حفرت "نازك الملائكة" اسمها في تاريخ الشعر العربي الحديث بحروف من نور، فكانت أول من كتب الشعر الحر في العربية، وتنافست فيه مع العملاق بدر شاكر السياب، وجمعت في قدراتها بين الشعر والنقد، وتركت آثار مختلفة في الأدب والنقد، كواحدة ممن ساهموا في تغيير مسار الشعر العربي. ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923، لأم شاعرة هي سلمى عبد الرزاق، وأب أديب وباحث هو صادق الملائكة، فتربَّت على العلم والأدب، وهُيئتْ لها أسباب الثقافة، وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى التحقت بدار المعلمين العالية، وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز، وأجادت الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، واللاتينية، ثم سافرت إلى أمريكا لتدرس اللغة والأدب بالإنجليزية لتحصل على ماجستير الأدب المقارن من جامعة وسكنسون، إضافة إلى آداب اللغة العربية التي حصلت على الإجازة فيها، وعملت بعد ذلك أستاذ مساعد في كلية التربية بجامعة البصرة؛ ثم عادت عام 1954 ثانية إلى الولاياتالمتحدة لدراسة الدكتوراه، في البعثة التي أوفدتها الجامعة العراقية، واطلعت على الأدب الفرنسي والصيني والألماني والهندي. نشرت نازك ديوانها الأول "عاشقة الليل" عام 1947، وكانت تسود قصائده الحزن العميق، حتى إن الشاعر مارون عبود وصف الديوان قائلًا " فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم، ولا نسمع إلا أنينًا وبكاءً، وأحيانًا تفجعًا وعويلًا "؛ وبعدها نظمت أول قصيدة في الشعر الحر بعنوان "الكوليرا"، والتي قالت عنها بأنها "ستغير خريطة الشعر العربي"، ثم نشرت ديوانها الثاني "شظايا ورماد" عام 1949، وثارت حوله ضجة عارمة، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر، ليدعي كل منهما أنه أسبق من الآخر، وأنه أول من كتب الشعر الحر، وهي الحركة التي وصفتها نازك فيما بعد بأنها خرجت من العراق لتغمر الوطن العربي كله. جمعت نازك بين الشعر والنقد، ونقد النقد، وهي موهبة لم تتوفر إلا للنادر من الأدباء والشعراء، وأصدرت عددا من الدواوين والدراسات النقدية والأدبية مثل"قرارة الموجة"، و"شجرة القمر"، وجمعت دواوينها في مجلدين ضخمين تم نشرهما في بيروت؛ ومن دراستها النقدية "قضايا الشعر المعاصر، الأدب والغزو الفكري، محاضرات في شعر على محمود طه، وسيكولوجيا الشعر"؛ وكانت قصيدة "أنا وحدي" آخر قصائدها المنشورة التي رثت بها زوجها؛ وحصلت على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الإبداع العراقي عام 1992، وجائزة البابطين للشعر عام 1996، وذلك بعد استقرارها بالقاهرة عقب حرب الخليج الأولى، كما أقامت دار الأوبرا المصرية في عام 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي، والذي لم تحضره بسبب المرض؛ وتوفيت في صيف عام 2007 عن عُمر ناهز الرابعة والثمانين بالقاهرة.