يستوقفك الحبيب على الجفرى، بما يكتبه على «فيسبوك»، ويقوله على شاشة التليفزيون يوميًا، ليس لأنه كلام جديد، أو بصيرة دينية وسياسية عميقة.. إنما لأنه الحقيقة كما يراها.. أو كما تجرى على الأرض بالضبط.. كلما رأيته يعيدك إلى سيرته الأولى. يمنى غامض نزل القاهرة، كان يشبه الشيعة فى جلبابه، ولحيته، وشكله.. ولأن عدوك ابن كارك، حاول شيوخ التليفزيون اغتياله.. قالوا إنه «شيعي» ينفذ مخططًا إيرانيًا فى القاهرة.. يحاول أن يهدى «أهل السنة» إلى مذهبه. «حاتم»، نجل أبو إسحاق الحويني، قال ذات مرة: «آتاه الله من حلاوة الأسلوب الشيء الكثير، فهو يستخدمه ويزرع السم فى العسل، فحين تسمع منه حديثًا يقول لك رواه البخاري، رواه مسلم وهكذا، ولو بحثت عن الحديث لن تجد له أصلًا، ويستدل بالأحاديث الموضوعة أيضًا على أنها فى الصحيحين». هل تراجع؟ ظل هادئًا، احتفظ بحلاوة أسلوبه ولسانه، يحيط نفسه بأدعية، وآيات من القرآن، وأحاديث تثلج صدور قومٍ مؤمنين. جل ما يريده حاتم الحوينى أن يتحول «الجفري» إلى «شيطان سلفى ضال».. فالله يؤلف قلوب الشياطين معًا. كان «الحبيب» ثابتًا منذ اللحظة الأولى، وصف «الإخوان» ب«المتأسلمين» وقال إن سيد قطب «تكفيرى ضال»، قرر ألا يمسك العصا من المنتصف، ولم يدعى أنه سيرمى عصاه وسط القوم الكافرين فتحدث معجزة.. إنه لا يستطيع أن يهدى قومًا عصوا الله وخانوا النبي فى مذهبه.. هم «الجماعة الإرهابية». احتفظ بشعره فصلته عن التعاطف مع القتل، لم يمسك أحدهم عليه «فيديو» يحرض على قتل «الإخوان»، لن يغفر- أبدًا- لنفسه التحريض على ذبح نفس مهما كانت «خاطئة».. فالدم لعنة تطارد الجميع، وتهدم المعبد على رؤوس الجميع.. حتى لو كان حقًا. ينحدر من نسب الرسول، صلى الله عليه وسلم.. هو على زين العابدين بن عبد الرحمن بن على بن محمد بن علوى بن على بن علوى بن على بن أحمد بن علوى بن عبدالرحمن مولى العرشة بن محمد بن عبد الله التريسى بن علوى الخواص بن أبى بكر الجفرى بن محمد بن على بن محمد بن الشهيد أحمد بن الفقيه المقدم الأستاذ الأعظم محمد بن على بن محمد صاحب مرباط بن على خالع قسم بن علوى بن محمد بن علوى بن عبيد الله بن المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى بن محمد النقيب بن على العريضى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين السبط، ابن على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، زوج البتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). اسمه يكشفه، فهو حفيد الحسين، هادئ، صارم، صائب، كالسيف المسلول، الذى لا يقطع شيئًا من السماحة استقر فى نفسه. من قالوا إنه أشعري، صوفى، يدعو إلى عبادة الأصنام والقبور والأضرحة.. لم يفهموا أنه حفيد أصحاب الأضرحة.. يدعو لهم، ويتبرك بهم، ويأخذ منهم المشورة. ثم إنه كان مناسبًا للمصريين تماما.. هم يحبون «الحسين»، يحجون إليه، حين تملأهم الهموم ويحتد على رقابهم سيف الحياة، يزورون «ابن بنت النبي»، ويتركون «الهم» على بابه. حين تضيق الدنيا بأهل القاهرة، يلجأون إلى السيدة زينب، يطلبون منها المدد على حوائج الدنيا، وواسطة عند الرسول تأخذ بهم إلى الجنة.. هل فى الأمر حرج!؟ بالطبع.. لا. وهل من الحرج أن يقدس ويتبرك «الحبيب» بضريح الحسين، أو قبر السيدة زينب؟ لا أيضًا. حين أحرقت الحملات المسيئة للنبي محمد العالم بنارها، كان «الحبيب» حاضرًا بسماحة وإيمان لم يدع فرصة للتشكيك فيه.. هو أقرب إلى «صاحب الرسالة» منا، ولم يأمر بحرق سفارة، أو يدعو إلى اغتيال ضابط أمن مركزى يحرس القنصلية الدنماركية. ما الذى فعله إذن؟ قال إن الرسول «حيٌ فى قلوبنا».. كانت مبادرة، وحملة، أزالت التراب عن سيرة «محمد» العطرة.. واتبعت السنة.. ردت السيئة بالحسنة.. والهجوم بالمحبة.. لم تشهر السيوف فى وجه «الكافرين»، ولا رفعت المصحف على أسنة الرماح. بابا «الفاتيكان» أساء للمسلمين.. احتل «الحبيب» موقعًا يليق به من الأزمة، فالدعوة لن تنتشر بشيء غير «القول الحسن» هكذا يعتقد، يمكن أن تختلف معه بما إن الإسلام انتشر بحد السيف، لكن ليس وقت السيف الآن. وجه ردًا على «بندكتوس السادس عشر» من بين 38 عالمًا مسلمًا من مختلف «الفرق الإسلامية المتحاربة».. تجاوز أنه رد الإساءة بهدوئه، ودخل العالمية. يمكن أن تزوره من زاوية خاصة جدًا. كان «الحبيب» يؤسس لمبدأ آخر: كل فرقة تؤمن بما تريد.. وتقول ما يروق لها.. وكلها– فى الآخرة – ستقف أمام الله معًا، وتشرب من حجر الرسول. الجفرى عن تفجير «القنصلية»: هولوكست جديد «يُحرضون على جيش بلادهم، ويتوعدون بضرب المصالح الاقتصادية، ويُهددون البعثات الدبلوماسية، ويُفتون بقتل القضاة والعلماء والمُفتين والمثقفين والإعلاميين وكل من أيد إسقاطهم من عموم الشعب، وبعد التنفيذ يتبرأ منها كبارهم ويُلصقونها بأجهزة الدولة، بينما يحتفل بها صغارهم ويُبررونها بالثأر والقصاص، ومن يستنكر جرائمهم يُقذَف فى وجهه بالاتهامات المُقولبة الجاهزة «علماء السلطان، عالم البلاط، شريك فى الدماء، قاتل، ضال، شيعي، صوفى، جامي، مُرجئ، علماني، نصراني، صليبي، صهيوني، عميل، خائن». يَستحلُّون الكذب تحت شعار «الحرب خدعة»، ويُجاهرون بشرعنة فُحش القول وأسلمة البذاءة، وينسبون ذلك، زورًا وبُهتانًا، إلى الله ورسوله، تعالى الله عن ذلك وحاشا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. يعقدون الصفقات مع الدول الخارجية، ويعتبرون ذلك من الحكمة وحسن التدبير السياسي، ويستغيثون بها فى الأزمات، ويُحرضونها على ضرب أوطانهم، ثم يتهمون مخالفيهم بالخيانة والعمالة للخارج! يستميلون الخارج بدعوى حقوق الإنسان والديمقراطية والحريّات، ويسترضونه بإنكار سعيهم لتطبيق الشريعة أو العمل الجهادي، ويستنكرون العمليات الإجرامية، ويُدين كبارهم الإرهاب، بينما يُخاطبون الداخل بلغة الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلامية، وإحياء الخلافة والثأر. يقومون بتعبئة الشباب، وَيعدونهم بالتمكين، ويُمَنّونهم بالنصر، ويُقسمون لهم على ذلك بالأيمان المُغلَّظة، ويزجُّون بهم فى المواجهات الدامية، ثم يستغلون غضبهم وحرقة قلوبهم على من فقدوا من الأحبة ليُغرقونهم فى دوَّامة الثأر والقصاص، ثم يُتاجرون بدمائهم فى استمالة شعوب العالم، وإخراس كل من يُعارض جرائمهم بِعَصى المظلومية وبكائيات «الهولوكست» التى صنعوها بأيديهم الملوثة بالدماء. ثم يحدثونا بعد كل هذا عن نُصرة الإسلام، وإحياء الخلافة، وتحرير الأقصى، ويدَّعون حمل راية التربية الإسلامية، ويعتبرون أنفسهم أصحاب «المشروع الإسلامي»! اللهم اهدنا جميعا وألهمنا الرشد، ووفقنا لصدق القول، وصالح العمل، وإخلاص القصد، وانصرنا بالحق، واجعلنا من أنصاره، ورُدّنا إليك مردا جميلا. «إنّك ولى ذلك والقادر عليه يا حى يا قيوم يا ذَا الجلال والإكرام».