ثورة ام رياح تصرخ في خرائب النفس؟!..صيحة حرية ام انقلاب في القيم وموجة هوجاء تلطم الحس؟!!..نقلة حضارية وبكائيات على الجسد المقموع ام ردة فوق القفار البائسة ؟!..كثيرة اسئلة التعري في هذا الصيف الساخن وهي مطروحة في الغرب كما انها مثارة في الشرق !. في الغرب العري مذهب له فرق واتباع وتصدر عنه كتب احدثها كتاب صدر بالانجليزية بعنوان:"التعري على الغداء:مغامرات متعري رغم انفه" ويدور حول صحفي اضطر لخلع ملابسه حتى يعرف اسرار كل الفرق والجماعات المتنافسة في عالم العراء والتعري والمدافعين عن قدسية الطبيعة. المدرسة القديمة في العري التي تتبنى مفاهيم فلسفية مستمدة من الطبيعة لا تنظر لهذه المسألة أي نظرة حسية بمعنى الاثارة خلافا لما قد يتوقعه البعض أو يفترضه البعض الآخر وانما الأمر مرتبط فلسفيا بالرغبة في الحياة الطبيعية تماما والبريئة من وجهة نظر المنتمين لهذه المدرسة التي تختلف عن موجات العري الجديدة. بالنسبة للصحفي مارك هاسكيل سميث المتخصص في مجال الصحافة الاستقصائية بدا الأمر اقرب لكابوس فظيع وهو يجد نفسه وسط حشد يضم نحو الفي شخص كلهم من العرايا وانه الشخص الوحيد الذي يرتدي ملابس وماكان امامه سوى أن يتعري مثلهم أن اراد البقاء وسطهم !. مشهد غريب حقا برجال اغلبهم من كبار السن الذين يتجاوز كل منهم ال70 عاما رصده هذا الصحفي على ظهر زورق في سياق مغامرته لاستكشاف ملامح العري المعاصر والمؤكد كما يقول أن الجماعات التي اسست على قاعدة أفكار فلسفية تنظر للعري تتراجع وتنقرض. هذه حقيقة رغم كل الضجيج والمشاهد الغريبة مثلما حدث عندما فرض المجلس المحلي لمدينة سان فرانسيسكو حظرا على التعري منذ نحو عامين لتشهد هذه المدينةالأمريكية مظاهرات غاضبة احتجاجا على القرار. يوضح مارك هاسكيل سميث في كتابه الذي يمكن وصفه بأنه نوع من الدراسة الأنثربولوجية أو علم الاناسة التشاركية أن تلك الجماعات الفلسفية المدافعة عن العري تتراجع وتضمحل لأن اغلب المنتمين لها هم من ابناء الطبقة الوسطى الذين بلغوا سن التقاعد وهم يتجمعون في امسيات حول عازف بيانو ويطلبون سماع مقطوعات لالتون جون أو بيلي جويل لكنهم يضطرون لارتداء بعض الملابس أثناء جلسات اليوجا !. انها المدرسة القديمة في العري والتي تحتضر الآن حتى أن عدد المنتمين لهذه المدرسة بمفاهيمها الفلسفية في بريطانيا قد انخفض بمقدار النصف خلال العقد الأخير كما يقول مؤلف الكتاب الذي يشير إلى أن بعض اتباع هذه المدرسة هم من اساتذة الجامعات والأكاديميين اللامعين كما أن لهذه المدرسة من يمكن وصفهم بالمنظرين لفلسفتها في جبال الألب النمساوية وهي المنطقة التي ولدت فيها أفكار التعري كمذهب لمحبي الطبيعة لحد الذوبان فيها والتوحد معها. ومن جبال الألب النمساوية انتشرت أفكار هذه المدرسة في المانيا مابعد الحرب العالمية الأولى وراح البعض يمتدح تلك الأفكار التي ترمي للقضاء على العبودية الاقتصادية والتمييز الاجتماعي فيما ترمز الملابس في نظرهم لهذا التمييز ولهذا فمن الأفضل خلعها تماما !. هذا الاتجاه القديم أو المدرسة الغابرة في العري ترمي في الواقع ضمن مقاصدها لإزالة النظرة الاثارية الحسية للجسد الإنساني وهي مسألة يؤكد عليها الكاتب مارك هاسكيل سميث المرة تلو المرة في كتابه الجديد فيما ظهر اتجاه في العري مخالف لتلك المدرسة مع أفكار مغايرة للفرنسي اميل ارماند الذي نشر طرحا بعنوان غريب حقا هو:"التعري