وزير التموين: الدولة تدعم رغيف الخبز ب142 قرشا بعد زيادة السولار    مقترح روسي بإقامة مركز إعلامي عابر للحدود الوطنية للدول الآسيوية والإفريقية    ترامب يصف الرئيس الكولومبي بزعيم مخدرات    نجم الزمالك السابق: الجزيري من أفضل المهاجمين في مصر    البسوا الجواكيت.. الأرصاد تحذر من طقس غدا الاثنين    ضبط 54 طن لحوم فاسدة داخل مخزن بمدينة العبور    محافظة قنا تكثف جهودها لاختيار مكان كمأوى للكلاب الضالة    نجوم الفن يتألقون على السجادة الحمراء في العرض الخاص لفيلم «إسكندرية كمان وكمان»    نجوم الفن والإعلام يتألقون في حفل هاني شاكر بمهرجان الموسيقى العربية    القبض على كروان مشاكل بتهمة بث أخبار كاذبة وممارسة أفعال خادشة للحياء    جدول مواقيت الصلاة غدًا الإثنين 20 أكتوبر بمحافظات الصعيد    أوقاف الفيوم تعقد الاختبارات الأولية لمسابقة القراءة الصيفية.. صور    الرئيس الصيني يدعو تايوان من أجل توحيد الصف وزيادة تبادل التعاون    وزير الداخلية الفرنسي: عملية سرقة اللوفر استغرقت 7 دقائق ونفذها فريق محترف    محافظ الشرقية يترأس اجتماع اللجنة العامة لحماية الطفل    ياسين منصور: ترشحت لخدمة الأهلي بدعم الخطيب.. والاستثمار أولوية    جامعة حلوان تشارك بفعالية في الندوة التثقيفية حول انتصارت أكتوبر    كل ما تريد معرفته عن برنامج البريد المصري حساب يوم على يوم    رفع كفاءة وتجميل ميدان أحمد زويل استعدادا للعيد القومى لمحافظة كفر الشيخ    بنك saib يطلق حملة لفتح الحسابات مجاناً بمناسبة اليوم العالمي للادخار    لجنة تطوير الإعلام تشكل 8 لجان فرعية وتبدأ اجتماعاتها غدًا بمقر الأعلى للإعلام    "الجبهة الوطنية": كلمة الرئيس السيسي في الندوة التثقيفية رسالة وعي وطني تمهد للجمهورية الجديدة    العقيد حاتم صابر: ما حققه الجيش المصري في القضاء على الإرهاب يُعادل نصر أكتوبر    «بلاش بالله عليكم».. جدل على منصات التواصل مع الإعلان عن مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي 2»    علاء عابد: كلمة الرئيس السيسي بالندوة التثقيفية تجسّد رؤية قائد يضع مصلحة الوطن أولًا    5 أبراج «أهل للنصيحة».. واضحون يتميزون بالصراحة ونظرتهم للأمور عميقة    بعد وفاتها.. أمير عيد يكشف تفاصيل مرض والدته بالزهايمر: «أكبر صدمة في حياتي»    هل زكاة الزروع على المستأجر أم المؤجر؟ عضو «الأزهر العالمي للفتوى» توضح    هل يمكن العودة للصلاة بعد انقطاع طويل؟.. أمين الفتوى يجيب    ظهور 12 إصابة بالجدري المائي بين طلاب مدرسة ابتدائية في المنوفية.. وتحرك عاجل من الصحة    غدا.. انطلاق قافلة طبية مجانية بقرية الحبيل في الأقصر    بخطوات سهلة.. طريقة عمل مخلل القرنبيط المقرمش    مصر تتوج بلقب بطولة العالم للكونغ فو    الرئيس السيسي: نتطلع إلى فوز مصر برئاسة منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو" لتعزيز مكانتها الدولية في مجال الطيران    نيكو باز موهبة كومو يفرض نفسه تهديفياً فى الدوري الإيطالي.. بالأرقام    تقرير: رافينيا يغيب عن برشلونة في دوري الأبطال من أجل الكلاسيكو    وفاة الفنان أحمد عبد الرازق مؤسس فرقة الأقصر للفنون الشعبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-10-2025 في محافظة قنا    نجم إنجلترا: صلاح ضحية ميسي ورونالدو    المشدد 3 سنوات لعامل شرع مع أخويه في قتل ابن عمه بسبب الميراث    محافظ أسوان يتفقد معرض المشغولات اليدوية بمنتدى السلام