رجل «داعش» القادم داخل القطاع.. أعلن مبايعته ل«البغدادى» ثم تراجع تحت ضغوط «حماس» جماعات سلفية فلسطينية أعلنت الولاء ل«داعش».. والتجنيد عبر الإنترنت خلعوا الشال الفلسطينى المرقط باللون الأسود، وساروا في شوارع غزة، يرتدون قمصانًا قصيرة، وجاكيتات عسكرية، وقبعات سوداء ينسدل منها شعرهم الطويل، إنهم «الدواعش الجدد» في قطاع غزة، الذين لا يعرفهم أحد، ولا يدرى أي شخص من أخرجهم من القمقم؟ لكى نجيب عن هذا السؤال، لا بد أن نبدأ من العوامل التي دفعت باتجاه «دعشنة غزة»، وأسباب ظهور هذه الجماعات، والدور المصرى مستقبلًا، وهل من الممكن أن يكون لها دور في القضاء على داعش غزة؟ وما حدود هذا الدور؟ باختصار، حركة «حماس» أجنحة متعددة ومتنوعة، ما بين جناح علنى سياسي، وجناح آخر سرى وهو كتائب القسام، وكلا الإثنين منقسمان حول التبعية لإيران، أم لقطر. أصبحت حماس في موقف لا تحسد عليه، فلأول مرة تفقد غزة جناحيها، وهما سوريا ومصر، وتطير في المنطقة دون جناحين، وتنقسم حول القيادة والأحق بها، وحول الرؤية والإستراتيجية، ما جعل خالد مشعل يحط ركابه في الدوحة، بينما موسى أبومرزوق يسعى جاهدًا للبقاء في الحلف الإيرانى، وبين هذا وذاك، تعيش حماس الحصار الحدودى والسياسي، وتنقسم حول مصر، فأغلب الجناح القسامى يدفع باتجاه معاونة الإخوان في حربها مع النظام، بل وتورط بعضهم في تدريب ودعم الجماعات الموجودة بسيناء، وهناك الجناح الآخر، الذي يعرف أن غزة دون مصر لا تساوى شيئًا، ويقوم بالتنسيق الأمنى مع مصر. قبل وصولها للسلطة، وسيطرتها على غزة بانقلابها المعروف، كانت حماس تروج لنفسها أنها حركة مقاومة، وأنها ستطبق الشريعة، وبعد مرور هذه الأعوام بدأ السؤال في قواعدها يغزو كل هيكلها التنظيمى، هل أقفل باب الجهاد في فلسطين؟ أين المقاومة؟ الأسئلة السابقة كانت تحديًا كبيرًا لحماس، والإجابة عنها كان معناها معضلة تتعلق بالفكر وبالممارسة الحمساوية، وهذا ما دفع العشرات للانشقاق، أو الانضمام لتنظيمات السلفية الجديدة بغزة، وهم في مكانهم لم يبرحوا كتائب القسام، ما ورط حماس أحيانًا كثيرة، ووضعها في موقف محرج لا تحسد عليه، وتحديدًا في ملف الأنفاق، وسيناء والجماعات المسلحة فيها. ووفق ما أكده لى الباحث الفلسطينى، ثابت العمور، فإن قائد كتائب عزالدين القسام السابق، أحمد الجعبرى، كان إذا تورط حمساوى مع مصر، وطلبه الأمن المصرى، يقول ارسلوه لعملية (أي كلفوه أن يذهب لعملية مسلحة مع إسرائيل وتخلصوا منه هناك)، فالجعبرى كان يدرك أنه من الصعب رفض طلب مصر، وفى ذات الوقت فإن تسليمه معناه انشقاق العشرات وانقلابهم على القيادة الحمساوية، وكان قتل العضو عليه والتخلص منه أهون من الأمرين معًا. الجعبرى كان شخصية نافذة وقوية للغاية، وطبعًا قتل بعد ذلك في إطار صراع حمساوى داخلى، حول التبعية لإيران، أم للعرب، والآن في غيابه تورطت حماس مع مصر، وتزايدت انشقاقات الشباب الحمساوى من القواعد العسكرية، والتحقوا بمدارس جهادية وعسكرية مختلفة، أهمها بالطبع تنظيما القاعدة وداعش. الحقيقة المهمة التي أريد أن أؤكد عليها أن الاغتيالات أثرت على حماس، أي اغتيال عدد كبير من قادتها المؤثرين، وتحديدًا في حرب غزة الأخيرة، أيام حكم الرئيس السابق مرسي، ما أدى إلى تشتت الحركة، ودفع للالتحاق بداعش في تواصل واستمرار، فرديًا أحيانًا وجماعيًا في أحيان أخرى، وهذا بالطبع تتوافر له كل عناصر التواصل والتنقل والانتقال بكل أريحية، وفق ما قاله العمور أيضًا. غزة بدأت الرحلة إلى داعش، وكل يوم نشهد مقتل غزاوى في سوريا والعراق، وليبيا أحيانًا أخرى، وعلى سبيل المثال، محمد الحاج والمعروف بأبوعمر المقدسى، وممتاز الوحيدى، ومحمد بكر الملقب بأبوعدى الغزاوى، الذي قتل في ريف حلب الشمالى، وأحمد بدوان والملقب بأبوطارق الغزاوى من مخيم البريج، وعبدالإله قشطة، من رفح قتل في مدينة