات الاجتماعية العام الماضي 430 مليار يوان أي نحو 69 مليون دولار أمريكي. وأصدرت المفوضية الأوربية تقريرًا تتوقع فيه أن عدد السكان الذين هم في سن العمل في الاتحاد الأوربي سينخفض نحو 48 مليون نسمة أي نحو 16 ٪ ما بين عام 2010 وعام 2050، في حين أن عدد السكان المسنين سيزداد بواقع 58 مليون نسمة أي بنسبة 77 ٪. وبحلول عام 2050 سوف تنخفض نسبة الأوربيين الذين هم في سن العمل نحو 50 ٪ أي اثنين من العمال بدلا من أربعة. أما اليابان ففيها أكبر نسبة لكبار السن على مستوى العالم حيث أن 21.5 ٪ من الشعب الياباني مسن أي يزد أعمارهم عن 65 عامًا ولقد ارتفعت هذه النسبة من 26.5 مليون في عام 2006 إلى 27.4 مليون في عام 2007 أي بزيادة 7%. وزارة الصحة اليابانية توقعت أن إجمالي عدد سكان اليابان سوف ينخفض بنسبة 25 ٪ أي من 127.8 مليون نسمة في عام 2005 إلى 95.2 مليون نسمة بحلول عام 2050. عند ذلك يجب على اليابان رفع سن التقاعد إلى 77 أو قبول 10 مليون مهاجر سنويًا بين عامي 2000 و2050 وذلك سبب انخفاض نسبة عدد العمال والتقاعد. كما أن نسبة عدد المسنين سوف يصل إلى 40 ٪ بحلول 2055. وتشهد كوريا الجنوبية أسرع وتيرة للشيخوخة في العالم مقابل انخفاض نسبة الإنجاب، نتيجة الاتجاه المتزايد لدى النساء إلى العزوبية.. وحسب مكتب الإحصاء الكوري إن الأشخاص في سن الخمسين كانوا يمثلون 18.3 % ة من 16.5 مليون كوري جنوبي في سوق العمل عام 2013 ويعاني نحو نصف الكوريين المسنين من الفقر وكثير منهم يعملون في وظائف بأجور منخفضة من أجل تغطية نفقاتهم، ويتوقع أن يهبط عدد سكان كوريا الجنوبية الذي يبلغ الآن 50 مليونًا و200 ألف اليوم، إلى 20 مليونًا بنهاية القرن الحالي. وكوريا مهددة بصدمة محتملة ناتجة عن انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع، كما تقول الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون- هيه وتضيف، إن السنوات الخمس القادمة ستحدد مصير الدولة لمدة 50 عاما في المستقبل، مطالبة اللجنة بإعداد تدابير واسعة النطاق وجمع الرأي العام بخصوص انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع. وتشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن عدد المسنين فوق سن 60 في العالم بلغ 650 مليونا، منهم 230 مليونا في أوربا وأمريكا، وهناك 170مليونا في سن 60 في الدول النامية.. وفي دراسة أخرى ترى أن 10 % من سكان العالم مسنين في 1999 هؤلاء من المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 22 % سنة 2050. وهكذا سيكون ربع سكان العالم من المسنين وذلك بسبب التطور العلمي والرعاية الصحية الخاصة وكلها عوامل تزيد من السيطرة على الأمراض المعدية إضافة إلى أن الوعي بالتغذية السليمة تطور بشكل واضح. وهذه الدراسة أعدت لاهتمام الدول الغربية بالمسنين ومن أجل الاستعداد لاستيعابهم صحيا وسكنيا. ووجدت الدراسة أن المرأة تعيش أطول من الرجل بأكثر من أربع سنين ونصف أو خمس، إذ أن الأمومة تطيل عمر المرأة ونتيجة عمل الهرمونات. وعن البلاد التي تكثر فيها أعداد المسنين وجدت الدراسة، أن في الهند 5.8 مليون شخص معمر وذلك بسبب اعتمادهم على الغذاء الطبيعي ؛ وبعدها بالترتيب