والتنمية    محافظ القاهرة يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب    إصابه سائق ومرافق في حادث انقلاب سياره تريلا محمله بالقمح في المنوفية    «الأمم المتحدة» تحذر من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في غزة    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأحد 19 أكتوبر    بطرس الثانى وتيموثاوس الأول قصة أخوين توليا سدة الكرسى المرقسى    مواعيد مباريات الأحد 19 أكتوبر 2025.. مواجهتان بالدوري وقمة إنجليزية ونهائي مونديال الشباب    هيئة «التأمين الصحي الشامل» تناقش مقترح الهيكل التنظيمي الجديد    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الأول الثانوي العام    بعد انتهاء الإيقاف .. تريزيجيه يدعم صفوف الأهلي أمام الاتحاد السكندري فى الدوري    «الرعاية الصحية»: بحث إنشاء إطار إقليمي موحد لدعم أداء المنشآت الصحية مقره شرم الشيخ    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    نتنياهو يعلن عزمه الترشح مجددا بالانتخابات العامة في 2026    سعر الذهب اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025 بعد خسارة 10 جنيهات.. كم سجل عيار 21 الآن؟    تمهيدا لإدخالها غزة .. قافلة المساعدات ال52 تتحرك باتجاه منفذي كرم أبو سالم والعوجة    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    عبدالرحمن مجدي: تعاهدنا داخل بيراميدز على حصد البطولات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العاصمة بين الترييف والفوضى
نشر في البوابة يوم 15 - 09 - 2013

ما يحدث في القاهرة وبها يستوجب قراءة مدققة، إذ لا يمكن تصور أنها هي نفسها عاصمة الأربعينيات والستينيات من القرن المنصرم، التي كانت تعبر عن التدرج الاجتماعي والاقتصادي بل والتاريخي أيضا، تعكس بناياتها وأحيائها كل ألوان الطيف في تناغم وقبول بنكهة مصرية خاصة، تتنقل بينها وكأنك توقع التاريخ على المدينة، القاهرة الفاطمية بمساجدها التي احتمت بالعمارة المصرية القديمة وأخذت عنها الفخامة والأعمدة ومسلاتها التي صارت مآذن، وتحصنت ببوابات تحمي مداخلها من باب الفتوح إلى باب النصر إلى باب زويلة على النسق الروماني الأشهر، ولف سور مجرى العيون الذي تفاعل مع النيل، واحتضن مصر القديمة بكنائسها التي احتمت بباطن الأرض تنحت فيها هياكلها، وتظل شاهدة على بطش الرومان وملاحقتهم وتعقبهم، وعندما تنتقل إلى وسطها لا بد أن تتوقف أمام إبداع القاهرة الخديوية، والتي تعد متحفا مفتوحا، والتي تم تخطيطها على نسق العاصمة الفرنسية باريس، وما زالت رغم ما نالها من إهمال وتشويه تحمل ملامح الجمال والفن والإبداع، وعلى ضفاف النيل ينتصب بشموخ تماثيل أسود كوبري قصر النيل البرونزية التي نُحتت خصيصا بإيطاليا، وغير بعيد يصافحك حي “,”بولاق“,” الميناء التجاري والصناعي العتيد عندما كان النيل شريان النقل الرئيسي، وقبل ما يزيد عن مائة عام (1911) تتمدد القاهرة لتحول تخومها الصحراوية إلى ضاحية مصر الجديدة الأرستقراطية- حينها- على يد البارون البلجيكي إدوارد جوزيف إمبان على مساحة 25 كليومتر مربعا، ومن مصر القديمة إلى مصر الجديدة تبقى الروح المصرية الودودة والقبول بالتعدد والتنوع قبل أن تغشانا رياح التصحر العاتية التي أثارتها نوازع الانقطاع المعرفي والثقافي التي سعت لاختطاف مصر من سياقها الحضاري والارتداد بها إلى ما قبل الدولة، تمهيدا لإعادة رسم خريطة المنطقة استهلالاً بقلبها مصر.
