إنجلترا استغلت «الإخوان» لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط حركت «الإسلاميين» للتصدى للقومية وخططت معهم لاغتيال «عبدالناصر وسوكارنو» التنظيمات الدينية ساعدت أمريكا في اختبار أسلحة فتاكة في أفغانستان وتهريب أسلحة سوفيتية وإخفاء مصدرها ما أشبه الليلة بالبارحة.. بالأمس كانت المملكة المتحدة توظف التيارات الدينية في الشرق الأوسط لخدمة أهدافها، واليوم ورثتها الولاياتالمتحدة في القيام بالدور نفسه، ليس هذا كلامًا مرسلًا بل معلومات تدعمها الوثائق الصادرة عن محركى عرائس الماريونت أنفسهم، صادرة عن وزارة الخارجية والمخابرات البريطانية بعد أن رفعت عنها السرية. الوثائق التي تكشف عورة التنظيمات الدينية تضمنها كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» للمؤلف مارك كورتيس وترجمة كمال السيد، والصادر عن المجلس القومى للترجمة، وهى تفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين، دولًا وجماعات وأفرادًا، في أفغانستانوإيرانوالعراق وليبيا والبلقان وسوريا وإندونيسيا ومصر وبلدان رابطة الدول المستقلة حديثًا، بل حتى في نيجيريا التي تآمرت بريطانيا على خلافة سوكوتو فيها في أوائل القرن العشرين مع متأسلمين هناك، وذلك لتحقيق مصالحها. يوضح المؤلف، وهو صحفى وكاتب ومستشار، عمل زميلًا باحثًا في المعهد الملكى للشئون الدولية، ومديرًا لحركة التنمية الدولية ورئيسًا لقسم السياسة في مؤسسة المعونة بالعمل والمعونة المسيحية، كم كانت بريطانيا ماهرة وماكرة في التلاعب بكل الأطراف، وأن أكثر من استغلتهم ثم نبذتهم عندما لم يعد لهم جدوى وانتفى الغرض، هم المتأسلمون، بدءًا من جماعة الإخوان السعودية لأسامة بن لادن والأفغان والفرق الإندونيسية. بالوقائع والتفاصيل الموثقة يوضح الكتاب أن المبادئ والقيم ليس لهما مكان في سياسة بريطانيا الخارجية، وأنها اعتمدت سياسة فرق تسد، وتقلبت في التعامل مع كل الأطراف المتضاربة، فبعد أن مولت طالبان وسلحتها انقلبت عليها، وساندت حيدر علييف الشيوعى السابق، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعى السوفيتى والذي أباد خصومه بوحشية ضد معارضيه المتأسلمين، وبعد أن تآمرت مع الولاياتالمتحدة لإعادة الشاه لعرشه في 1953 بتدبير انقلاب على القائد الوطنى مصدق، رفضت طلبه للجوء إليها بعد أن أطاحه الخومينى، وبعد عداء مرير لعدم الانحياز قالت تاتشر إن أفغانستان بلد من بلدان حركة عدم الانحياز العظيمة! وبعد إدانتها للمتمردين عادت لتقول إن كلمة المتمردين خاطئة وإنهم مقاتلون في سبيل التحرير، وبعد رفض الإسلام، رجعت لتقول إنه بديل جيد للماركسية وإن الحكم الدينى الإسلامى مصد للسوفيت. يعرض الكتاب دور بريطانيا القيادى في التآمر مع المتأسلمين، ثم تحولها إلى «جزمة» - كما يقول - في رجل الأمريكيين، تقوم بالأعمال القذرة التي يأنف الأمريكيون عن القيام بها، ويضرب الكتاب أمثلة للرياء البريطانى، أشهرها «إسراف» السيدة تاتشر، وحديثها عن «بعد نظر وروعة» ضياء الحق ديكتاتور باكستان، والمحرك الأول للإرهاب العالمى، كذلك حديثها عن بعد نظر الشاه وخبرته التي لا تباري وعلى ذلك، ففى جنازته في القاهرة أرسلت أمريكا ريتشارد نيكسون للمشاركة، وأرسلت فرنسا سفيرًا واكتفت بريطانيا بموظف في السفارة. يقدم الكتاب الذي يتجاوز 500 صفحة من الحجم الكبير بالوثائق نماذج عن طبيعة السياسة البريطانية التي شاركتها الولاياتالمتحدة كثيرًا من آثامها، ومنها أن بريطانيا كانت هي المحرك للقوى المتأسلمة في تصديها للقومية والعلمانية، وفى هذا خططت لاغتيال قادتها في مصر وسورياوالعراق وإندونيسيا خاصة عبدالناصر وسوكارنو. ويكشف أن جميع الحروب التي اتخذت طابعًا جهاديًا لعبت بريطانيا الدور الرئيسى فيها بداية من أفغانستان للبوسنة حتى الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول ناجورنو كاراباخ والحرب في كشمير وفى بلدان رابطة الدول المستقلة، وأنها شجعت الملا عمر قائد طالبان على أن يوافق في محادثاته على تسليم بن لادن، وهو نفس ما عرضه حسن الترابى المتأسلم، ودفعت