طفل أدار ظهره عنا، أخفى عنا اسم والده الذي تزوج من والدته الملقبة ب"النكبة"، لا يعرف مقاسات قدميه، لأنه دائمًا يسير "حافيا". ولد هذا الطفل في ساعات الفجر الأولى من يوم الإثنين الموافق 5 يونيو 1967، ومن هذا الحين لم نر وجهه أبدًا، عمره الآن عشر سنوات، وخرج من فلسطين، وهو ابن للعاشرة، وسوف يعود إليها وهو في العاشرة أيضًا. إنه الطفل حنظلة، أشهر الشخصيات التي رسمها ناجي العلي في كاريكاتيراته، الذي رحل عن عالمنا في 29 أغسطس متأثرًا برصاصة تحت عينه اليمنى في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987م فأصابته، ومكث في غيبوبة حتى وافته المنية في 29 أغسطس 1987. أصبح حنظلة والذي يمثل صبيًا في العاشرة من عمره، بمثابة توقيع ناجي العلي، كما أصبح رمزًا للهوية الفلسطينية، يقول ناجي العلي: إن الصبي ذا العشرة أعوام يمثل سِنَّه حين أجبر على ترك فلسطين، ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه، أما عن إدارة الظهر وعقد اليدين يرمزان لرفض الشخصية للحلول الخارجية، ارتداؤه ملابس مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لانتمائه للفقر. كان حنظلة شديد القسوة على ناجي، غاضبًا منه دائمًا، حتى وصل الأمر إلى هجوم شديد شنه حنظلة على ناجي متهمًا الأخير بأنه شخص جبان يريد الهروب من ميدان المعركة، ويعرفنا حنظلة عن نفسه وعن لقائه الأول بالفنان ناجي العلي قائلًا: "عزيزي القارئ اسمح لي أن أقدم لك نفسي.. أنا- وأعوذ بالله من كلمة أنا- اسمي حنظلة، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة، وأختي الصغيرة فاطمة، نمرة مقاس رجلي ما بعرف، لأني دايمًا حافي، تاريخ الولادة: ولدت في 5 يونيو عام 1967، جنسيتي: أنا مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا، باختصار ماعيش هوية ولا ناوي اتجنس، محسوبك إنسان عربي وبس. التقيت بالصدفة بالرسام ناجي، كاره فنه لأنه مش عارف يرسم، وشرح لي السبب، وكيف كل ما يرسم عن بلد السفارة بتحتج، الإرشاد والأنباء –الرقابة- بتنذر، وناوي يشوف شغلة غير هالشغلة، قلت له أنت شخص جبان وبتهرب من المعركة، وقسيت عليه بالكلام، وبعدما طيبت خاطرو.. وعرفتو على نفسي وإني إنسان عربي واعي بعرف كل اللغات وباحكي كل اللهجات معاشر كل الناس المليح والعاطل والآدمي والأزعر، كل الأنواع اللي بيشتغلوا مظبوط واللي هيك وهيك، وقلت له إني مستعد ارسم عنه الكاريكاتير كل يوم، وفهمته إني ما بخاف من حدا غير من الله، واللي بدو يزعل يروح يبلط البحر، وقلت له عن اللي بيفكروا ب"الكنديشن" والسيارة وشو يطبخوا أكتر من ما بفكروا بفلسطين".. ورغم قسوة "حنظلة" على "ناجي"، لم يفكر الأخير لحظة أن يتخلص منه، بل على العكس احتضنه وقربه إلى نفسه، ووضعه رقيبا عتيدا على رأسه، كان يراجعه قبل أن يراجع ضميره، ولا ينسى ناجي أن يستشيره في بعض الأمور. أما حنظلة كان على العكس تمامًا، يمارس قسوته على ناجي بكل سادية، يثير حوله الأزمات، ما أن يوضع على لوحة إلا ومعها سفارة تحتج، أو محتل يتوعد بالقتل، كان حنظلة يرى النهاية المحتومة لناجي، ولم ينصحه أبدًا بالابتعاد، وأن يأثر السلامة، وقبل أن يقوم الموساد الإسرائيلي باغتيال ناجي، الذي كان يعيش في لندن وقتها، طلب ناجي من حنظلة أن ينقل جثمانه إلى فلسطين وان يدفن في وطنه. وحين حانت ساعة الموت تركه حنظلة يدفن في لندن ولم يأبه بنقل جثمانه، ولم يوخذه ضميره بعدم استطاعته تنفيذ الوصية، معتبرًا أن الدفن بالخارج ثمن زهيد مقابل أن تعيش متسقًا مع ذاتك مناضلا ضد محتل أراد تدمير البلاد العربية، واستمر حنظلة على درب ناجي العلي ولم يترك ميدان المعركة، وهناك من رآه فى ما بعد- ولعدة مرات- راميًا الحجارة، وكاتبا على الحائط، وظل رمزًا للتحدي حتى بعد موت مؤلف الشخصية.