فى عصر تسوده العولمة، من السهل علينا أن نعى بعد كل هذه الأحداث الساخنة أن هناك دولًا بعينها يهمها أن تبقى منطقتنا العربية فوق صفيح ساخن، وأن أخطر الأعداء هم هؤلاء الذين طالما تشدقوا بتلك العبارات الفضفاضة عن الوحدة والأخوة، وأن هناك أقلامًا مأجورة كانت ومازالت هدفها تضليل العوام عبر أطروحات مليئة بالمغالطات، ولا ترقى أن تنشر فى صحيفة الفصل فما بالك بصحف كبيرة ومواقع. شكل الإعلام بكل أنواعه وسيلة فاعلة فى التلاعب بالعقول وتزييف الحقائق، شهد العالم طفرة إعلامية وقفزة نوعية استغلت وللأسف أسوأ استغلال من قبل المتلاعبين بعقول البشر، فظهرت قنوات إعلامية لا هم لها سوى الرقص على مصائب الآخرين فكذبت باسم حرية الإعلام، وتفننت فى كذبها حتى بانت عوراتها، وكذلك الحال مع الأقلام المأجورة التى كانت ومازالت تقتات على فتات بعض الدول، ولا شك أن خلف هذه المنصات الإعلامية والأقلام المسعورة دول وأحزاب تقدم الغالى والنفيس حتى تصل إلى أهدافها غير المعلنة. لذلك فإن أخطر الحروب حاليًا هى الحروب الإعلامية، وهى سياسة ظهرت فى منتصف القرن العشرين، يبدأ الأمر بأخبار أو مقالات هامشية ضد دولة معينة، وسرعان ما تُختلق الشائعات ضد هذه الدولة ورموزها عبر أخبار مضللة وتقارير مفبركة، ومن ثم يتم شيطنة هذا النظام بكل رموزه ودعوة الشعب للخروج عليه وتطهير الأرض منه، حدث هذا فعليًا فى مصر، وفعلته أمريكا ضد العراق، ويفعله بعض الكُتَّاب العرب ضد بعض الدول العربية. أبوظبى طالها من هذا التشويه الشىء الكثير، وكانت محط اهتمام غير مسبوق للكثير من القنوات والأقلام المستأجرة واسمًا خصبًا للكثير من الشائعات التى تم ترويجها باسمها بكل خبث وخسة، لم يكن هذا الاهتمام المسبوق لينجح لو لم تكن العاصمة الزاهية واضحة السياسة، وليست كغيرها، فأبوظبى لم تكن فى يوم من الأيام عاصمة تأزيم، ولم تكن عاصمة تشتيت، أبوظبى كانت منذ البداية واضحة المبدأ، ولم تتخف خلف شعارات رنانة جوفاء، ولم تنصّب نفسها وصية على العالم كما فعلت بعض العواصم، كانت أن تكلمت، فالكلام يكون بلسمًا، وإن دعمت فدعمها لا يكون عبارة عن أسلحة أو قنابل موقوتة، دخلت غزة فساعدت ووفرت وخاطرت بأرواح أبنائها لتقدم المساعدات دون منّة ولا بهرجة إعلامية وضوحها جعل من عاداها يتخبط. ففى مصر كانت لأبوظبى كلمة صادقة، دعمت توجه السواد الأعظم من الشعب المصرى، قدمت المشروع تلو المشروع فقط لكى تساعد الشقيقة الكبرى لتخرج من أزمتها، الأزمة التى تورطت بها مصر بعد أن سلّم البعض أرض الكنانة لجماعة لا تخاف الله، فدخلت مصر طوال سنة فى دوامة وفى بحر من المشاكل، حتى ظن البعض أن مصر التى نعرفها لن تعود أبدًا، كانت أبوظبى واضحة السياسة فى الشأن المصرى، دعمها للشعب المصرى كان فى العلن، لم تتخف فى الغرف المظلمة ولم تختبئ فى الزوايا القاتمة، كانت أول من هنأ الأشقاء بإزاحة الجاثوم الذى تربّع على صدر المصريين طوال سنة، فكان دعمها دعمًا للشعب المصرى بكل أطيافه، لم تستثن جماعة أو حزبًا كما فعل الكثيرون. عندما يخرج فهمى هويدى بمقال مسموم فعلينا أن نفتح الكثير من الأبواب المغلقة، أبواب أغلقها الزمن، ولا ضير أن تفتح مرة أخرى، يقول فهمى هويدى فى مقاله المسموم: «إن دولة الإمارات لا تعانى من مشكلة التطرف والإرهاب من أى باب» أقول إن هذا جهل مركب من الكاتب وعدم اطلاع بالأمور، فالإمارات طالتها يد الإرهاب مرارًا سواء الإرهاب الفكرى أو حتى الإرهاب النوعى، وعلينا كذلك أن نذكر الكاتب أنه تم الاعتداء على سفارتينا فى ليبيا والصومال، فكيف بعد هذا كله يتبجح السيد هويدى قائلًا إن الإمارات لا تعانى من مشكلة التطرف ؟ وفى نقطة أخرى يقول الكلام ما معناه إن الدعم الإنسانى الذى تقدمه أبوظبى يكاد لا يذكر ولا نرى له حضورًا، وهنا لا أعلم هل السيد هويدى يتعمد الكذب أم أنه لا يقرأ ولا يرى كونه بلغ من العمر عتيا، لكننى سآخذه على حسن نية وأقول إن معلوماته قاصرة، فدولة الإمارات تعتبر من أكبر الدول المانحة على مستوى العالم حسب الكثير من التقارير الدولية والأممية، ولا تقوم بهذه الأعمال منة ولا تشهيرًا، فهذه الدولة ومنذ بداية تأسيسها وهى تضرب أروع الأمثلة على العطاء والبذل سواء للدول العربية والإسلامية وحتى الدول الأجنبية، وأخيرًا كنت أتمنى من السيد هويدى أن يتحفنا بمقال عن طهران وسياستها الخارجية ضد الدول العربية بدلًا من التعريض على عواصم عربية مشهود لها بالحكمة، كنا نأمل أن يتكلم عن دور إيران فى مناطق الصراع فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، كنا نود أن يرد على الإيرانيين وهو بهم عليم، فالسيد هويدى خبير فى الشئون الإيرانية وصديق قديم للمرشد السابق، وكتابه المشهور عن إيران ينضح بالتوقير والتبجيل للثورة الإيرانية. بعد كل هذا الهرج والمرج فى منطقتنا العربية، لابد لنا أن نكون على حذر من أولئك «الأشقاء» الذين يبتسمون لنا فى الظاهر، ويطعنوننا بالخفاء، فالستر قد انكشف، وجزى الله الشدائد كل خير عرفنا بها أعداءنا من أصدقائنا. أبوظبى ودبى والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وأم القيوين وعجمان على قلب رجل واحد يا فهمى. صحيفة "البيان" الإماراتية