لتخصيص الملايين من الدولارات لإبادة الجيش العراقى في 1991، وشجعت بن لادن على أن يعرض على السعوديين أن تدافع قواته بعد أفغانستان عن المملكة، ودفعت هي والأمريكيون الشيعة في جنوبالعراق للثورة على صدام، ثم تخليتا عنهم، بل وقامتا بحماية قوات صدام التي سحقتهم وذبحت آلافًا منهم. من المعلومات التي يكشفها المؤلف أن بريطانيا قامت هي وأمريكا باختبار أسلحة جديدة فتاكة في أفغانستان لبيان مدى فاعليتها، ومن جانب آخر وردت أسلحة لم تثبت فاعليتها في حربها في فوكلاند لأتباعها المتأسلمين في حروبهم، وهربت لهم أسلحة سوفيتية حتى لا يعرف مصدرها. وأرسلت حمولة 100 طائرة من القذائف لمسعود في أفغانستان وتولت تهريب المجاهدين الأفغان بأسماء مزورة لبريطانيا لتدريبهم في معسكرات هناك. تقول الوثائق إن الإنجليز مع تزلفهم لدول الخليج بل وتذللهم لها، كانوا ينقمون عليها ما تملكه من ثروات طبيعية، ويقول سفير بريطانى عن الملك سعود إنه «يبدو أنه ليس لديه فكرة عن أن الأموال ينبغى إنفاقها على أغراض أخرى غير نزواته الشخصية، أو أن هناك حدودًا لما يمكن أن يأتى منها». نظر البريطانيون للعرب باستمرار نظرة دونية، فكان السير كونجريف يرى «أن العرب، مسلمين ومسيحيين ويهود، كلهم بهائم، ومصيرهم لا يعادل حياة إنجليزى واحد»، وكذلك عارض تشرشل إقامة دولة نيابية عربية في فلسطين، وقال إن العرب أقل شأنًا وقدرة من اليهود ومثالًا لعدم مبدئية البريطانيين، فإنه مع ظهور بوادر الحرب العالمية في الأفق، قال تشمبرلن «إنه من المهم كسب العرب لصفنا، وإذا كان علينا أن نغضب طرفًا فلنغضب اليهود»، ورغم إشادات تاتشر بالدين الإسلامى فإنها لم تعتبره أبدًا حليفًا استراتيجيًا واعتبره تشرشل «القوة الأكثر رجعية في العالم». كانت بريطانيا باستمرار تخلف وعودها للعرب، فبعد أن أوهمت الشريف حسين بأنها ستنصبه خليفة للعرب بعد هزيمة العثمانيين، أخذت صف عبدالعزيز بن سعود لأن مطالبه اقتصرت على شبه الجزيرة العربية، رغم أنه في حربه مع حسين قتل 400 ألف وهرب أكثر من مليون، وعند انتصاره شنق 40 ألفًا وبتر أعضاء 350 ألفًا. تلك عينة صغيرة مما أورده الكتاب من جرائم بريطانيا في العالم الإسلامى، ومع ذلك لم ينس الكتاب إنجازات الأمريكيين الذين نافسوا البريطانيين في هذا الصدد، فقد اعترف هؤلاء بأن عبدالناصر أجبرهم على مساندة نظم ظلامية ورجعية وضارة بسمعة مؤيديها، وأنهم جعلوا القومية عدوهم الأول، ونال اليساريون الجزء الأول من اهتمامهم، فقد لعبوا الدور الأساسى في ذبح أعضاء حزب تدوه الإيرانى في 1953، وفى إبادة الحزب الشيوعى الإندونيسى الذي كان يضم مليونى عضو على أيدى صديقهم سوهارتو ومن معه من المتأسلمين، كذلك فعلوا في العراقوالأردن وفى أفغانستان التي كان عميلهم حكميتار فيها يسلخ جلود أعدائه، خاصة اليساريين، أحياء، فقد ساندوه بكل قوتهم رغم أن الكونجرس قال إنه أكثر القادة الأفغان فسادًا. ويبرز الكتاب دور أمريكا وتابعتها بريطانيا في تأييد الديكتاتور (ضياء وسوهارتو والشاه وغيرهم) وآية الله (الملالى في انقلاب 1953 ثم الخومينى قبل أن تنقلب عليه، وكذلك ملالى طالبان قبل أن توليهم ظهرها لرفضهم توقيع عقد نفط مع شركة أمريكية)، وقد أورد الكتاب أن مخابرات أمريكا جندت كثيرين من قادة المتأسلمين منهم سعيد رمضان، مؤسس التنظيم الدولى للإخوان، الذي مولوه بمبلغ 10 ملايين دولار وأجبروا الأردن على منحه جواز سفر. وتشير الوثائق إلى أن أمريكا بدأت من أوائل الخمسينيات تمول الإخوان في مصر ومساعدتهم في سوريا لتدبير مؤامرتين، وتعاونت معهم هي وشركة أرامكو لتكوين خلايا منهم في السعودية لمحاربة القومية العربية. كذلك تآمرت أمريكا مع المتأسلمين الذن كانوا يتحدون النظام السوفيتى في آسيا الوسطى من بين رجال القبائل. وكان دور أمريكا بارزًا في تمويل ملالى إيران وتسليحهم في انقلاب 1953، وحتى بعد الثورة على الشاه أغدقت أمريكا بعدها على الملالى قبل أن تنقلب عليهم، بحيث راجت نكتة في طهران كما تقول: «أشرف بهلوى إنك إذا رفعت ذقن أحد الملالى فسترى عبارة «صنع في أمريكا».