لم تضف تصريحات مدير المخابرات الأمريكية السابق "مايكل هايدن" الأخيرة ، والتي أشار فيها إلى اختفاء دولتين عربيتين قريبًا من منطقة الشرق الأوسط، شيئا جديدا، فمن المسلم به أن ثمة مؤامرة غربية على المنطقة العربية تسعى لإذابتها وتآكلها من خلال القضاء على دولها دولة دولة، أو على الأقل تحويل الدول العربية إلى نماذج فاشلة على غرار النموذج اليمن أو الصومالي أو اللبناني أو السوداني أو العراقي، لكنها في الوقت نفسه تشير بوضوح إلى أدوات الولايات التحدة الأمريكية في المنطقة، والتي استخدمتها ولا تزال تفعل، للسيطرة عليها. التصريحات التي نشرتها صحيفة "لوفي جارو" الفرنسية، تكشف بوضوح أن ثمة أدوات وأوراق تعمل على تحويل المنطقة إلى حلقة متصلة من النزاعات والحروب والأزمات الداخلية والخارجية، فالرئيس السابق للاستخبارات الأمريكية بشير بوضوح إلى اختفاء دولتين عربيتين الأولى هي العراق الذي كان أسطورة العرب بجيشه وخيره، فدمرته الولاياتالمتحدة وحولته إلى حديقة خلفية لإيران تمارس فيه طائفيتها، والدولة الثانية هي سوريا التي أيضا استغلت واشطن ما يعرف بحقبة الربيع العربي وأرسلت إليها الإرهابيين من كل صوب وحدب وأشرفت على تدريب "المجاهدين" وصنعت تنظيم "داعش" لتحول سوريا إلى نموذج عراقي ثان. وكانت إيران هي العامل المشترك في النموذجين العراقي والسوري، ففي العراق عملت على إفساد الحياة السياسية بنشر الطائفية وتحويل العملية السياسية من مجرد لعبة علمانية إلى عقيدة دينية وطائفية تراق الدماء من أجلها، وفي سوريا تشترك مع واشطن في حرب استنزاف طويلة المدى تستهدف إنهاك الجيش السوري من أجل أن تكون هناك حجة لتدخل الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فتثور ثائرة السنة في المنطقة وتبدأ حرب طائفية بالمفهوم الحقيقي، والتي لن تخرج منها المنطقة إلى والدمار والخراب حليفيها. يقول "هايدن" متحدثا عن التعددية العرقية في المنطقة، "لدينا الآن الدولة الإسلامية والقاعدة والأكراد والسنة والشيعة والعلويون فيما يسمى سابقا سورياوالعراق"، فهل كانت هذه المسميات شائعة من قبل في المنطقة؟ ومن صنعها وحولها إلى قوى سياسية؟ فمن المعروف أن المنطقة العربية عاشت فيها كل الديانات والمذاهب لقرون عديدة دون أن تشكل عائقا أمام تقدمها وصحوتها، لكن بتحويل هذه المذاهب والديانات إلى وجهة سياسية تشرف عليها أمريكاوإيران، فإنها تصير شوكة في ظهر المنطقة وتتحول إلى أدوات لإسقاط الدول، وهذا هو السيناريو الذي خططت له واشنطن منذ العقد الماضي، وكشفها رئيس الاستخبارات وقتها "هايدن". لم يصرح "هايدن" بمن خلق هذه التعددية السياسية في المنطقة التي لم تشهد مسبقا نزاعات سياسية على أسس مذهبية أو طائفية، لكن في تصريحات متتالية يفضح مدير الاستخبارات إدارته بقوله إن "الأكراد الآن هم الحليف المفضل للولايات المتحدة في المنطقة وسيبقون على تحالف مع القوى الغربية بسبب التقاء المصالح بين الطرفين" ما يعني أن الدعم الأمريكي هذه المرة يستهدف ملفا خاملا في المنطقة وهو ملف الأكراد، إذ فيما يبدو أن الولاياتالمتحدة تخطط لاستخدامه كورقة جديدة في حربها على المنطقة العربية، وهو ملف قابل للاشتعال في أي لحظة بسبب انتشار الأكراد في مثلث مشترك بين ثلاث دول هي العراقوسوريا وتركيا. هذه المؤامرة ما كان لها أن تتم بدون أدوات وأذرع لإيرانوالولاياتالمتحدة في المنطقة، فمن حكومات المالكي في العراق إلى حسن نصرالله في لبنان إلى بشار الأسد في سوريا إلى الحوثي في العراق إلى الوفاق في البحرين، بدأت المؤامرة ونجحت حتى الآن في السيطرة على العراق وجنوب لبنان، لكنها لن تتوقف إلا بالسيطرة على سوريا تمام وإخضاع البحرين للحكم الإيراني، واليمن لتنظيم الحوقي، ولبنان لحسن نصرالله، وهو سيناريو معد بدقة ولن يوقفه إلى المشروع العربي الموحد، مع ضرورة انتباه الحكومات العربية والأجهزة الأمنية لحجم المؤامرة التي تستقطب الشباب والهيئات داخل الدولة لتحولها في النهاية إلى مطية للولايات المتحدة او إيران. وأخيرا، أليس من حق الدول العربية بعد انكشاف حجم المؤامرة، أن تضرب بيد من حديد على التنظيمات السياسية التي هي حليفة إما لإيران، كما هو الحال مع "وفاق" البحرين، أو الولاياتالمتحدة كما هو الحال مع "إخوان" مصر، لاسيما بعد أن ثبت يقينا أن هذه الجماعات ليست أكثر من عصابات تمارس القتل بأنواعه المختلفة، وليست أكثر من أدوات لقوى خارجية تستهدف إسقاط الدولة التي سمحت لها بممارسة العمل السياسي على أراضيها؟