الثوري" !. وهذا الطرح عمد لتسييس مسألة التعري معتبرا انها تخدم قضايا الحريات الاجتماعية والسياسية وصولا لما يسميه "بالانعتاق الإنساني" وهو طرح يفتقر للوضوح والتماسك كما يقول مؤلف الكتاب مارك هاسكيل سميث غير أن هذا الفرنسي كان مسئولا عن الخروج على الأفكار البريئة لأصحاب المدرسة القديمة التي تلفظ تماما النظرة الحسية والمعاني الاثارية للجسد الإنساني العاري. فمع أفكار اميل ارماند التي ظهرت منذ عام 1934 راحت النظرة الحسية والمعاني الاثارية تقترن بمذهبه في التعري ومضت تخرج من دائرة الأقوال لحيز الأفعال في منتجعات بجنوب فرنسا حسبما يرصد الكاتب مارك هاسكيل سميث الذي نجح في كتابه في الافلات من فخ الوقوع في الابتذال وهو يناقش موضوعا كهذا بقدر مانجح أيضا في تفادي إطلاق احكام نهائية أو قاطعة حول هذا الموضوع. غير أن الموضوع يتخذ في الواقع المعاصر اشكالا مبتذلة وابعد ماتكون عن أي أفكار فلسفية أو خلفيات ثقافية وواقع الحال أن القضاء في بلد كالولايات المتحدة بات يتخذ مواقف مناهضة لهذا النوع من التعري المقترن بالاثارة والابتذال رافضا مقولة أن التعري نوع من التعبير بالجسد. هل لايصح الاحتجاج الا إذا فقد الإنسان الحياء ام أنه لابد وان يحل الإنسان محل الأشياء ويحل الوجود محل الامتلاك وتحل القيم الوجودية محل القيم المتشيئة؟!..هل لابد من التعري عندما تمضي الأنثى الباكية في محاولة جمع اشلاء النفس تحت وقع ضربات وحشية لثقافة السوق والرأسمالية المتوحشة؟!. وفيما تتوالى الأنباء عن وقائع التعري في هنا وهناك بمسميات ولافتات احتجاجية بدا أن "العدوى تنتشر" وكأن الاحتجاج لايكون الا بالتعري مثلما حدث مؤخرا في كندا عندما سارت مئات النساء في مظاهرة احتجاجية بصدور عارية والمظاهرة نظمت احتجاجا على توقيف الشرطة لثلاث شقيقات أثناء قيادة دراجات هوائية دون ارتداء مايحجب صدورهن فيما تذرعت الفتيات الثلاث بالصيف الحار!. ولا جدال أن هناك وسائل إعلام في السياق المعولم تشتهي اخبار التعري وتهلل لثقافة المقارعة بالصدور العارية كلما حدثت حلقة جديدة من مسلسل عربدة الجسد اونظمت مجموعة من النساء وقفة احتجاجية بصدور عارية كما حدث في البرازيل خلال العام الماضي عند أحد شواطيء مدينة ريو دي جانير وذلك للتنديد بقانون جديد يجرم التعري في الأماكن العامة ويقضي بمعاقبة من يرتكب هذا الفعل بالسجن لمدة عام. والمثير للتأمل أن العديد من المنظمات الحقوقية النسائية في البرازيل كانت قد رفضت هذا القانون الجديد لأنه في نظرها ينطوي على تقييد لحرية المرأة بينما كانت السلطات البرازيلية قد تبنت القانون تحسبا من هجمات التعري أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم عامئذ. والمسألة متصلة على نحو أو آخر بما يسمى "بثقافة المقارعة بالصدور العارية" أو "ثقافة الاستعراض بالأجساد" التي ولدت في الغرب وتنطوي على عديد مفارقات من بينها أن هذه الثقافة وان ادعت مناهضتها "لتسليع جسد المرأة" لم تجد في الواقع سوى الجسد الأنثوي كسلاح احتجاجي وكأن كل سبل الاحتجاج الأخرى قد انتفت واختفت!. ولن يعدم اصحاب أو صاحبات هذا الأسلوب الاحتجاجي الذرائع التي تتضمن الزعم بأن التعري تصرف ثوري بريء من الاغراء الذي يسكن بعض العقول الذكورية المريضة !..