حظيت زيارة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، على رأس وفد رفيع المستوى من قادة الحركة للسعودية، مساء الأربعاء قبل الماضى، واستقبال الملك سلمان له بكثير من الجدل واللغط والشائعات، وحملت في طياتها تحاليل وقراءات عديدة. فهذه الزيارة الرسمية هي الأولى من نوعها منذ ثلاثة أعوام لمشعل، وتزامن موعدها مع توقيع الاتفاق النووى الإيرانى مع الدول الكبرى الذي تعد السعودية المتضرر الأكبر منه، علاوة على أن حماس تعد أحد الأوراق الرئيسية التي تستغلها طهران لتنفيذ مخططاتها في إثارة الفوضى وعمليات التخريب بعدد من دول المنطقة، وقد اعترفت حماس بالمساعدات العسكرية التي قدمتها لها إيران في حرب غزة، وذلك في خطاب رسمى ل«أبو عبيدة»، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام. ومما زاد من حدة الجدل طبيعة الوفد المرافق لمشعل الذي ضم مسئولين بارزين في ملفات التسليح والدبلوماسية، ما يؤشر لسعى سعودى لدعم حماس وغزة مقابل الدعم الإيراني، فبعثة القياديين في حركة حماس ضمت: موسى أبو مرزوق، وصالح العارورى، وعزت الرشق، ومحمد ناصر، مسئول العلاقات مع الدول العربية. وهو الأمر الذي دفع «تسفى برئيل»، محلل الشئون العربية بصحيفة «هآرتس» إلى نشر تقرير بعنوان «شهر العسل بين مصر وحماس برعاية الوصيفة السعودية». وزعم «برئيل» أن وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، سبق أن عرض خلال زيارته لمصر مبادرة جديدة للمصالحة مع حماس، إلا أن الرئيس السيسى رفض بشكل قاطع، مبررًا ذلك بأن حماس جزء من حركة الإخوان التي تعتبرها مصر تنظيمًا إرهابيا. وفى سياق متصل، زعمت وكالة «فارس» للأنباء التابعة للحرس الثورى الإيرانى أن السعودية طلبت من «مشعل» مشاركة 700 من مقاتلى القسام المدربين على حرب الجبال والشوارع والمدن على غرار حزب الله في لبنان، وقدرتهم على مواجهة الحوثيين في المدن والجبال الوعرة في اليمن. وقالت «فارس»: «إن مشعل اقترح على الأمير محمد بن سلمان تنفيذ مشروع تفخيخ الجبال المشتركة بين السعودية واليمن، لإيقاف تسلل الحوثيين أو اقترابهم من الحدود السعودية». فيما علقت الصحفية الإيرانية «نيلوفر قادرى» على الزيارة قائلة: «سوف نرى تحركات سعودية من شأنها أن تفاجئ الجميع.. ولقاء خالد مشعل مع الملك سلمان في الرياض مثالا!!». وادعت أن مشعل قدم طلبا بمساعدة مالية تقدر بعشرين مليون دولار شهريا لتأمين شئون سكان غزة وحكومة «حماس» في القطاع، وأنه تمت الاستجابة لطلبه. لكن الناطق باسم «حماس» سامى أبو زهرى نفى ذلك جملة وتفصيلا. وبحسب يوسف رزقة، القيادى بحماس، فإن مشعل سيقوم بجهود وساطة بين المملكة وحزب التجمع اليمنى للإصلاح، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بناء على طلب من الرياض التي تغيرت سياستها بشكل ملفت في مواجهة خطر التحديات الأخيرة، سواء على مستوى التمدد الإيراني، وقرب تحقيق الحلم الملالى بالخليج الفارسى!! إن حماس معروف عنها عدم الانتماء والولاء إلا لمن يدفع، حتى لو كانت إسرائيل، فكم من قادتها خانوا عهدهم وتعهداتهم وسلموا رءوس إخوانهم للموساد، وكم منهم من وضع يده مع جماعات وأحزاب الشيطان، وخاصة حزب القلاقل والفتن والمغامرات والطائفية والتبعية المطلقة لإيران المجوسية!! نعم، «حماس» خرجت عن ما رسم لها مؤسسها الشهيد أحمد ياسين، لكن رجوعها مضمون إذ أخلص قادتها للنضال والجهاد في سبيل الله وليس في سبيل «الطاغوت»، فهم يختلفون كليا عن الأيدولوجية المجوسية التي يؤمن بها حزب حسن نصر الله، وهى إبادة العرب وكافة القوميات الأخرى. إن قطر هي من دعمت التقارب «السعودى - الحمساوى»، بدليل أن القرضاوى «المرشد الحقيقى للإخوان» استقبل مشعل لدى عودته من الرياض!! إننى لست مع القول بإن السعودية تستخدم الإخوان لتحارب إيران، لإن حماس توهم السعودية بأنها ستحارب إيران، وفى الحقيقة أنها معها ومع أموالها وأسلحتها وترسانتها النووية!! ولست أيضا مع القول بأن الموقف السعودى تغير تجاه مصر لمجرد استقبال العاهل السعودى لوفد حماس، فالعلاقة الإستراتيجية بين البلدين التي صارت أكثر صلابة، ويثمنها الطرفان بشكل كبير في زمن الفوضى الذي لم تعرف له منطقتنا مثيلًا من قبل، من حيث ضخامة وعدد الأحداث المحدقة بكل دولة. واتفق مع مع قول الكاتب السعودى المعروف عبد الرحمن الراشد، من أن علاقات مصر بالسعودية غالية، ولا يمكن التفريط فيها فقط لأن بضعة صحافيين لهم رأى مخالف، أو أن هناك في المعارضة من يريد إفساد المناخ العام من أجل تخريب العلاقات. فالمنطقة، والكلام للراشد، في حاجة إلى توازن لا تهزه الاختلافات، ولا الشائعات، ولا الأصوات التي لها أجندة أخرى، وما دامت الرؤية واضحة حول طبيعة الأخطار، والأعاصير المحيطة، فإن العلاقة الجماعية أقدر على التصدى لكل ما استجد من اختلافات، وما حرض عليه الخصوم، ومن الطبيعى أنه في هذه الغابة، خير حارس لدول المنطقة علاقاتها وتحالفاتها حتى تواجه خطر الاستفراد، وإضعافها من قبل ذئاب الداخل والخارج. وبعيدا عن ذلك كله، فإن الرهان المصرى الوحيد هو أن نعتمد على أنفسنا، وليس على أموال نفط الخليج أو سلاح روسيا وفرنسا والصين، وإنما نراهن على الشعب المصرى والجندى المصرى، فالذي يبنى مصر هم المصريون، ومن يريد التعاون معنا أهلا وسهلا به، فمصر لن تموت أبدا.