والقراءة المتأنية عبر النصف قرن الأخير تكشف أن موجات الهجرة من الريف للعاصمة كانت تتم لأسباب متعددة، ولم تكن تخضع لقواعد تحفظ التوازن بين القرية والمدينة وبينها وبين العاصمة، خاصة عندما صارت القرية والريف مناطق طرد بعد أن سقطت من حسابات التنمية، وبعد أن تحولت من الإنتاج إلى أنماط الاستهلاك التي خضعت لمفاعيل الهجرة المؤقتة للخليج وتداعياتها، وإغراءات تجريف الأراضي الزراعية والبناء عليها، وكان أن تم تحزيم العاصمة بسياج من العشوائيات تحت ضغط الهجرة الريفية، التي جاءت بأنماط معيشية فرضت نفسها على واقع المدينة، دعمها التراجع الثقافي وشيوع ثقافات الرأسمالية الطفيلية الاستهلاكية، وانهزام التصنيع والإنتاج أمام هجوم الاستيراد غير المخطط والذي لا يخدم رؤية التنمية وخططها التي تجمدت أو استكمال مشروع التصنيع الذي توقف مع تبني سياسات الانفتاح الذي وصفه الكاتب المصري أحمد بهاء الدين “,”انفتاح السداح مداح“,”، ولم يكن التراجع الصناعي الإنتاجي عفو الخاطر، بل كان حلقة في سلسلة ممتدة غير منقطعة الصلة بما حدث من انقلابات على مدنية الدولة ثم اختطافها بعد 25 يناير.
الملاحظة الواضحة ما حدث بعد 25 يناير من احتلال شوارع وأرصفة شوارع العاصمة في كل أحيائها وميادينها يستوي في هذا الأحياء الشعبية والأحياء المتميزة، وميدان رمسيس وميدان المطرية وميدان طلعت حرب، ناهيك عن شوارع وسط المدينة التي صارت خارج السيطرة، وخاصمت القانون والذوق والنظام، وصارت نموذجا لا يبارى في العشوائية.
لم يكن المحتلون من الباعة الجائلين ولا من البلطجية معتادي الإجرام، بل كان طوفان من الشباب يعرضون بضائع تتجاوز الملايين بما يتجاوز قدراتهم المالية بما لا يقاس، وخضع أصحاب المحال لابتزازهم وفرضهم للأمر الواقع في غياب تام للأمن ورجاله، واستمر الحال بل وتفاقم حتى اللحظة.
هل ما أصاب العاصمة من فوضى كان بسبب ارتباكات ما بعد الانفجار الشعبي والغضب من إخفاقات النظام المباركي؟ لو كان هذا صحيحا فلماذا استمر بعد وصول الإخوان للسلطة، وتمكنهم المتسارع من مفاصل الدولة؟ ولماذا الإصرار على تعميق غياب القانون والارتداد للعرف وفرض الإتاوات لتسيير الأعمال؟ ومَن الجهة أو الأشخاص الذين يمدون جيش شباب وسط العاصمة وميادينها بهذا الكم الهائل من البضاعة، ومَن هم أطراف تنظيم هذه الأسواق العشوائية بإحكام يضمن دوران حركة الإمداد والدفع بانتظام؟ إنها سياسة فرض ثقافة الفوضى على الشارع، وتغييب القانون عن عمد، وهو العمود الفقري للدولة المدنية، وحين ترتبك الدولة في غياب القانون تظهر أنساق بديلة تبعث للحياة فتوات الأحياء وشيوخ القبائل والمهن، ونخطو خطوات واسعة لحياة ما قبل الدولة؛ حيث الأمير والولي والسلطان، ونقترب من حلم الخلافة في غير التفات لاختلاف الزمن والمناخ.
خضعت العاصمة لهجومين متوازيين هجوم الترييف الذي أزاح قيمها ولم يستطع أن يقدم الجانب الإيجابي فيها، وأفرغ الريف من توازناته ولم يستطع صبغها بحياة المدينة فصارا كليهما مسخ لا الأولى بقيت مدينة ولا الثانية استمرت قرية، كان الهجوم الثاني الفوضى، والتي تستمد دوافعها من توجه الفوضى التي اسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة (!!) وخططت لها الإدارة الأمريكية على مدى سنوات ممتدة، ولاقت قبولاً من جماعات منقطعة الصلة بالحضارة والتطور وهي تتبنى مشروعا يسعى للانقلاب على منجزات العصر وعلى مدنية الدولة.
نحن بحاجة إلى إنقاذ العاصمة من هجومي الترييف والفوضى وإعادة الوجه الحضاري لها حتى نوصل ما انقطع مع تطورها التاريخي والإبداعي بوضع خطط عملية قابلة للتنفيذ للتخلص من العشوائيات التي احتلت أطرافها من خلال إحلال حقيقي لمدن جديدة لا تخاطب أو تستهدف الأثرياء، وإعادة الاعتبار للقانون عنوان هيبة الدولة، ومواجهة الفساد بصوره المختلفة داخل الدولاب الحكومي والأمني ومنظومة الإدارة المحلية الموطن الملكي لشبكات المصالح والمفاسد، لكن هل يمكن للأيدي المرتعشة أن تتصدى لهذه المهمة الفاصلة؟ وهل يمكن للتقليديين تحقيق حلم الثورة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.