بل أن البعض يوغل في اختلاق ذرائع ثورية من قبيل أن العري في هذا السياق الاحتجاجي إنما ينطوي على تحرير لجسد المرأة!. وهاهي منظمة أو حركة "فيمين" النسائية التي تقود تيار التعري في العالم تدعي انها تنظم هذه الهجمات للصدور العارية احتجاجا على سوء استغلال النساء في الدعاية التجارية للبطولات الكروية العالمية وفي مقدمتها المونديال وبطولة كأس العالم للقارات وبطولة كأس الأمم الأوربية. في سياق كهذا يختلط الحق بالباطل على نحو مثير للدهشة وتتردد مقولات عن فضح النفاق والتناقض في المجتمعات الذكورية القمعية مع أن تلك المقولات ذاتها قد تكون عين النفاق والتناقضات كما أن معالجة الجوهر الفضائحي لكثير من وقائع عالمنا اليوم لاتكون بهذه النزعة الفضائحية تحت لافتة "المقاومة بالأجساد العارية" والتي تضيف فضيحة جديدة لعالم بدا أنه ادمن الفضيحة!. وفي الأونة الأخيرة بدا أن هناك نوعا من الالحاح على نشر ثقافة التعري في دول عربية بصورة تدعو لكثير من التساؤل بقدر ماتعكس الحاجة لاضاءة ثقافية والتأكيد على حقائق حضارية. فقد نشطت منظمات وحركات غربية لما يسمى "بالنساء المتعريات" مثل "حركة فيمن" في العالم العربي لتأسيس أفرع عربية لهذه الحركات و"التضامن بتعرية الأجساد" مع فتيات عربيات قمن بتعرية انفسهن في سلوك مرفوض وممجوج ولاينتمي بأي حال للثقافة العربية. وينطوى هذا السلوك المرفوض على نوع من التقليد الأعمى ثقافيا وحضاريا لممارسات قد تكون وليدة ظروف مغايرة في الغرب وجديد ثقافة التعري هناك وبما يعبر عن هيمنة اليات السوق والسعي لتسليع المرأة أو التستر وراء شعارات جذابة مثل "الجمال الطبيعي" مثلما حدث عندما تعرت عارضة الأزياء الروسية ايرينا شايك صديقة لاعب الكرة البرتغالي الشهير كريستيانو رونالدو بزعم أن صورها العارية ستستخدم لدعم مشروع اجتماعي غير هادف للربح!. وبصرف النظر عن مغزى اهتمام صحف غربية كبيرة بما تعتبره قضايا التعري في العالم العربي فان قضايا المرأة المصرية والعربية أكبر بكثير من مجرد اختزالها في قضايا الجسد والمخادع كما أن لهذه المرأة تاريخها الوضيء في القضايا الكبيرة للوطن جنبا إلى جنب مع الرجال. وصحف مطلع ثلاثينيات القرن العشرين حافلة بأخبار مظاهرات النساء المصريات احتجاجا على إلغاء دستور 1923 فيما يرددن الهتافات ضد إسماعيل صدقي رئيس الحكومة الموالية للسراي وقبل ذلك كان دور المرأة في ثورة 1919 مشهودا. بل أن ظاهرة "المرأة المعيلة" أي القائمة بتلبية متطلبات المعيشة لأفراد عائلتها تتصاعد الآن في مصر وعلى نحو يشير بأصبع الاتهام لكسل الرجال واستسلام البعض منهم لراحة ثرثرة المقاهي!. ويقول الكاتب والباحث المرموق وحيد عبد المجيد أن "النساء المعيلات في مصر في ازدياد وتقوم كل منهن بما يعجز عنه أي رجل لأنها تعمل اما وابا في الوقت نفسه واحيانا في وجود زوج لايستحق حتى وصف ضل حيطة"!. وكان الدكتور وحيد عبد المجيد قد اعتبر الهجوم على الوثيقة الختامية للدورة ال57 للجنة المرأة بالأممالمتحدة بشأن العنف ضد المرأة "حلقة في هجمة شرسة ضد المرأة المصرية وحقوقها الأساسية" فيما ذهب إلى أن هذه الهجمة تستهدف مستقبل مصر أكثر مما تستهدف "اعادة المرأة إلى عصر الحرملك". كما أعربت الكاتبة سكينة فؤاد عن شعور بالقلق حيال "ماكشفت عنه مجموعة من الدراسات والاستقصاءات الحديثة عن تراجع أوضاع المرأة المصرية إلى الأسوأ بعد ثورة يناير " وتزايد فقر المرأة واحساسها تماما بافتقاد الآمان المادي وعدم توافر فرص العمل استمرار العنف ضدها من عنف منزلي وتحرش وتزويج الصغيرات". واذا كانت