تغيرت استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عام 2001، لتؤثر على موقفها من مختلف القضايا الإقليمية، وبدلاً من اللجوء للحوار الدبلوماسي حتى آخر نفس، وتفضيل الابتعاد عن الدخول في دوامة الحروب، بات العمل العسكري هو خيار واشنطن، لبسط نفوذها بالمنطقة. “,” “,” وربما كانت مصادفة، أو سوء حظ أمريكي، أن تحل الذكرى ال12 على أحداث 11 سبتمبر، بينما لا تزال واشنطن عاجزة عن حل الأزمة السورية، خاصةً بعد فشل مخططها في التدخل العسكري – حتى الآن – بعد استجابة دمشق للمبادرة الروسية، التي تقضي بوضع السلاح الكيميائي السوري، تحت تصرف المجتمع الدولي. “,” “,” وفي 2011، وبينما يسود الترقب، دول العالم، عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت أمريكا، خرج جورج بوش الابن، ليؤكد على ضرورة الحرب على الإرهاب، واصفًا إياها بأنها حرب “,”صليبية جديدة“,”، معتمدًا على استراتيجية تعمل على محورين: الأول: شرق أوسطي يتمثل بالتحرّك لتغيير الأنظمة العربية، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط برمَّته. الثاني: عالمي يرتكز على المبادئ التي أعلنها بوش الابن، “,”مِحوّر الشر والحروب الاستباقية والقوّة الهجومية“,”، لدرجة أنه وصف المحور الثاني بعبارته الشهيرة “,”من ليس معنا فهو ضدنا“,” وأصبحت بذلك امريكا شرطي العالم. وجاءت نتائج الحرب على الإرهاب غير حاسمة في افغانستان، وبدا وكأن امريكا ترغب في جعل نهايات حروبها الجديدة “,”مفتوحة“,”. “,” “,” وفي العراق استقر الوضع على نفس النهاية بأفغانستان، لكن مع استمرار ما أطلق عليه ب“,”الفوضى الخلاقة“,”، تلك الفوضى التي جعلت بغداد تعيش حالة احتراب داخلي واقتتال على الهوية؛ وهي الحالة التي “,” “,” وصفتها “,”كونداليزا رايس“,” وزيرة خارجية بوش، بأنها “,”مخاض لشرق أوسط جديد“,”، لتعيش الآن مع حدود وهمية جديدة، تقسم العراق لثلاثة أقاليم لاتزال غير معترف بها. وكشفت نتائج الحروب في كلا البلدين، عن اكاذيب الدعوات الأمريكية إلى تطبيق الديمقراطية، على الرغم من كل الجهود الإعلامية التي بذلتها إدارة بوش حينها، لتصوير هاتين الحربين على أنهما جُزء من “,”استراتيجية الحرية الجديدة“,”، التي تهدف الى “,”إنهاء تحالف عمره 60 عامًا بين الغرب وبين الأنظمة السلطوية العربية والإسلامية“,” - على حدِّ تعبير بوش. “,” “,” وبعد إسقاط أمريكا لنظام صدام حسين في العراق عام 2003، أعلنت انها تعمل على دمقرطة الشرق الأوسط، وتعاملت النظم الاستبدادية في المنطقة على أساس تطبيق بعض مظاهر الديمقراطية، ولكن دون تطوير جذري او سعي حقيقي للدمقرطة، فعملت أمريكا على تحريك منظمات المجتمع المدني والتعامل مع التيارات الدينية. وفي عام 2005 ومن القاهرة، صرحت كوندليزا رايس ب“,”أننا لا نمانع في وصول الإسلاميين للحكم“,”، ومن هنا بدأت عجلة الترويج لهم في واشنطن ولندن ومدريد وبروكسل، من خلال عشرات الندوات والمؤتمرات واللقاءات حول مشاركة الإسلاميين في الحكم. “,” “,” وتحدث مارتن انديك، وهو سياسي أمريكي، أسترالي المولد، يشغل حاليا منصب نائب رئيس ومدير السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز في واشنطن، عن ضرورة إدخال إصلاحات كاسِحة في الدول العربية، وتشجيع الطبعات المعتدلة من الإسلام. وقال، إن