عادوا مرة أخرى يطلون بوجوههم الكالحة، وألسنتهم المسمومة، وكتاباتهم المعادية لثوابت الدولة الوطنية، يحدثونك عن الحرية وحقوق الإنسان وعودة ممارسات الشرطة إلى ما قبل 25 يناير، يطلقون تعبيراتهم الفضفاضة، وأكاذيبهم الممجوجة. والغريب فى الأمر أن بعض الصحف والفضائيات عادت تفتح أبوابها لهم من جديد، باسم حرية الرأى والحق فى التعبير يتركونهم يمرحون بشعاراتهم المزيفة لدغدغة مشاعر الجماهير. خذ مثلاً عندك بعض منظمات المجتمع المدنى الممولة من الخارج، راحت تطلق سهامها محرضة العاملين على التظاهر والاحتجاج، بحجة أن الحكومة تتعمد إهدار حقوقهم، وإصدار القوانين فى غيبة عنهم، لا يدعون إلى حوار، ولا تواصل مع صناع القرار، ولكن يدفعون الناس دفعًا إلى الميادين والساحات، كأنهم بذلك يريدون أن يكرروا سيناريو الاحتقان والغضب الذى يؤدى إلى الانفجار. وينسى هؤلاء أن مصر اليوم غير مصر الأمس، وأن نظام الحكم الحالى على النقيض من أنظمة سابقة، وأن ثقة الجماهير فى قائدها تدحض كل هذه المحاولات، وتدفع الناس إلى تحمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أملاً فى مستقبل أفضل، يرونه قريبًا، بمنحهم الأمل لتحقيق الإنجازات وتغيير الأحوال. أدرك الناس أن من باع وطنه وسعى إلى سيادة الفوضى وإسقاط المؤسسات لا يمكن أن يكون وطنيًا، ولا حريصًا على أمن ومستقبل هذا البلد. لقد كشفت الوقائع الوجه الحقيقى لهؤلاء الذين ارتهنوا إرادتهم لصالح الآخرين، فهم ليسوا أكثر من طابور خامس يستخدم لتبنى أجندات محددة، وتنفيذ الخطط الهادفة إلى تفكيك مفاصل الدولة. ولذلك مهما تبنوا من شعارات واستخدموا أجمل العبارات فإن الشارع المصرى لم يعد يصدق أحدًا فيهم، فهم فى النهاية أدوات متحركة للاستعمار الحديث، وهم أيضا ليسوا سوى مجرد ذيول للإخوان. ومن عجب أن الوجوه التى انكشفت أو ظهرت أمام الناس، كانت فى يوم ما ملء السمع والبصر، توزع صكوك الوطنية، وتتبنى شعارات الثورة التى أرادوها خرابًا ودمارًا، ولكن أعتقد أن أحدًا فيهم لا يجرؤ الآن على النزول للشارع وإلا لقى من الجماهير ردود أفعال قوية وعنيفة. صحيح أن التمويل الأجنبى لم يتوقف، وصحيح أن عناصره لا تزال تمارس لعبتها الخسيسة، ولكن بعد أن كشف دورهم، وأدرك الناس عوراتهم، أصبحوا مجرد سقط متاع لا يسمن ولا يغنى من جوع. وإذا كان للسنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير من فضل فهى أنها كشفت هذه الوجوه، وحقيقة مواقفها، وأحدثت فرزًا عميقًا بين هؤلاء المدافعين عن الدولة الوطنية ومؤسساتها، وبين من يسعى إلى الفوضى والهدم والدمار. هم يسعون دائمًا إلى التشكيك فى كل شيء، حملاتهم لا تتوقف، ادعاءاتهم تعكس حقدًا دفينًا، بل حتى مشروع حفر قناة السويس الجديدة، لم ينج من أكاذيبهم، التى يجيدون صنعها والترويج لها. إننا أمام الموجة الثانية من هذه الحرب، التى يطلقون عليها «الجيل الرابع للحروب»، حرب تستهدف الوجدان والعقول، تستخدم فيها آليات وأدوات جديدة أشد فتكًا من الرصاص ودانات المدافع، لكنهم يصطدمون بالواقع الجديد، والفهم المتقدم لحقائق الأشياء، وعلى الرغم من أن نسبة الأمية تزيد على نحو 40٪، والأمية السياسية أضعاف ذلك، إلا أن الشعب العظيم كشف اللعبة، وأدرك أهدافها، ولذلك سد الآذان وأغلق العيون، ولم يعد يرى سوى الوطن برجاله الأوفياء وقائده النبيل.