بعض الكاتبات في مصر والعالم العربي تسلطت عليهن "عقدة سيمون دي بوفوار" والرغبة في نيل شهرة هذه الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية عبر محاكاة بليدة وخارج السياق الثقافي والحضاري العربي لكتابها الشهير "الجنس الثاني" الذي صدر في مطلع خمسينيات القرن العشرين بأفكاره واتجاهاته التي توصف بالتحرر النسائي والسعي لتحرير المرأة بامتناعها عن التقيد بعلاقات مفروضة عليها مع الرجل فان هذه الأفكار والاتجاهات تخص الثقافة الفرنسية والغربية ولاتخص الثقافة المصرية والعربية. ولعل مايحدث الآن على صعيد قضايا المرأة المصرية والعربية يعبر ضمن تجلياته عن السؤال المركزي والرئيس:"هل هذا العالم ثقافة واحدة وحضارة واحدة ام عدة ثقافات وحضارات"؟ وعلى الذين يتحمسون لمقولة الثقافة الواحدة والحضارة العالمية الواحدة الا ينسوا أو يتناسوا أن ذلك يعني في الواقع تحول ثقافتنا وحضارتنا إلى مجرد تابع للمركز الثقافي-الحضاري الغربي. فنحن نرحب بالتعايش والتفاعل والتشارك من موقع الندية وعلى قدم المساواة في الميراث الثقافي الإنساني وفي تقنيات وتطبيقات المعارف مع احتفاظ كل حضارة ببصمتها الثقافية وخصوصيتها في الدين والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف وفلسفة الرؤية للكون والوجود. وبالقدر ذاته لابد وان نرفض الهيمنة والقهر الحضاري الذي يمسخ فيه القوى بالمعنى المادي خصوصية وهوية الضعيف أو المستضعف ساعيا لاحتلال عقله ووجدانه للأبد. ومع ذلك يقتضي الانصاف والموضوعية التأكيد مجددا على أن اصواتا ثقافية مسموعة ومرموقة في الغرب ترفض بشدة ثقافة التعري وهاهو القاص البريطاني جوليان بارنز صاحب جائزة بوكر يقول أن العنصر التجاري أو اليات السوق وراء تلك النزعة من التوسع في الكتابة الحسية وتناول العلاقات الحميمة بتفاصيل مثيرة لتلبية مطالب قراء جائعين هم جمهور ثقافة التعري. وتؤكد الكاتبة سكينة فؤاد على الحقيقة المتمثلة في أن الإسلام يرفض أي شكل من اشكال العنف ضد المرأة أو التحرش بها كما أنه لايناهض تعليمها أو يسمح باغراقها في العجز والفشل والفقر والعوز معيدة للأذهان أن النساء المصريات مثلن نقطة ارتكاز أساسية في ثورة 25 يناير الشعبية "وكن دائما اخطر واقوى اعمدة الدولة المصرية". ومن هنا تدين سكينة فؤاد ماتصفه "بتزايد محاولات اقصاء المرأة وتهميش دورها ومكانتها ورؤى متخلفة عن صحيح الدين والمنزلة التي انزلها لها". أن مصر التي انجبت رجالا مثل سعد زغلول الذي سعى الزعيم الهندي غاندي للتعلم منه ونساء مستعدات للشهادة من أجل الوطن واسهمن بدور كبير في ثورتي 25 يناير و30 يونيو كبيرة برجالها وبنسائها..كما أن الحقيقة التاريخية اشد كثافة وأكثر دهاء وتركيبا من اختزال سطحي لقضايا المرأة في مجرد جسد !. هذا اختزال يشوه الواقع ويفرغ الحركة من معناها بقدر مايشوه نضال المرأة ودورها وياله من دور جليل كما تكشف عنه إيقاعات التاريخ في حركة عامة من أجل الحرية وبأسلوب مصري خالص..فمصر الكبيرة تقول دوما:"نعم لحرية المرأة اما ثقافة التعري فمرفوضة". للحلم أجنحة لكن التعري قد لايزيد عن مجازفة سقوط وعصف رياح وازهار مهشمة وهزيمة فضيلة جريحة للخصوصية الإنسانية تحت قدمي نزق الأفكار وهوس العري واستباق الريح للعجز المريب بهراء المقاومة بالصدور الأنثوية العارية..طوبى لمن لايسكب آلامه في العري ولايحول الآلام للعنة جديدة ووجعا في قلب البراءة!.