أعرض هنا في حلقات متتابعة ل«سيدات بيت رسول الله»، استنادًا إلى كتابين قيمين الأول: «نساء النبى»، لبنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبدالرحمن، والثانى: «زوجات الرسول بين الحقيقة والافتراء»، للدكتور نبيل لوقا بباوى. توقفت في حلقة أمس، عند زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة خديجة بنت خويلد، بعد طلب منها، وكان هو ابن خمس وعشرين سنة، وكانت هي في الأربعين من عمرها. مع «محمد» تجلت ل«خديجة» آية الله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجنا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة. ما لى أتحدث أنا، والمصطفى عليه السلام يقول ل«عائشة» عن «ضرتها» التي سبقتها: «والله ما أبدلنى الله خير منها». كانت هالة بنت خويلد أخت «خديجة» قادمة لزيارة النبى وسمع محمد عليه الصلاة والسلام، صوتها في فناء بيته، وكان يشبه صوت السيدة خديجة، فهتف خافق القلب: «اللهم هالة». ما ملكت «عائشة» نفسها أن قالت: «ما تذكر من عجوز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، أبدلك الله خير منها؟». تغير وجه النبى عليه الصلاة والسلام ورد على عائشة: «والله ما أبدلنى الله خيرا منها.. آمنت بى حين كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى منها الولد دون غيرها من الناس». اشتعلت «الغيرة» في قلب «عائشة» فقالت: «والله لا أذكرها بعدها أبدًا»، وكانت قبل ذاك، لا تكف عن الكلام فيها. قالت له يومًا وقد ألفته لا ينقطع عن ذكرها: «كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة»، فرد عليها صلى الله عليه وسلم: «إنها كانت وكانت وكانت لى منها ولد». لم تكن السيدة خديجة بعد زواجها من النبى عليه الصلاة والسلام صبية غريرة، بل كانت السيدة الناضجة التي وصلت إلى الأربعين، وتزوجت مرتين، ولها من الأبناء أيضًا. يمكن أن تقول إن «خديجة» مثلت «حائط الصد» الأول أمام اتهام النبى عليه الصلاة والسلام ب«الشهوانية»، وهنا يذكر الدكتور نبيل لوقا: «لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام رجلا شهوانيا يجرى خلف شهواته كما يدعى المفترون لكان تزوج من فتاة بكر مثل سنه ولا تكبره لأن الرجل الشهوانى الذي يبحث عن الشهوة الجنسية يبحث عن فتاة تتفرغ له ويتفرغ لها، فهذه هي مقومات اللهو عند طلاب الملذات وعبيد الشهوات لا أن يتزوج امرأة سبق لها الزواج مرتين ولها أولاد من زوجيها السابقين». ويسأل «لوقا»: «هل يعقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجرى خلف شهواته ويتزوج امرأة مشغولة بتربية أولادها، فلو كان من عشاق الجسد وطلاب الشهوة لكان يختار كيفما شاء من البنات الصغار الأباكر الجميلات، لأن شبابه لا يضاهيه أحد في قريش وهو القرشى الهاشمى الذي لا ترد خطبته وخاصة لشهرة أسرته بين القبائل مما يجعله مرغوبا من كل نساء القبائل العربية». استغرق «محمد» و«خديجة» 15 عاما في حياة هانئة، ناعمين بالألفة والاستقرار وقد أتم الله عليهما نعمته، فرزقهما البنين والبنات: القاسم، وعبدالله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وتنفرد السيدة خديجة من بين نساء النبى جميعا بأنها وحدها التي عرفته رجلا وعاشرته زوجا قبل أن تحف به أضواء النبوة. 15 عاما كانت كافية للكشف عن جوهر الزوج، حيث عرفت من خصاله وسجاياه ما قد يخفى على غيرها من الناس، ومن ثم كانت أول المؤمنين به من النساء دون أي يساورها شك في الزوج الذي اختارته شابا وأحبته وعاشرته زوجا وعرفته رجلا.