في الذكرى التاسعة على رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ، تظل للحارة التي رسم ملامحها خصوصيتها، وتميزها، وعالمها الخاص والغريب، ويبقى خالداً فيها مشهد الفتوة الجالس وحوله أتباعه، وكل منهم ممسكا بنبوته، استعداداً لمعركة جديدة مع فتوة حارة مجاورة، ويجلس الحرافيش يحكون أخباره في سهرات الغرز بينما يقرع الجميع كيزان البوظة، ليبرهن كلٌ منهم على رجولته، وغيرها من تفاصيل الحارة السحرية التي ترسخت في ذاكرتنا. الجميع اهتم بفتوات محفوظ كرموز للعدالة والخير، لكن لا أحد توقف عند من أقام هؤلاء العدل في مواجهتم، هؤلاء الفتوات الذين عاشوا من البلطجة والفساد وأقاموا سلطتهم على عرش الخوف، الأسماء التي كانت الحارة ترتعد من أصحابها لمجرد المرور بجوارهم، هؤلاء الذين كان يتجمع الحرافيش حولهم ليهتفوا "اسم الله عليه"، ثم يأتون مع كل وافد يحمل الأمل ليهدموا من رفعوه على رءوسهم قهراً ويركلوه وهم يصيحون بالعبارة نفسها. "البوابة نيوز" تأخذك إلى عالم هؤلاء الطغاة، الذين صنع ظلمهم داخل حواري محفوظ الحكايات التي استمتعت- ومازلت تستمتع- بها حتى الآن، كان أولهم "درويش" الذي نشأ مع عاشور الناجي، ومنهم "الفللي" الذي ذبح فتاة للتخلص من حفيد الناجي الحالم بالفتونة، و"سماحة القبيح" الذي تخلى عن حلم جده وصار ظالماً حتى مع أخيه الوحيد، و"حسونة السبع" آخر فتوات ملحمة الحرافيش؛ هناك أيضاً "الشبلي" الذي رسم محفوظ ملامحه بجدارة في "الشيطان يعظ". الشبلي.. خان من لجأ إليه ظهر في قصة "الرجل الثانى" في المجموعة القصصية "الشيطان يعظ"، والتي تحكى عن "شطا الحجري"، الشاب الحالم دوماً، والذى يمُنّي نفسه بأن يصبح الرجل الثاني لدى المعلم "الديناري" فتوة الحارة، ولكن يسير في طريقه على غير هدى مسلوب الإرادة، فيعشق "وداد" خطيبة الديناري، ويقرر الهروب بها من حارته التى يحكمها الديناري إلى حارة "العطوف" التي يحكمها فتوة آخر هو "الشبلي" الذي يُناصب الديناري العداء، وكان يعمل خادمًا لديه من قبل، وطرده الأخير من الحارة. الشبلي عملاق آخر فرض قوته على العطوف عن طريق مجموعة من الحثالة صار زعيمهم، فرضوا سطوتهم على المحال والبشر وجمعوا الإتاوات، فصار طريد الفتوة الديناري هو سيد حارة العطوف الذي لا يذكر من الفتونة سوى تحصيل الإتاوة وإذلال الخلق، ولا يختلف الشبلي عن الديناري وهو ربيبه، كلاهما يتمتع بنفس المقدار من القسوة والظلم، فكان شطا البائس كالمستغيث من الرمضاء بالنار، حيث ظهر له جانب الشبلي الذي لم يضعه في حساباته، فهو مثال الخسيس والنذل الذي لا يؤمن من استجار به، وتعميه رغبته القديمه في الانتقام من معلمه السابق عن مبادئ الفتوات التى خلّدها نجيب محفوظ في رواياته مجتمعه. ولأن المرأة أعجبته، وبمنطق الفتوة الذي يرى أن الجميع يخضع لسلطته، يقرر الشبلي الانتقام من الديناري في خطيبته السابقة، ويغتصبها بينما يتكالب رجاله على زوجها المسكين يُشبعونه ضرباً وسخرية، ويمنعوه من الوصول إلى معلمهم الذي يغتصب زوجته في سريره، وتعلو ضحكاته وهو يعبر عن استمتاعه بما يفعل وكأنه يرى الديناري هو الذي يتألم وليس خادمه السابق. لم يعبأ الشبلي بالفتى الذي عاد مُنكسراً إلى أهله ورجى من معلمه السابق الديناري العفو، وصار اغتصاب زجته أمام ناظريه حكاية أخرى يرويها وهو يشرب البوظة في الغرزة، واستقبل طلب الديناري بتحديد موعد لمعركة يرد بها شرف المرأة باستهانة، وهي المعركة التي لقى فيها حتفه على يد الزوج المكلوم.