الغرب قَبِلَ أخيرًا أن تصل القوى الإسلامية إلى الحكم، شريطة أن تقبل بالمبادئ الديمقراطية الخاصة بتداول السلطة وعدم مصادرة الحريات العامة، إضافة بالطبع إلى عدم تهديد المصالح الغربية الأساسية. “,” “,” ومن هنا دعمت إدارة بوش جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مسقط رأس الجماعة، ما أدى الى نجاحهم في الوصول الى البرلمان المصري، عبر انتخابات وصفت بالنزيهة في عام 2005، بعد ضغط امريكي على الحكومة حينها، تحت شعار الدمقرطة، كما بدأت تتلألأ نجوم العديد من الأسماء المدنية التي ابدت تعاونا مع امريكا، دون اي ابداء لتمسكها بالثوابت الوطنية. واعتمدت الادارة الامريكية على الاخوان، لما تحويه ادبيات الجماعة وتيار الاسلام السياسي من افكار كفرية تجاه الوطن والشعوب، ولما تبتغيه تلك الجماعات من التوجه لدولة دينية، تلاقت مع المخطط الامريكي الاول في تحقيق الشرق الاوسط الجديد، الذي يقسم المنطقة الى مناطق دينية وعرقية، وعليه اعتقدت الولاياتالمتحدة ب“,”وسطية وشعبية الجماعة“,” ورات في معتقداتها، الاسلام الذي ترضاه امريكا. ومن جهتها تعاملت جماعة الاخوان بكثير من التقية مع الادارة الامريكية، متبعة في ذلك الفتوى القائلة ب“,”الضرورات تبيح المحظورات“,” فأعلنت مراعاتها للمصالح الأمريكية بالمنطقة، وعدم التعامل مع إيران، والحفاظ على معاهدة السلام، والاحتكام سياسيا لصناديق الانتخابات، ومراعاة حقوق النساء والاقليات . وكان تثبيت دعائم حكم الاخوان في مصر، تثبيتًا لدعائمه في دول الربيع العربي جميعها، امتدادًا من تونس، وليبيا، مرورًا بمصر ثم سوريا، وبينما تعيش مصر الآن مخاض التخلص من حكم الاخوان، تبقى سوريا على مفترق الطرق كلها، خاصة أن شبح التقسيم يهددها، لتتمدد الحالة العراقية الى سوريا. “,” “,” يؤكد الباحث والصحفي الأمريكي ويليام انجدال، أن آخر شيء تريده واشنطن، هو ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، لأن الديمقراطية تسقط الأقنعة وتظهر كراهية وعداء البلدان العربية لأمريكا وإسرائيل، لذا عمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على تحسين الصورة الأمريكية، وإصلاح العلاقات مع العالم الإسلامي، وكسب دعم وتأييد الدول الإسلامية المعتدلة، من خلال خطابيه بالقاهرة وتركيا، وانحنائه للملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك السعودية. وكشف “,”أنجدال“,”، عن الادوات التي استخدمتها الولاياتالمتحدة لتحقيق هدفها، وفي مقدمتها تمويل منظمات المجتمع المدني تحت مسمى الحريات، من خلال المنظمات الاجنبية غير الحكومية، التي يمولها الكونجرس الامريكي، ومؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية، بالإضافة الى منظمات حقوق الانسان التي تعمل على تحريك النزاعات بما يتماشى مع اهداف السياسات الامريكية، من النفوذ إلى الدول التي تعاني من حكام مستبدين، مثل مصر وتونس وغيرها. وشدد “,”أنجدال“,”، على أن الربيع العربي في ليبيا – على سبيل المثال - كان بهدف السيطرة على نفط هذا البلد، ومنع الصين من استيراده عبر الشرق الأوسط، والضغط عليها اقتصادياً، خاصة بعد أن ضيقت الصين المساحة اقتصاديًا بينها وبين الولاياتالمتحدة، بانتشار الشركات الصينية المتخصصة بالطاقة والمواد الخام في إفريقيا .