تحل اليوم الأحد، ذكرى وفاة قائد ثورة 1919 الزعيم الخالد سعد زغلول، حيث توفى في 23 أغسطس عام 1927، بعد أن نجحت الثورة في تغيير جذري في شتى المجالات على جميع المستويات، الثقافية والفنية، والتعليمية، والسياسية، بعد أن قام المستعمر الإنجليزي بنفي الزعيم الراحل سعد زغلول إلى جزيرة مالطة، كان حينها المجتمع المصري يعيش حالة من التشرذم، غير عابئ بقضايا وهموم الوطن منتظرًا القائد الملهم الذي يخرجه من كبوته. إلا أن نفي الزعيم الراحل سعد زغلول إلى جزيرة مالطة له الأثر البالغ في نفوس المصريين، حيث جمعوا التوكيلات، معلنين في كل أنحاء القطر المصري أن الزعيم سعد زغلول هو من يمثلهم، وكانت هذه النقطة الفاصلة في تاريخ ثورة 1919. الثورة يعرفها البعض على أنها "نقطة تحول في الحياة الاجتماعية، تدل على الإطاحة بما عفا عليه الزمن، وإقامة نظام اجتماعي تعاقدي جديد، وهي التغير الجذري المفاجئ في الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهو ما حدث بالفعل في المجتمع المصري بعد ثورة 1919، فقد زاد الوعي الجمعي للشعب المصري، والذي انتقل إلى مرحلة جديدة فعلية، وخرج من رحم ثور 19 العديد والكثير من رواد التنوير في مصر. ولم يكن من المتصور أن يكون للمرأة المصرية ذلك التاريخ العريق بكل إنجازاته خاصة في الثورات والتصدي للاستعمار، ولكن على غير المعروف لم تكن مشاركة المرأة في ثورة 19 هي الأولى ولكن كان لها مشاركات في نهاية القرن الثامن وعشر وبدايات القرن التاسع عشر. اندفعت عجلة التطور الاجتماعي بعد ثورة 19 إلى الأمام دون توقف وبكامل سرعتها، وكانت أول من استفادت من هذا التطور هي المرأة، وقدمت العديد من النماذج المضيئة في تاريخ الحركة النسائية أمثال هدى شعراوي ونبوية موسى وسيزا نبراوي وصفية زغلول وغيرهن كثيرات. استطاعت المرأة المصرية أن تشكل معالم الطريق التي سارت على دربه مستفيدة من اندفاع عجلة التطور الاجتماعي التي انعكست آثارها على شتى المجالات، وأزاحت الستار عن الجمود والتخلص من تهميشها إلى الأبد، وشاركت بعدها الرجل في كل الميادين. وبعد إعلان الدستور عام 1923 بدأت مصر في تخريج رائدات التنوير والمدافعين عن حقوق المرأة، بعد أن اقتصر دور المرأة على الزواج وخدمة الزوج فقط، فقد كانت المرأة قبل ثورة 19 لا تكمل تعليمها، ولكن بعد الثورة انتهى زمن عبودية المرأة للأبد وخرجت رائدات التنوير مثل الراحلة درية شفيق الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في الفلسفة سنة 1940، وكان موضوع الرسالة "المرأة في الإسلام"، وكذلك الدكتورة لطيفة الزيات، والدكتورة سهير القلماوي التي كانت أول من حصلت على درجة الدكتوراه في الآداب من الجامعة المصرية، وفاطمة اليوسف الشهيرة ب "روزا اليوسف"، والمفكرة الإسلامية عائشة عبدالرحمن الشهيرة ب"بنت الشاطئ"، واستر فهمى المناضلة من أجل استقلال مصر ورعاية الفقيرات والمساواة بين المرأة والرجل. والأديبة الفلسطينية المولد مي زيادة التي كانت واحدة من رموز الثقافة والتنوير في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، والصحفية الكبيرة أمينة السعيد، والدكتورة درية شفيق التي كانت من أوائل من حصلن على درجة الدكتوراه وكانت جريئة في كتاباتها الصحفية ومواقفها ولا تخشى أي عواقب لها في مواجهة حكومات مستبدة حتى ولو كانت وطنية، والفنانة التشكيلية المبدعة إنجى أفلاطون، والنقابية عايدة فهمي، والمناضلة الأشهر في ريف مصر شاهندة مقلد، والنقابية الكبيرة أمينة شفيق وغيرهن كثيرات في كل ربوع مصر وباقى الوطن العربي. وكانت الانطلاقة الحقيقة لثورة أم كلثوم بعد وفاة الراحل سعد زغلول، فحينها رفضت أن تغنى في حفلها قبل أن يمر 40 يومًا على وفاة الزعيم الخالد، وبعد فترة الحداد قررت أن تبدأ حفلها بنشيد سعد الذي كتبه أحمد رامي ولحنه محمد القصبجي. وحين نتكلم عن جيل ثورة 19 من الرجال ممن صنعوا ثورة حقيقية في الأدب فإننا نعنى جيل أحمد ضيف (1880 1945) ومحمد حسين هيكل ومصطفى عبدالرازق (1888 1956) ومحمد لطفى جمعة (1886 1953) وعلى عبدالرازق (1887 1966) وأحمد أمين (1886 1954) وسلامة موسى (1888 1958) وطه حسين (1889 1973) وإبراهيم المازنى (1889 1949) وعباس العقاد(1889 1964) وأمين الخولى (1895 1966) وغيرهم من أبناء الجيل المولود في ثمانينيات القرن التاسع عشر. كل هؤلاء هم من صنعوا وجدان الأجيال الجديدة بعد ثورة 1919، وأثروا فيهم، فقد استطاعوا الانطلاق بمصر رغم خضوعها للاستعمار الإنجليزي، إلا آفاق جديدة فقد تطور التعليم والزراعة والصناعة، صناعة السينما، وقلت نسبة الأمية في الرجال والنساء على السواء، وتصدوا إلى محاولات عديدة من إشعال الفتن الطائفية التي طالما حاول المستعمر التدخل تحت رايتها.