لم تظن يوما وهى تمشط شعرها الغجرى الثائر، وتعقده إلى الخلف «ديل حصان»، قبل دخولها فصلها بإحدى المدارس الإعدادية في العاصمة التونسية، أنها سترتدى الحجاب والعباءة طواعية، ويتصدر اسمها قائمة ضمن عشرة وجوه إرهابية. «إيناس» طفلة في جسد أنثى.. لم تأبه لجسدها الذي يفور بالأنوثة يوما بعد آخر.. لم تعِ بعد التحول الجذرى الذي يضرب جسمها.. لكن «منصور»، الذي يكبرها بعشر سنوات، كان يتابعها في جيئتها وذهابها.. يتفحص تفاصيلها فينتشى كبرا وزهوا، لنظرات القبول الصامت التي كانت تبادله بها في خلسة.. لم يدم الحال طويلًا حتى وقعت في حبائله، بعد أن أوهمها بحبه الذي سيكلل بزواج سعيد. انجرفت «إيناس» إلى حيث لا تدرى.. شغفها حب «منصور»، فطار عقلها.. فتنتها كلماته.. وصدقت وعوده.. أغواها.. فاستسلمت وسلمت.. ووقع المحظور.. فتقطعت الحبائل.. وسقط الحب «الوهمي» مغشيًا عليه أمام حقيقة «منصور» الواهية. لم تصدق الفتاة أنه تخلى عنها.. سلبها ما لا يمكن استعادته.. تركها لمصير كانت تعرفه - لكنها لم تتصور أنه ينتظرها - استدعت لحظتها كل آلام الدنيا التي عرفتها ولم تعرفها.. استحضرت غضب والدها وإخوتها.. النار التي ستشب في بيتها، ووحدها ستحترق بها.. تتراءى لها كوابيس في نومها، لا تلبث أن تصحو منها، حتى تصطدم بالخوف من افتضاح أمرها. حاولت جاهدة، استعادة حياتها.. مدرستها.. صديقاتها.. دفاترها.. جديلتها.. وحتى طفولتها.. انتهت محاولاتها البائسة في إصلاح روحها الخَرِبة، بالتعرف إلى شاب سلفى قابلته مصادفة.. أشعث اللحية.. قصير الجلباب.. تضىء جبينه الأبيض علامة الصلاة، فيزداد وجهه هيبَّة ووقارا.. جذبها إليه بكلام الله.. أثلج صدرها، وخفف من بأسها وخوفها، ومنحها أملا في تجاوز محنتها.. ارتدت «الملحفة» (عباء سوداء يتم تثبيتها على الرأس).. أقنعها أن توبتها هي الطريق لخلاصها من إثم معصيتها السابقة.. وأن الله أرسله لهدايتها والتخفيف عنها، وأنهما سيجاهدان في سبيله، ووعدها بالزواج، شريطة أن ترحل معه إلى سوريا، وتترك أسرتها.. أسئلة كثيرة ضربت رأسها: «الجهاد؟ ما هو الجهاد في سبيل الله؟ ولماذا أسافر؟ ولماذا إلى سوريا تحديدا؟ والخلاص من ماذا؟». وفى منتصف يناير منذ عامين ماضيين، هربت «إيناس» من بيت أهلها، وتزوجها الشاب السلفى عرفيا، ومكثت معه في منزل استأجره لها، وبعدها سافرا إلى تركيا، ومكثا فيها عدة أيام، ثم إلى سوريا، التي ولجا إليها من أحد المعابر التي تسيطر عليها جبهة النصرة. طوال الرحلة، أخذ الشاب السلفى، يحدثها عن نوع من الجهاد، هو الأسمى - حسبما أقنعها - وهو «جهاد النكاح»، وأفهمها ضرورة عملها في إشباع رغبات «الإرهابيين»، وأخبرها أنه كلما زاد عدد المجاهدين الذين تعاشرهم، كلما زاد الثواب والأجر، وإذا توفاها الله فهى شهيدة ومكانها الجنة.. عندما وصلت «إيناس» إلى