تأتي اليابان 4.3 مليون ؛ وبعدها روسيا 3 ملايين شخص معمر؛ وفي أمريكا 9 ملايين شخص في سن 80. أما ألمانيا فنسبة الشيخوخة سترتفع ما فوق ال 65 عامًا، على أن يشكل هؤلاء ثلث عدد السكان عام 2060 في مقابل 20 % حاليًا، مما سيؤدي إلى حدوث انقلاب في اقتصاد ألمانيا، يؤثر سلبًا على هذا الاقتصاد ويؤدي خلال السنوات العشر المقبلة إلى انخفاض النمو واليد العاملة. في المقابل 5 % فقط من سكان أفريقيا هم مسنون. ولسوف تواجه البلدان النامية أشق التحديات من حيث الموارد إذ سوف يتعين عليها أن تتعامل مع التنمية ومع شيوخة السكان في وقت واحد. ولكن عندما تطول حياة السكان، وإذا ما أصبحوا في صحة أفضل وعاشوا حياة أكثر نشاطا، فمن شأن السكان المتحولين إلى الشيخوخة أن يتيحوا بذلك فرصا ينبغي الإفادة منها. إلا أن الأرقام حول العالم العربي تشير إلى عكس ذلك من أرقام العالم، حيث تقول الأرقام أن عدد سكان العالم العربي تقارب 300 مليون نسمة يشكلون 5 ٪ من سكان العالم، ويشكل كبار السن الذين تجاوزوا 65 ٪ نسبة 4.1 ٪ فقط، بينما يشكل الشباب الأغلبية. ففي تونس، خلا تصنيف المجتمعات التي تعاني من ارتفاع نسبة الشيخوخة من الدول العربية والأفريقية باستثناء تونس التي يشكل الشيوخ منها 7.5 % من عدد السكان الإجمالي.. ويعود ذلك لما عرف عنها من سياسة تنظيم النسل وأيضا تماسك نظام التقاعد والرعاية الصحية فيها.. لكن النسبة ستشهد تباطؤا بسبب سياسة تنظيم النسل وارتفاع نسب الولادة في المجتمعات العربية الأخرى، حيث ستكون 13.3 % بحلول عام 2030.. وفي لبنان، وبحلول 2030 سيحتل لبنان المرتبة الأولى إذ ستشكل نسبة كبار السن 65 فما فوق 15 % بحلول عام 2030، ليتغير تصنيفه ويلحق بتونس ضمن فئة الدول التي تتميز بتقدم أعمار سكانها. أما المغرب، فيحتل حاليا المركز الثاني عربيا حيث تصل النسبة حاليا إلى 5.1 % من سكانه، وبحلول عام 2030 سترتفع النسبة إلى 9.3%، والنسبة المعتمدة في اعتبار شيخوخة المجتمع هي 7%. وفي مصر تشير التقارير إلى أنه في 20 سنة المنصرمة، وصلت نسبة المسنين في مصر إلى قرابة 7 % من عدد السكان، مرجعًا ذلك إلى زيادة متوسط عمر الإنسان، وارتفاع نسبة المشاكل الصحية المزمنة، وأنه سوف يصل عدد المسنين إلى 20 مليون شخص في مصر أي نحو 21 % النسبة المتوقعة للمسنين في عام 2050. أما بقية الدول العربية فتصنف ضمن المجتمعات الفتية لكن من المتوقع أن تبدأ النسبة في الارتفاع حيث أنه في السعودية تزيد نسبة كبار العمر فيها من 3 % عام 2015، على أن تقفز إلى 7.2 % عام 2030 وتصنف ضمن فئة الدول التي تشهد نموًا بأعمار سكانها. ولم يشهد الأردن تغيرًا في الفئة التي يندرج تحتها، إلا أنه سيقارب أرقام كبار العمر التي ستشهدها السعودية خلال السنوات القادمة، إذ تبدأ بنسبة أعلى من السعودية تبلغ 3.6 % العام القادم، تزيد بنسبة ضئيلة خلال 10 سنوات لتبلغ 5.8 % عام 2030. ويهدف صندوق الأممالمتحدة للسكان، من خلال مشاركته في السياسات والبرامج، إلى دعم أولئك الذين يضطلعون بمسئولية تعزيز رفاهية كبار السن، وبصفةٍ خاصة تلك المشاريع التي تطبق الإستراتيجيات التي تم اعتمادها في مرحلة ما بعد المؤتمر الدولي المعنى بالسكان والتنمية.