درنة بليبيا، وغيرهم الكثير، وأغلبهم شباب ما بين 20 و30 عامًا، ميسورو الحال، متعلمون. ربما ساهم التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعى في زيادة الظاهرة، لكن السبب الحقيقى، هو أزمة الفصائل الجهادية الفلسطينية، التي كانت ترفع شعار المقاومة، ثم تحولت لتصبح حركة سلطة، تمارس السياسة بأبشع ما مورست به. منذ أسبوعين تقريبًا أعلن جيش الإسلام الذي يقوده دغمش، بيعته للبغدادى، ومنذ أيام أيضًا أعلن سحب البيعة، ونفى أن تكون له علاقة بتنظيم الدولة. وفق مصادر خاصة، فإن «دغمش» تعرض لتهديد من حماس، فبينهما ثأر قديم، فقد أهانته واعتقلته، وحينما خطف الجندى الإسرائيلى «شاليط»، أقنعته بتركه لها، وبعدها فضحته وأكدت أنه قبض مليون دولار منها مقابل تركه، وأشارت إلى أنه مرتزق يعمل لمن يدفع أكثر. كل ما قالته حماس عن دغمش صحيح، فهو مرتزق بالفعل، وهو جنائى وسوابق، لكن بعضًا أقنعوه أن يدخل السجن من أجل قضية، والأخيرة يمكن أن تأتى له بالملايين، وهو ما نجح فيه بالفعل، لكن بعضًا من عائلته قتل على يد من حماس، ولذا فهو يناورها بحكاية داعش، ويضغط عليها. بعض من المراقبين للحالة أشاروا إلى أن دغمش من الممكن أن يكون قد خرج من القمقم من أجل الضغط على مصر للمصالحة مع «حماس»، وتخويفها من الشبح الداعشى على حدودها، فالدواعش ومنهم دغمش خرجوا من كنف حماس بعد خلافهم معها حول قضايا فكريّة وأيديولوجية مرتبطة بدخولها الانتخابات التشريعية الفلسطينيّة في العام 2006، وكان حضورهم الفعلى في غزة عام 2009، حينما أعلنت مجموعة من المقاتلين السابقين في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اعتناقهم الفكر السلفى الجهادى، وسارعت أجهزة الحركة إلى تطويق الموقف، وأرسلت إلى جماعة «جند أنصار الله»، كما أطلقوا على أنفسهم، عدة وفود للتحاور معهم في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح جنوب القطاع، حيث كانوا محتشدين فيه مع أسلحتهم، لكنها فشلت جميعًا، إلى أن ذهب أبوجبريل الشمالى، قائد الكتيبة الشرقية لكتائب القسام في مدينة رفح، للتوسط بنفسه، لكنه قتل برصاص المتحصنين داخل المسجد، وبمقتله اندلعت معركة حامية الوطيس في المسجد، واستمرت لساعات عديدة، تمكنت خلالها كتائب القسام من اقتحامه والسيطرة عليه، وجرت على إثرها ملاحقات لقادة المجموعة، وعلى رأسهم عبداللطيف موسى، في أنحاء عدة من رفح، تخللتها تفجيرات انتحارية ومقاومة مسلحة، خلفت 28 قتيلًا و100 جريح في صفوف الطرفين، لتعلن وزارة الداخلية بعد ذلك انتهاء الحملة الأمنية في مدينة رفح، ومقتل موسى بفتوى القرضاوى. في الثانى من فبراير 2014، نشر «مجلس شورى المُجاهدين أكناف بيت المقدس»، في شبه جزيرة سيناء المصرية، بيانًا أكد فيه أنهم «مُلزمون بنصرة رجال الدولة الإسلاميّة وتثبيت أركانها»، وبعد مرور تسعة أيّام، نشر تنظيم جهادى سلفى آخر مقطعًا مُسجّلًا يعلن فيه تأييده ل«داعش»، وأعلنت عدّة جماعات سلفيّة في قطاع غزّة ولاءها ل«داعش». على أثر ذلك اعتقلت «حماس» عناصر مؤيدة ل«داعش» في غزة، ووجه التنظيم في حلب، في 30 يونيو الماضى، رسالة تهديدية إلى الحركة، أدان فيها قيامها باعتقال مناصريه في القطاع وقتلهم. وطرح الشيخ عصام صالح، وهو إحدى الشخصيات السلفية البارزة في غزة، مبادرة المصالحة بين «حماس» والسلفيين، نصت ألا تكون المواجهة بين الفلسطينيين أنفسهم، ومنع التفجيرات الداخلية في غزّة واستنكارها، ومنع التعذيب في سجون أجهزة الأمن في غزة، إلا ضد المتورطين بالتعاون مع إسرائيل، وعدم مهاجمة «حماس» بيوت السلفيين، وإطلاق سراح المعتقلين، وإعادة أموالهم وأسلحتهم، وإتاحة التدريب العسكري لهم في غزة، وتوفير الإمكانات اللازمة لذلك، ورأت الحركة عدم الاصطدام مع داعش، واستغلال التنظيم في طرحه ككلب يعوى على النظام المصرى، في أوج خصامها مع السلطة المصرية.