سوريا كانت قد اقتنعت تماما، بالمشاركة في «جهاد النكاح».. وصلت «إيناس» إلى منطقة «عين ترما» في الريف الشرقى لمدينة دمشق، حيث يسيطر الإسلاميون المتطرفون عليها.. كانت خالية الشوارع وكأنها مدينة تسكنها الأشباح، لا مياه ولا كهرباء، بيوتٌ مهدمة.. ومبانٍ سويَّت بالأرض، شاهدت رجالا يلبسون لباسا مختلفا، أشبه بملابس الأفغان، جلاليب حتى الركبة، ويلفون رءوسهم بأغطية قماشية، بعضهم يحمل أسلحة ثقيلة، وآخرون يحملون سواطير وسكاكين وسيوف، كما رأت عددا من السيارات «الجيب».. شعرت بأنها رغم ارتدائها لعباءة تغطى جسدها بأكمله، وحجاب أبيض يطوق شعرها، أن ملابسها فاضحة.. كاشفة.. بين أولئك النساء المتشحات بالسواد من رأسهن حتى أخمص أقدامهن. وفى أحد المراكز التابعة لجبهة النصرة، سلمها «زوجها» - الذي لم تره مرة أخرى - إلى زعيم مجموعة من المسلحين، وسألها عن اسمها، وكتبه في سجل، كان جدولًا للمعاشرة اليومية لجهاد النكاح. سألت الفتاة عن زوجها «الوهمي»، فأخبرها أحد المقاتلين بأن مهمته انتهت، وعليها أن تباشر عملها في الجهاد في سبيل الله.. وبدأت المعاناة.. حيث كان يتم التناوب عليها يوميا من قبل 5 - 7 رجال، والذين كانوا يعاملونها كجارية، فأحدهم يطلب منها غسل قدميه، وآخر يطالبها بتقليم أظافره، وثالث كان يضربها إذا ما بدر منها أي اعتراض، إذا ما تعللت بمرضٍ أو تعب.. خلال الأسبوع الأول، عاشرت «إيناس» ما يزيد على مائة رجل.. لم تكن تلاحظ ملامح وجوههم.. فجميعهم متشابهون، في الملبس والشكل، وحتى في «حيوانيتهم» ووحشيتهم.. وبعد ثلاثة أشهر اكتشفت أنها حامل، دون أن تعرف حتى من والد جنينها، الذي «قتله» تعاقبهم على جسدها الضعيف ليل نهار. لم تستطع «إيناس» تحمل المزيد من الآلام.. والإهانة.. والوحشية.. فقررت الهروب - رغم أنها لا تعرف إلى أين - لكن رغبتها في إنهاء ما تعانيه، لم يكن لينهيه إلا الفرار من هذا الجحيم.. انتظرت حتى انسدل الليل، حتى ارتدت عباءة سوداء ونقاب، واستطاعت أن تسرق 3000 دولار من أحد قيادات «الجبهة» خلال قضائه ليلة معها.. وخلال طريقها شاهدت جثثا منتشرة في النفايات والطرقات، وتدمير شامل في الطرق والمبانى والبيوت.. لكن حظها العاثر، أوقعها في أيدى المقاتلين من جديد.. لتلاقى أقسى وأشد أنواع التعذيب، تأديبًا لها على محاولة هروبها. ظلت إيناس على هذه الحال، لمدة 7 شهور، أصيبت بعدها بنزيف حاد وتهتك في الرحم، وظلت على حالها أيامًا طويلة، وتم علاجها ببعض الأعشاب الطبية، التي وصفتها لها فتاة مغربية، تعرفت عليها ضمن الفتيات المجندات لإمتاع المسلحين. استطاعت «إيناس» أن تخبئ المال الذي سرقته، ومن ثم دفعته لأحد المقاتلين، ليسهل عليها الهروب إلى بلدها مرة أخرى.. وتمكنت بالفعل من الهروب عبر الأراضى التركية إلى تونس، ليتم القبض عليها من قبل قوات الأمن.