قال الفنان التشكيلي الدكتور عادل عبد الرحمن: إن القيمة الحقيقية للفن التشكيلى الأصيل تنبع من ارتباطه بالبيئة وتمسكه بجذور الحضارة وتعبيره عن روح وثقافة العصر؛ وتواصله مع التغيرات الاجتماعية ومظاهر الحياة الإنسانية التى تعكس نظام كل مجتمع وتميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى. وأضاف عبدالرحمن فى تصريحات صحفية، اليوم: أنه ولعل العلاقة التفاعلية الأزلية بين الإنسان والبيئة هى أحد أهم مصادر استلهام الفنان التشكيلى عبر التاريخ ، فعبر كل فنان عن هذه العلاقة بقدر صدقه وقناعته ورغبته الملحة فى استحضار صور جديدة موحية ومؤثرة تعكس تأثره بالعوامل الثقافية التى يعايشها ويتفاعل معها معظم الوقت . وأشار إلى أن الفنانة الراحلة " تحية حليم " أحد نماذج هذا الفن الأصيل، فهى تعايش تجربتها الفنية فى حالة من الحماس والتوهج ، تبلور خلالها أفكارها وتوجهاتها وانفعالاتها ، معبرة عما يجيش فى نفسها من أحاسيس ومشاعر ، تستعين بخبراتها ، التى تمزجها بمخيلتها الإبداعية ، ثم تنطلق بمخزونها البصرى فى آفاق رحبة ، تتخطى حدود الواقع إلى اللامحدود ، فى حالة ذهنية من التمرد على القواعد والقولبة الفنية ، والخروج عن الاعتيادى والمألوف ، تستخدم خلالها الرموز والعناصر البصرية المستمدة من فنون الحضارات القديمة والبيئة فى صورة غير مباشرة ، تعتمد على الإيحاءات الشكلية واللونية التى تستثير المعانى ، وتبحث عن ارتباطات فى نفس المتلقى . وتابع عبدالرحمن : تعتبر "تحية حليم" واحدة من أبرز رواد الحركة التعبيرية الحديثة للفن التشكيلى المصرى فى جيل فترة الستينيات من القرن الماضى، ولدت يوم التاسع من ديسمبر 1919م فى السودان . وتتلمذت على أيدى اللبنانى " يوسف طرابلسي " ، واليونانى " جيروم " ، وكذلك الفنان " حامد عبد الله " الذى كان له دور كبير أثر في شخصيتها، وقد تلقت تحية حليم تعليمها الأول داخل القصر الملكي في عهد الملك فؤاد ، ومن ثم سافرت إلى فرنسا والتحقت بالمدارس هناك وأكملت تعليمها حتى الأكاديمية، لكنها أتمت دراستها فى أكاديمية " جوليان بباريس " فى الفترة من 1941 إلى 1951م . ولفت عبدالرحمن إلى أن لوحاتها تميزت بالحوار التعبيرى المتبادل بين العناصر التشكيلية فى العمل الفنى الذى يعد محور التجربة الجمالية التى تخوض الفنانة غمارها بحثاً عن ذاتها ، محاولة ترجمة أفكارها ، والتعبير عن أحاسيسها فى أطر بصرية مبتكرة ، فالفنانة تحية حليم تتأمل وتبحث وتجرب وتنتقى ، وتختبر احتمالات التباديل والتوافيق ، وتنشئ العلاقات الرمزية بين مفرداتها ، وهى تمر فى أثناء ذلك بالعديد من العمليات العقلية الواعية المتتابعة، من اختيار الموضوع والخامات والأدوات والتقنيات، إلى تحديد العناصر والمفردات الشكلية والألوان، وحتى عمليات الممارسة والتجريب، وصهر المعطيات السابقة فى بوتقة الكل الواحد .. المتمثلة فى العمل الفني. وأشار عبدالرحمن إلى أن المفردات والعناصر المصرية الطابع والتي كانت المثير الأساسى لفكر الفنانة " تحية حليم " فى ارتحالها عبر جنبات تجربتها الإبداعية ، عناصر مصرية قديمة .. مفردات قبطية. موضحًا: كان لرحلتها إلى النوبة أثر عميق فى عشقها لبلاد النوبة ، فأطلق عليها (عاشقة النوبة)، ولقد استنبطت من مفرداتها صياغات تشكيلية مبتكرة ، تتسم بالبساطة أو ما أطلق عليه النقاد (السهل الممتنع)، فعكست صفات الود والطيبة والكرم التى يتمتع بها أهل النوبة فى لوحاتها . كما تطبع أسلوبها المصرى الأصيل بالمزج بين الفن الإسلامى والقبطى. وواصل: أن الفنانة "تحية حليم " لا تترك العناصر التشكيلية مجرد عناصر حسية فحسب ، بل تصهرها ، ضمن خطة متكاملة فى بوتقة تحقق التآلف والانسجام، والتعبير عن الجوانب الخفية فيها، دون محاكاة مباشرة للواقع فى وحدة تبهر العين، وتشبع النفس، كما تطلق العنان لخيالها وسط عالم ينبض بالغموص والسحر والجمال ، مضيفًا أن العناصر التشكيلية فى لوحاتها تتجاوز حدود الواقع لتمثل مصدراً للمتعة الحسية، والفنانة تتمتع باختيار عناصرها التشكيلية، وتنسيقها