مع تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية ووصول بعض تيارات الإسلام السياسي إلي مقاعد الحكم في عدد من دول ما أطلق عليه الربيع العربي, بات التساؤل الملح من شجع ودعم أنصار هذا التيار عبر نحو ثمانية عقود للوصول إلي ما وصلوا إليه ؟ وما الفائدة التي عادت علي الفعلة الحقيقيين الذين زخموا هذا الاتجاه الدوجمائي ولا يزالوا فاعلين ؟ لعل الكتاب الذي صدر حديثا ل مارك كورتيس الصحفي والكاتب البريطاني زميل المعهد الملكي للشئون الدولية تحت عنوان شئون سرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الأصولي يميط اللثام عن جزء بالغ الأهمية من تلك العلاقة الآثمة التي خلفت خرابا ودمارا غير مسبوقين في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. الكتاب الذي تتجاوز صفحاته الخمسمائة من القطع الكبير لا ينطلق من فضاءات تنظيرية أو رؤي إيديولوجية, بل يستند إلي وثائق رسمية بريطانية رفعت عنها السرية خاصة وثائق الخارجية والمخابرات ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين دولا وجماعات وأفرادا, في أفغانستان وإيران والعراق وليبيا والبلقان وسوريا واندونيسيا ومصر وبلدان رابطة الدول المستقلة حديثا, وحتي في نيجيريا التي تآمرت بريطانيا علي خلافة سوكوتو فيها في أوائل القرن العشرين مع متأسلمين هناك, وذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وان المبادئ والقيم ليس لها مكان فيها.. بمن تلاعبت بريطانيا وأي أساليب براجماتية اتبعت في العالم العربي والشرق الأوسط وفي بلاد المسلمين بوجه عام؟ كان أكثر الذين استغلتهم بريطانيا ثم نبذتهم عندما لم يعد لهم جدوي وانتفي غرضهم هم المتأسلمون, بدءا من الإخوان المسلمين, إلي بن لادن, والشيع الأفغانية للفرق الاندونيسية. أما كيف قدر لها أن تتلاعب بهم, فعن طريق سياسة فرق تسد وقد تقلبت في التعامل مع كل الأطراف المتضاربة, فبعد أن مولت طالبان وسلحتها انقلبت عليها, وساندت حيدر علييف الشيوعي السابق عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي. علي أن المثير والمدهش في كتاب كورتيس المهم جدا هو تبيانه للعلاقة بين بريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية, ذلك أنها بعد أن وضعت لبنات الشقاق والفراق في الشرق الأوسط, كما في حالة تخليق جماعة الاخوان المسلمين في مصر علي يد حسن البنا عام1928, تحولت السياسات والاستخبارات البريطانية إلي حذاء كما يقول كورتيس في رجل الأمريكيين, تقوم بالأعمال القذرة التي يأنف الاخرون القيام بها... هل من أمثلة عملية علي التلاعب بمقدرات العرب والمسلمين بريطانيا ومن ثم أمريكيا ؟ بشكل عام يمكن القطع بأن بريطانيا كانت هي المحرك والموجه للقوي المتأسلمة في تصديها للقومية والعلمانية وفي هذا خططت لاغتيال قادتها في مصر وسوريا والعراق واندونيسيا خاصة عبد الناصر وسوكارنو. والأكثر اندهاشا في وثائق الكتاب أن جميع الحروب التي اتخذت طابعا جهاديا لعبت بريطانيا الدور الرئيسي فيها من أفغانستان للبوسنة حتي الحرب بين أذربيجان وأرمينيا. أين يقع الإخوان المسلمين في خارطة الخطط البريطانية والتي تسلمتها منها لاحقا أمريكا؟ بعض مما جاء في هذا العمل الوثائقي يشير إلي أن واشنطن وبتوصيات بريطانية جندت كثيرا من قادة المتأسلمين منهم سعيد رمضان صهر حسن البنا ومؤسس التنظيم الدولي للإخوان ويتردد أنهم مولوه بمبلغ عشرة ملايين دولار وأجبروا الأردن علي منحه جواز سفر. هل ورث الأمريكيون الازدواجية الأخلاقية القاتلة من البريطانيين أم أنها عنصر مشترك بين الإمبراطوريات التي تسعي لتسيد العالم؟ ربما يكون هذا وذاك صحيحا, غير انه وفي كل الأحوال تبقي الرؤية البريطانية للعرب والتي ورثها الأمريكيون دون شك عبر رجال مثل برنارد لويس, ربيب الاستخبارات الأمريكية, وصاحب الباع الأكبر في شحن الأمريكيين ضد العرب ورائد مخططات التقسيم للعالم العربي الجديد, تبقي تلك الرؤية والنظرة دونية, فعلي سبيل المثال فإن السير كونجريف يري أن العرب مسلمين ومسيحيين ويهودا كلهم بهائم ومصيرهم لا يعادل حياة انجليزي واحد.... هل سلم البريطانيون راية دعم الأصوليين الإسلاميين إلي الولاياتالمتحدة ؟ الثابت أنهم قد فعلوها بالفعل والمؤكد بإطلاق المشهد أن الأمريكيين بزوا البريطانيين في دعم تلك التيارات المتأسلمة وقد اعترف مسئولون أمريكيون كثر بان عبد الناصر أجبرهم علي مساندة نظم ظلامية ورجعية وضارة بسمعة مؤيديها وإنهم جعلوا القومية عدوهم الأول.. هل المؤامرة ممتدة ؟ في العاشر من أغسطس2010 أعطي باراك اوباما أمرا تنفيذيا لكافة وكالاته المدنية والعسكرية باليقظة لشيء ما سيحدث في العالم العربي, وجري بعد ذلك ما جري.. ما أبعاد الصفقة الجديدة بين قوي الغرب الخفية والراديكالية الإسلامية العالمية ؟ المعالم حتي الساعة غير واضحة, غير ان حكم ما يقال همسا اليوم في المخادع سينادي به غدا من علي السطوح كما فعل كورتيس في كتابه المثير. لمزيد من مقالات إميل أمين